Consultation Image

الإستشارة 21/04/2025

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أنا فتاة أستخدم شخصيتي الرقمية (الأفاتار) في عدة تطبيقات مثل فيسبوك، سناب شات، واتساب، وحتى في بعض الألعاب. هذا الأفاتار يشبهني كثيرًا لأنه مأخوذ من صورة حقيقية لي وتمت معالجته بالذكاء الاصطناعي ليظهر بشكل كرتوني. أستخدمه أحيانًا في التعليقات أو الرسائل، كنوع من التعبير أو المرح، وأُغيّر ملابسه ومظهره حسب المزاج، وفي بعض الأوقات ألبسه ملابس غير محتشمة – مثل القصيرة أو الكاشفة – سواء داخل الألعاب أو عند مشاركته في ملصقات أو رموز تعبيرية. مع الوقت بدأت أتساءل بصدق: هل يُعتبر هذا النوع من التمثيل الرقمي – رغم أنه ليس صورتي الحقيقية – أمرًا آثمًا إذا كانت الملابس غير لائقة؟ هل أُحاسب شرعًا على مظهر الشخصية، مع أنه مجرد أفاتار؟ وهل تختلف المسألة إذا كنت أشاركها بين صديقاتي فقط، أو في محيط عام مثل التعليقات أو المحادثات المختلطة؟ أنا أحب هذه الوسائل وأشوفها ممتعة، لكن لا أريد أن يغضب الله مني بسبب أمر يبدو بسيطًا… أرجو منكم توضيح الحكم الشرعي لهذه المسألة التي أصبحت جزءًا من حياتنا اليومية. جزاكم الله خيرًا.

الإجابة 21/04/2025

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وآله وصحبه ومن والاه، وبعد:

فإذا نشرت المرأة صورتها بهذه الطريقة فلتحرص على أن تكون بما أباحه الله من اللباس الشرعي، وهو ستر جميع البدن عدا الوجه والكفين، على رأي جمهور الفقهاء، خلافًا للحنابلة الذي أوجبوا عليها ستر الوجه والكفين حتى تكون لا تكون الصورة نفسها سببًا في ترويج التبرج وتساهل البنات فيه.

وتحويل الصور بالذكاء الصناعي لا يختلف عن التصوير بـ(الكميرات) وغيرها، وفيه خلاف في الحكم بين من يأخذ بظاهر الأحاديث فيحرمها، ومن يؤولها فيجيزها بضوابطها الشرعية، وهذا التغيير الذي يحدث في الصورة لا يغير في الحكم الشرعي.

غير أن ثمة تخوفًا من نشر المرأة صورها، سواء أكانت صورة حقيقة أم غيرها، سدًّا للذريعة حتى لا تؤخذ هذه الصور ويتلاعب بها شياطين الإنس فيظهرونها وكأنها عارية أو تمارس الرذيلة؛ فحفاظًا على المرأة وعلى عرضها عليها أن تحتاط لهذا الأمر.

 

يقول فضيلة الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي – رحمه الله – في إجابة عن سؤال حول استعمال (الجرافيك) في التصوير خاصة إذا كان يستعمل في الدعوة إلى الله:

من قديم فصّلنا الأحكام المتعلقة بالتصوير والمصورين في كتابنا "الحلال والحرام في الإسلام"، ورجّحنا في ضوء الأدلة الشرعية ما ذهب إليه بعض فقهاء السلف: أن المُحرَّم من الصور هو ما كان له ظل، أي ما كان مجسّمًا، وهو الذي نسميه بلغة العصر "التماثيل"؛ لأنها هي التي تضاهي خلق الله، فإن خلقه تعالى مجسّم، كما قال سبحانه {هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاء} (آل عمران: 6)، وتصويره تعالى في الأرحام: تحويل الجنين من نطفة إلى علقة إلى مضغة مُخلّقة وغير مُخلّقة، إلى عظام مكسوة لحمًا، ثم ينشئه خلقًا آخر، فتبارك الله أحسن الخالقين.

 

وجاء في الحديث القدسي: "ومَن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي؟"، فهذا هو خلق الله، إنه مجسم دائمًا، والمجسم هو الذي يُتصور فيه نفخ الروح، حيث يُطالَب المصوِّر يوم القيامة: أن ينفخ في صورته الروح، وليس بنافخ فيها أبدًا، كما صح في الحديث، ولا يُستثنى من ذلك غير "لعب الأطفال" لحاجتهم إليها، ولخلوها من التعظيم للصورة.

 

وعلى ضوء هذا نقول: إن الصور المسطحة تخرج عن التحريم إلى الجواز، وفي السؤال الذي معنا عدة أمور إضافية؛ تخفف الحكم في هذه الصيغة خاصة:

 

الأول: أن "الرسوم الكارتونية" ليست صورًا كاملة، بل هي صور ذات طبيعة خاصة، لا تستجمع كل ملامح الصورة الحقيقية.

 

والثاني: أنها تستخدم لأغراض دعوية وتربوية وتثقيفية، والأولاد الصغار يقبلون عليها غاية الإقبال، ويتابعونها، ويتأثرون بها، فينبغي علينا ألا نهمل هذه الوسيلة المحببة، وأن نستخدمها في تعليم الأطفال والمراهقين ما ينبغي أن يتعلموه من العقائد والقيم والمفاهيم.

 

الثالث: أن الآخرين استخدموا هذه الوسيلة من مدة طويلة، وغزونا بها غزوا كاسحًا في التليفزيونات المختلفة في أوطاننا، وغدت هذه المسلسلات الكرتونية هي الغذاء اليومي الشهي لأبنائنا وبناتنا، وقد أدمن الجميع عليه، ولم يعد من السهل فطامهم عنه؛ إلا بـ "بديل إسلامي" مناسب، يحمل نفس العناصر التعليمية والتشويقية، التي تجذب الأطفال بسهولة.

 

بل إني أرى أنه من المتعين علينا أن نخوض هذه المعركة الإعلامية الفنية بكل قوة، حتى نسد هذه الثغرة، ونلبي هذه الحاجة الملحة، بأدوات تعبر عن ديننا ورسالتنا وحضارتنا وتقاليدنا، فهذا من فروض الكفاية الواجبة اليوم على الأمة في مجموعها.

 

وعلى أهل الاختصاص القادرين من أهل الإبداع الأدبي والفني الملتزم، على إنتاج مثل هذه البرامج؛ أن يسارعوا بها، وعلى غيرهم من أهل السلطان، وأصحاب المال، أن يعينوهم على أداء هذه الرسالة النافعة والضرورية. ورحم الله كل من أسهم في هذا العمل بنصيب.

 

والله تعالى أعلى وأعلم

الرابط المختصر :