Consultation Image

الإستشارة
  • المستشار : د. أميمة السيد
  • القسم : تربوية
  • التقييم :
  • عدد المشاهدات : eye 131
  • رقم الاستشارة : 1527
06/04/2025

مساء الخير يا دكتورة، أنا واحدة من الناس اللي مش بتبعت لأي حد بسهولة، بس أنا حرفيًّا مش قادرة أكمّل كده، وقلت يمكن حضرتك تساعديني يمكن ألاقي عندك طوق نجاة.

 

أنا أرملة، جوزي مات من ٨ سنين، وساب لي ابني كان وقتها عنده ٧ سنين، دلوقتي ابني بقى عنده ١٥ سنة، مراهق، وعصبي، وبيغلط، بس بردو هو طيب وحنين، وأنا بحبه جدًّا، هو حياتي كلها.

 

أنا من ساعة ما جوزي مات، اعتمدت على أخويا في حاجات كتير، بييجي يزورنا، وبيوصل ابني، وبيساعدني في حاجات البيت، ربنا يكرمه، بس للأسف مفيش تفاهم خالص بينه وبين ابني.

 

كل شوية خناق، وكل مرة الموضوع بيزيد عن حده! ابني بيقول إنه بيعامله بحدة، وبيتدخل في كل تفاصيله، وإنه بيهينه قدام صحابه، وإنه بيقوله كلام يجرحه.

 

وأخويا بيقوللي: ابنك فلتان، وبيكبر، ولازم يتشد، وأنا بربيه كأنه ابني، وانتي متساهلة معاه زيادة عن اللزوم!

 

أنا مش عارفة أعمل إيه؟ ابني بقى بيقفل أوضته عليه، وبيقولي: "انتي مش شايفاني؟ انتي دايمًا في صف خالي!" وفي مرة قال لي: "أنا حاسس إني مليش حد"، والكلمة دي قتلتني من جوايا!

 

بس في نفس الوقت، أخويا هو اللي واقف جنبي من ساعة ما اتوفى جوزي، وأنا خايفة أخسره، وأخسر ابني كمان..

 

أنا حرفيًا تايهة، مش عارفة أوازن بينهم، ومش عارفة أتعامل مع خناقاتهم اللي بقت شبه يومية، ولا عارفة أكون أم صح، ولا أخت صح، ولا بني آدمة حتى.

 

ساعديني أرجوكي.. أنا بجد تعبت، مش عايزة أخسر ابني ولا أخويا، بس أنا على وشك إني أخسر الاتنين!

الإجابة 06/04/2025

أيتها الأم والأخت الكريمة،

 

أشعر بصدق ألمك، وحرارة دمعتك، ووخز التمزّق بين قلبك كأم، وواجبك كأخت، وبين حبك لولدك، وامتنانك لأخيك.

 

أول ما أودّ أن أذكّرك به يا غالية، أن الله جلّ في علاه يعلم صدق نيتك، ويعلم أنك لا تسعين إلى ظلم أحد، وإنما ضاقت بك السُبل، فأرسل الله إليك هذا الطريق لتستعيدي توازنك وتبصري المشهد بعينٍ أوضح.

 

دعيني أقف معك أولًا عند ابنك، ذلك المراهق الذي يعيش فيما يُسمى بمرحلة صراع الهوية.

 

إنه الآن لا يبحث فقط عن ذاته، بل يختبر رجولته، يحاول أن يثبت لنفسه أنه كيان قائم بذاته، وليس امتدادًا لأوامر الكبار.

 

إن شعور ابنك بفقد والده، وخوفه من استبدال سلطة الخال المتشددة بسلطة الأب، قد يسبب ما يُعرف بـ"reactive defiance" أي التمرّد كرد فعل دفاعي على السلطة. ومن هنا تظهر السلوكيات الحادة، والانسحاب، والرفض.

 

أما أخوك، فرغم حسن نيّته، فهو يستخدم الأسلوب التسلّطي في التربية، والذي ثبت علميًّا أنه قد يؤدي إلى فتور العلاقة، ونفور الأبناء، وضعف الثقة بالنفس لديهم.

 

فأنتِ الآن بين قلبين يتكلمان لغتين مختلفتين، ويحتاجان إلى مَن يترجم بينهما.

 

وهنا يا أمّ الفتى، أضع بين يديك هذه الخطوات التربوية الواقعية:

 

أولًا: المصارحة الهادئة

 

اجلسي مع ابنك وحدكما، دون لوم أو توجيه. قولي له بصوتك الحنون: "أنا مش مع حد ضدك، أنا معك ولست عليك، أحبك وأخاف عليك، ومش عايزة أشوفك بتتأذى ولا تتكسر، خالك ساعدني كتير بس أنا مش هسمح لحد يكسرك، وعايزين نعرف إزاي نتعامل مع بعض من غير ما نتعب بعض."

 

امنحيه مساحة ليعبّر، سيخرج الألم على هيئة لوم أو بكاء أو حتى صمت… اصبري عليه.

 

ثانيًا: لا بد من وضع حدود مرنة

 

اتّفقي مع أخيك بهدوء أن وجوده مرحّب به كـ"سند" لا كـ"سلطة"، واطلبي منه أن يدعم ابنك بالكلمة الطيبة، ولا يتدخل في تفاصيل يومه أو أسلوبه إلا من خلالك.

 

قولي له: "أنا مقدّرة وقفتك، بس ابني كبر، ومحتاجة أسنده مش أكسره، خليّنا نحميه من غير ما نخسره."

 

ثالثًا: اعملي على إشباع الاحتياجات النفسية للابن

 

فابنك يحتاج إلى:

 

- الأمان النفسي :(Psychological Safety) أن يشعر أنك ترينه وتفهمينه، صاحبيه، احتضنيه واحتويه.

 

- القبول غير المشروط(Unconditional Acceptance) : أن يُحب كما هو، لا كما يتمنى الآخرون أن يكون.

 

- منحه المساحة للتجربة والخطأ: دعمه لاستكشاف نفسه دون خوف دائم من العقاب أو الانتقاد أو التعنيف والكبت.. فيسري عليه ولا تعسري.. قال رسول الله ﷺ: "إنما بُعثتم ميسّرين ولم تُبعثوا معسّرين".

 

رابعًا: من الصحي والجيد أن تقومي بإعادة توزيع الأدوار

 

أنتِ وحدك صاحبة القرار التربوي الأول. يمكنك الاستعانة بأخيك في أمور الدعم لا التوجيه. أما "التربية والتصحيح" فمكانها بين الأم وابنها، في جلسات حوارية أسبوعية، وأسلوب تشاركي لا سلطوي.

 

خامسًا: لا تغفلي الدعاء والتثبيت

 

قومي الليل، وارفعي يديكِ بثقة، وقولي لله تعالى: "اللهم اجعلني له أمًّا وأبًا، وألّف بين قلب ابني وخاله، واهدهم لما تحب وترضى." فدعاء الأم مستجاب، وقلوب العباد بين أصابع الرحمن.

 

* وإليك أختاه همسة من القلب:

 

قال الشاعر إيليا أبو ماضي:

 

كن بلسمًا إن صار دهرك أرقما ** وحلاوةً إن صار غيرك علقما

 

كوني لابنك البلسم، ولأخيك الحكمة، ولأسرتك الجسر الذي يربط القلوب لا من يُشتّتُها، فأنت رمانة الميزان بينهما.

 

واعلمي أنها فترة -أي نعم- عصيبة ولكنها حتمًا ستنتهي، وإن شاء الله تمر بسلام محملة بالمحبة بين ابنك وخاله (وهذا دورك!).

 

وتذكري أن التربية ليست صراعًا على السلطة، بل بناء للحب، وتعاون على الخير، وعفو عند الزلل.

 

أنا معكِ دومًا يا غالية، وواثقة أن بصيرتك، بعد هذا التوقف، سترى النور من جديد.

 

أسأل الله أن يعينك على تربية ابنك وأن يرحم زوجك ويؤلف بين قلبك وقلب ابنك وأخيك.

الرابط المختصر :