Consultation Image

الإستشارة
  • المستشار : أ. فتحي عبد الستار
  • القسم : إيمانية
  • التقييم :
  • عدد المشاهدات : eye 179
  • رقم الاستشارة : 932
09/02/2025

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، جزاكم الله خير على جهودكم الطيبة. أنا امرأة متزوجة وعندي عيال، وعلاقاتي الاجتماعية وايد، وأحب أسوي الخير وألتزم بالعبادات، لكن عندي مشكلة مضايقتني، وهي إني أفرح لما الناس يدرون عن أعمالي الطيبة ويمدحوني عليها، وأحيانًا حتى أتكلم عنها بنفسي أو أتمنى إن غيري يعرف، وهذا الشي مخوّفني، أخاف يكون فيه رياء ويحبط عملي. أنا واثقة إني أحب الخير بصدق، بس هالإحساس يراودني وأبي أتخلص منه علشان أكون مخلصة لله سبحانه. شلون أقدر أضبط هالشي وأحافظ على نيتي صافية لله؟ وهل الفرح بمدح الناس على العمل الصالح يعتبر رياء؟ الله يجزاكم خير ويفتح علينا وعليكم بالإخلاص والقبول.

الإجابة 09/02/2025

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته -أختي الفاضلة- وأسأل الله أن يجزيك خيرًا على حرصك على الإخلاص له في عملك، وأن يرزقك القبول والتوفيق في الدنيا والآخرة، وبعد...

 

فلا شك أن الإخلاص لله –عز وجل- هو أعظم ما يسعى إليه المؤمن، وهو شرط لقبول العمل، وإلا أحبطه الله ورده على صاحبه، والآيات والأحاديث في ذلك أكثر من أن تحصى، نذكر منها:

 

قال الله تعالى: ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ﴾ [البينة: 5].

 

وقال: ﴿مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ . أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [هود: 15 و16].

 

وقال: ﴿وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ [الزمر: 65].

 

وقال جل وعلا: ﴿فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا﴾ [الكهف: 110].

 

والرياء نوع من الشرك؛ إذ سمّاه النبي صلى الله عليه وسلم «الشرك الأصغر»، حيث قال: «أَخْوَفُ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمُ الشِّرْكَ الْأَصْغَرُ»، قالوا: وما الشرك الأصغر يا رسول الله؟ قال: «الرِّيَاءُ، يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِذَا جَزَى النَّاسَ بِأَعْمَالِهِمْ: اذْهَبُوا إِلَى الَّذِينَ كُنْتُمْ تُرَاءُونَ فِي الدُّنْيَا فَانْظُرُوا هَلْ تَجِدُونَ عِنْدَهُمْ جَزَاءً؟» [رواه أحمد].

 

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى» [متفق عليه].

 

وقال صلوات الله وسلامه عليه: «إنَّ أوَّلَ النَّاسِ يُقْضَى يَومَ القِيامَةِ عليه رَجُلٌ اسْتُشْهِدَ، فَأُتِيَ به فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَها، قالَ: فَما عَمِلْتَ فيها؟ قالَ: قاتَلْتُ فِيكَ حتَّى اسْتُشْهِدْتُ، قالَ: كَذَبْتَ، ولَكِنَّكَ قاتَلْتَ لأَنْ يُقالَ: جَرِيءٌ، فقَدْ قيلَ، ثُمَّ أُمِرَ به فَسُحِبَ علَى وجْهِهِ حتَّى أُلْقِيَ في النَّارِ، ورَجُلٌ تَعَلَّمَ العِلْمَ، وعَلَّمَهُ وقَرَأَ القُرْآنَ، فَأُتِيَ به فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَها، قالَ: فَما عَمِلْتَ فيها؟ قالَ: تَعَلَّمْتُ العِلْمَ، وعَلَّمْتُهُ وقَرَأْتُ فِيكَ القُرْآنَ، قالَ: كَذَبْتَ، ولَكِنَّكَ تَعَلَّمْتَ العِلْمَ لِيُقالَ: عالِمٌ، وقَرَأْتَ القُرْآنَ لِيُقالَ: هو قارِئٌ، فقَدْ قيلَ، ثُمَّ أُمِرَ به فَسُحِبَ علَى وجْهِهِ حتَّى أُلْقِيَ في النَّارِ، ورَجُلٌ وسَّعَ اللَّهُ عليه، وأَعْطاهُ مِن أصْنافِ المالِ كُلِّهِ، فَأُتِيَ به فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَها، قالَ: فَما عَمِلْتَ فيها؟ قالَ: ما تَرَكْتُ مِن سَبِيلٍ تُحِبُّ أنْ يُنْفَقَ فيها إلَّا أنْفَقْتُ فيها لَكَ، قالَ: كَذَبْتَ، ولَكِنَّكَ فَعَلْتَ لِيُقالَ: هو جَوادٌ، فقَدْ قيلَ، ثُمَّ أُمِرَ به فَسُحِبَ علَى وجْهِهِ، ثُمَّ أُلْقِيَ في النَّارِ» [رواه مسلم].

 

وهذا الحديث من أشد الأدلة على خطورة الرياء، وأن من عمل ليُمدح من الناس حُرم الأجر، بل كان ذلك سببًا في عذابه، مهما كان عمله.

 

أما عن سؤالك: هل الفرح بمدح الناس على العمل الصالح يعتبر رياءً؟

 

فأقول -مستعينًا بالله- إن الفرح بمدح الناس على العمل الصالح لا يكون رياءً إلا إذا كان الدافع الأصلي للعمل هو الثناء والمدح، أما إذا كان العمل خالصًا لله، ثم جاء المدح بعده، فهذه «بشارة عاجلة للمؤمن»، كما جاء في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم حينما سئل عن ذلك، فقال: «تِلكَ عَاجِلُ بُشْرَى المُؤْمِنِ» [رواه مسلم]. فالشعور بالسعادة عندما يثني الناس عليك بسبب عمل صالح لا يضركِ بإذن الله، ما دامت نيتك الأصلية لله وحده.

 

لكن الخوف من الرياء يأتي إذا بدأ القلب يميل إلى العمل لأجل الناس، أو صار حب الثناء دافعًا أساسيًّا، وهنا ينبغي مجاهدة النفس وتجديد النية باستمرار.

 

أما حول كيفية ضبط هذا الشعور والحفاظ على النية الصافية لله، فأنصحك بالتالي:

 

1- مراجعة نيتك دائمًا في كل عمل:

 

فقبل أي عمل، اسألي نفسك: لماذا أفعل هذا؟ هل أبحث عن رضا الله أم رضا الناس؟

 

2- الإكثار من عمل السر:

 

حاولي أن يكون لك نصيب من الأعمال التي لا يعلم بها أحد إلا الله، مثل الصدقة الخفية، وقيام الليل، وصيام التطوع، أو الدعاء للناس بظهر الغيب، دون أن تخبري أي أحد بها، فهذه الأعمال تساعد على تعويد القلب على الإخلاص، وتُشعرك بلذة العبادة والقرب من الله. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ في ظِلِّهِ، يَومَ لا ظِلَّ إلَّا ظِلُّهُ...» وذكر منهم: «ورَجُلٌ تَصَدَّقَ، أخْفَى حتَّى لا تَعْلَمَ شِمَالُهُ ما تُنْفِقُ يَمِينُهُ، ورَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ» [رواه البخاري].

 

3- التواضع لله ومنع الحديث عن الأعمال:

 

لا بأس بذكر عملك للخير أحيانًا للتشجيع والتحفيز، ولكن بصورة مرحلية، امنعي الحديث عن أعمالك تمامًا حتى يطمئن قلبك للإخلاص، وتدربي نفسك على ذلك.

 

4- الاستعاذة من الرياء والدعاء بالإخلاص:

 

فقد نصح النبي -صلى الله عليه وسلم- أبا بكر –رضي الله عنه قائلًا: «يا أبا بكرٍ، لَلشِّركُ فيكم أخْفى من دبيبِ النَّملِ، والذي نفسي بيدِه لَلشِّركُ أخْفى من دَبيبِ النَّملِ، ألا أدُلُّك على شيءٍ إذا فعلتَه ذهب عنك قليلهُ وكثيرهُ؟ قل: اللَّهمَّ إنِّي أعوذُ بك أن أُشرِكَ بك وأنا أعلمُ، وأستغفِرُك لما لا أَعلمُ» [صحيح الأدب المفرد].

 

5- تذكير النفس بزوال الدنيا:

 

فلو تأملنا في حقيقة الدنيا بما عليها وبمن فيها، لوجدنا أنها حقيرة فانية زائلة، وأن أعين الناس ومدحهم ورضاهم لن يُغني عنا شيئًا يوم القيامة، وأن عين الله ورضاه وجزاءه هو الباقي الخالد.

 

وختامًا –أختي الكريمة- أسأل الله أن يرزقك الإخلاص، فهو نعمة عظيمة يختص بها الله من أحب من عباده. واصلي عملك الصالح، ولا تجعلي وساوس الشيطان تحرمك من الخير، ولكن في الوقت نفسه اجتهدي في تصفية نيتك باستمرار؛ فالقلوب بين إصبعين من أصابع الرحمن، وهو القادر وحده على تطهيرها وتثبيتها على الحق.

 

زادك الله حرصًا على طاعته، وجعل عملك مقبولًا، ورزقك الإخلاص في القول والعمل، ومرحبًا بك دائمًا.

الرابط المختصر :