وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، أهلاً ومرحبًا بك -أخي السائل- على موقع استشارات المجتمع، وبعد:

 

فلا شك أن الجلوس مع الصالحين يؤثر إيجابًا على النفس ويغمرها بالسكينة والطمأنينة، لا سيما إن كان هؤلاء الصالحون من حملة القرآن الكريم، ولي تجربة فريدة في هذا الأمر، وسأذكر لك بعض القصص المحفزة للنفس والمجددة لنشاطها...

 

لقاء مع صاحب أعلى سند قرآني على وجه الأرض

 

الشيخ محمد بن عبدالحميد بن عبدالله بن خليل الإسكندراني هو صاحب أعلى سند قرآني على وجه الأرض؛ إذ يفصله عن الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم- عدد من الرواة لا يتجاوز 26 راويا في القراءات العشر الكبرى.

 

ولد الشيخ محمد بن عبدالحميد بن عبدالله بن خليل في يوم الأربعاء 22 شوال 1344هـ (5 مايو 1926م) في قرية النقيدي التابعة لمركز كوم حمادة بمحافظة البحيرة في مصر. وتزوج ابنة عمه، وأنجب منها ولدًا وبنتين، ورزقه الله من أولاده أحفادًا.

 

كُف بصره في السنة الثانية من عمره، بعد أن عجز الطب عن علاجه. وقال الشيخ: إن هذا من تدبير الله له؛ إذ توجه بعدها إلى كتّاب القرية عندما بلغ الخامسة من عمره، فأتم حفظ القرآن وهو في العاشرة من عمره.

 

وحين صار شابًّا نزح إلى الإسكندرية؛ ليبحث عن فرصة ربما تتاح له للعمل في وزارة الأوقاف، وكان وقتها قد تجاوز العشرين من العمر، وتقدم الشيخ إلى مسابقة وزارة الأوقاف فرُفض؛ لأن الشيخ يومها كان حافظًا غير مجوّد للقرآن، وأمهلته الوزارة شهرين يجوّد فيهما القرآن، فذهب إلى الشيخة نفيسة بنت أبي العلا -شيخة الإسكندرية الحافظة في ذلك التوقيت- وطلب إليها أن ينجز المهمة في شهرين. فأنجز المهمة، وعُيِّن في وزارة الأوقاف.

 

ذهبت في ذلك اليوم من عام 2010م –أنا والشيخ خالد البراوي والشيخ هشام عبدالباري– لزيارة الشيخ محمد بن عبدالحميد بن عبدالله بن خليل في منزله بالإسكندرية. وحين دخلنا منزله قبّلته على رأسه إجلالاً وتقديرًا لمقامه. رأيت فيه التواضع وعرفت حينئذ أنه يبلغ من العمر 86 سنة. وفي زيارة أخرى، طلبت إليه أن يتلو سورة الفاتحة بالقراءات العشر الواردة. فاستأذنته أن أسجل صوته فأذن لي، وما زلت أحتفظ بصوته أستمع إليه كلما شعرت بفتور فتنتعش نفسي من جديد.

 

من مصادر تحفيز النفس، الجلوس مع شخص يحمل في صدره القرآن الكريم، ولا سيما بسند عالٍ ومتصل إلى الرسول محمد صلى الله عليه وآله وسلم.

 

إليك أيها القارئ بعض القصص التي حدثت في الواقع بتواريخها المعلنة وأمكنة وقوعها لأشخاص محفزين وأصحاب همم عالية، وتوضح أن قرارات متجددة تتخذها في حياتك تشحذ همتك:

 

قرار لجنة الصحبة الصالحة بتفويض الصلاحيات للآخرين:

 

استدعتني لجنة الصحبة الصالحة في منطقة بيان لإلقاء محاضرة للشباب بعنوان "التفويض وأهميته في تحفيز النفس".

 

لجان الصحبة الصالحة هي لجان تابعة لجمعية الإصلاح الاجتماعي بدولة الكويت، وهي لجان تُعنى برعاية الشباب وتثقيفهم دينيًّا وثقافيًّا، وتقيم لهم نشاطات مختلفة منها حلقات تحفيظ القرآن والرياضة والرحلات التربوية والترفيهية وأداء مناسك العمرة، ولها فروع عدة في جميع مناطق الكويت.

 

إن الإنسان عندما يفوّض بعض صلاحياته وسلطاته للآخرين، فإنه يتفرغ لأعمال أخرى، مما يؤدي إلى مضاعفة إنجازاته.

 

على الرغم من أهمية التفويض في تحفيز النفس، فإن هناك 3 أمور لا يستطيع الإنسان تفويضها للآخرين:

 

1. صناعة الصف القيادي الذي يدير العمل بعد مغادرتك لموقع عملك.

 

2. صناعة النموذج الحسن للآخرين في الانضباط والالتزام والممارسة.

 

3. تفويض الأعمال التي تفوض لك من السلطات العليا.

 

سأل أحد الشباب في نهاية المحاضرة: هل يوجد هناك تفويض مطلق لجميع صلاحيات المسؤول في البيت أو في موقع العمل لأشخاص آخرين؟ كان السؤال محيرًا، وكانت الإجابة "نعم"، إذا تحققت 3 شروط:

 

1. مراقبة الفرد الذي مُنح له التفويض المطلق.

 

2. مطالبة الفرد -عند وقوع الخطأ- بإصلاحه فورًا وبطريقة تتخطى التوقعات.

 

3. وضع الفرد نظامًا يمنع وقوع الخطأ نفسه في المستقبل.

 

تفويض بعض صلاحياتك للآخرين يعتبر من أكبر مصادر التحفيز للنفوس.

 

قرار بإدخال السرور على الآخرين:

 

من الأحاديث النبوية الشريفة: "أحب الناس إلى الله أنفعهم، وأحب الأعمال إلى الله عز وجل سرور تدخله على مسلم، أو تكشف عنه كربة، أو تقضي عنه دينًا، أو تطرد عنه جوعًا، ولأن أمشي مع أخي المسلم في حاجة أحب إليّ من أن أعتكف في المسجد شهرًا، ومن كف غضبه، ستر الله عورته، ومن كظم غيظًا، ولو شاء أن يمضيه أمضاه، ملأ الله قلبه رضى يوم القيامة، ومن مشى مع أخيه المسلم في حاجته حتى يثبتها له، أثبت الله تعالى قدمه يوم تزل الأقدام، وإن سوء الخلق ليفسد العمل، كما يفسد الخل العسل" (حديث حسن – أورده الألباني في صحيح الجامع).

 

إن من يدخل السرور على الآخرين يشعر بحيوية وحماسة شديدتين. أوضح لي صديقي ناصر البدر طريقة رائعة، غير مكلفة، في تجديد الحياة الزوجية مع زوجته فاطمة، حيث دار بيني وبينه الحوار التالي: أخي ناصر: ما هي آخر صرخاتك في تجديد حياتك الزوجية؟

 

قال ناصر: سأخبرك عن طريقة غير مكلفة، لكنها رائعة. فقلت: تفضل. وكلي آذان مصغية إليك. فقال: يوجد في غرفة النوم في بيتي 5 مصابيح من النوع الوهاج في السقف. اشتريت 5 مصابيح ملونة: أحمر وأزرق وأصفر وأخضر ووردي. أفاجئ زوجتي في نهاية كل شهر بلون واحد مختلف في الغرفة، من باب التغيير، ولمدة يوم واحد فقط لكل لون.

 

قلت: وما هي ردة فعل زوجتك على هذا الأمر؟ هل أعجبتها الفكرة؟ قال: أعجبتها الفكرة جدًّا، على مدار 5 أشهر ونحن نعيش حياة زوجية متجددة بتكلفة لا تتعدى 200 فلس لكل مصباح ملون (أقل من دولار واحد)!

 

إدخال السرور على الآخرين محفز للنفوس، والتجديد في الحياة نوع من أنواع إدخال السرور عليهم.

 

قرار بتطبيق معادلة BEN

 

في ذلك اليوم رأتني إحدى بناتي مرهقًا، فاقترحتْ عليّ أن أُدخل في حياتي معادلة BEN، قلت لها: وما هي هذه المعادلة؟ قالت: حرف B هو أول حرف من كلمة Brake بمعنى "استراحة"، عليك يا أبي أن تأخذ استراحة من حين إلى آخر أثناء العمل.

 

أما حرف E فهو أول حرف من كلمة Exercise بمعنى "تمرين"، عليك يا أبي أن تمارس تمرينَا رياضيًّا من حين إلى آخر أثناء العمل.

 

أما حرف N فهو أول حرف من كلمة NO بمعنى "لا"، عليك يا أبي أن تقول "لا" من حين إلى آخر لأي عمل إضافي يطلب إليك أداؤه ولا تطيقه.

 

استرح كلما شعرت بتعب، ومارس تمرينًا رياضيًّا، وارفض ما لا تطيق من الأعمال، فإن في ذلك حيوية للنفوس واستعادة لنشاطها.