الإستشارة - المستشار : د. رجب أبو مليح محمد
- القسم : فقهية
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
124 - رقم الاستشارة : 1487
05/04/2025
حكم تحويل الصور الفوتوغرافية إلى صور كرتونية بالذكاء الاصطناعي؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وآله وصحبه ومن والاه، وبعد:
فتحويل الصور بالذكاء الاصطناعي لا يختلف عن التصوير بـ(الكاميرات) وغيرها، وفيه خلاف في الحكم بين من يأخذ بظاهر الأحاديث فيحرمها، ومن يؤولها فيجيزها بضوابطها الشرعية، وهذا التغيير الذي يحدث في الصورة لا يغير في الحكم الشرعي.
غير أن ثمة تخوفًا من نشر المرأة صورها، سواء أكانت صورة حقيقة أو غيرها، سدًّا للذريعة حتى لا تؤخذ هذه الصور ويتلاعب بها شياطين الإنس فيظهروها وكأنها عارية أو تمارس الرذيلة، فحفاظًا على المرأة وعلى عرضها عليها أن تحتاط لهذا الأمر.
يقول فضيلة الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي – رحمه الله – في إجابة عن سؤال حول استعمال (الجرافيك) في التصوير خاصة إذا كان يستعمل في الدعوة إلى الله:
من قديم فصّلنا الأحكام المتعلقة بالتصوير والمصورين في كتابنا "الحلال والحرام في الإسلام"، ورجّحنا في ضوء الأدلة الشرعية ما ذهب إليه بعض فقهاء السلف: أن المُحرَّم من الصور هو ما كان له ظل، أي ما كان مجسّمًا، وهو الذي نسميه بلغة العصر "التماثيل"؛ لأنها هي التي تضاهي خلق الله، فإن خلقه تعالى مجسّم، كما قال سبحانه {هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاء} (آل عمران: 6)، وتصويره تعالى في الأرحام: تحويل الجنين من نطفة إلى علقة إلى مضغة مُخلّقة وغير مُخلّقة، إلى عظام مكسوة لحمًا، ثم ينشئه خلقًا آخر، فتبارك الله أحسن الخالقين.
وجاء في الحديث القدسي: "ومَن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي؟"، فهذا هو خلق الله، إنه مجسم دائمًا، والمجسم هو الذي يُتصور فيه نفخ الروح، حيث يُطالَب المصوِّر يوم القيامة: أن ينفخ في صورته الروح، وليس بنافخ فيها أبدًا، كما صح في الحديث، ولا يُستثنى من ذلك غير "لعب الأطفال" لحاجتهم إليها، ولخلوها من التعظيم للصورة.
وعلى ضوء هذا نقول: إن الصور المسطحة تخرج عن التحريم إلى الجواز، وفي السؤال الذي معنا عدة أمور إضافية؛ تخفف الحكم في هذه الصيغة خاصة:
الأول: أن "الرسوم الكارتونية" ليست صورًا كاملة، بل هي صور ذات طبيعة خاصة، لا تستجمع كل ملامح الصورة الحقيقية.
والثاني: أنها تستخدم لأغراض دعوية وتربوية وتثقيفية، والأولاد الصغار يقبلون عليها غاية الإقبال، ويتابعونها، ويتأثرون بها، فينبغي علينا ألا نهمل هذه الوسيلة المحببة، وأن نستخدمها في تعليم الأطفال والمراهقين ما ينبغي أن يتعلموه من العقائد والقيم والمفاهيم.
الثالث: أن الآخرين استخدموا هذه الوسيلة من مدة طويلة، وغزونا بها غزوا كاسحًا في التليفزيونات المختلفة في أوطاننا، وغدت هذه المسلسلات الكرتونية هي الغذاء اليومي الشهي لأبنائنا وبناتنا، وقد أدمن الجميع عليه، ولم يعد من السهل فطامهم عنه؛ إلا بـ "بديل إسلامي" مناسب، يحمل نفس العناصر التعليمية والتشويقية، التي تجذب الأطفال بسهولة.
بل إني أرى أنه من المتعين علينا أن نخوض هذه المعركة الإعلامية الفنية بكل قوة، حتى نسد هذه الثغرة، ونلبي هذه الحاجة الملحة، بأدوات تعبر عن ديننا ورسالتنا وحضارتنا وتقاليدنا، فهذا من فروض الكفاية الواجبة اليوم على الأمة في مجموعها.
وعلى أهل الاختصاص القادرين من أهل الإبداع الأدبي والفني الملتزم، على إنتاج مثل هذه البرامج؛ أن يسارعوا بها، وعلى غيرهم من أهل السلطان، وأصحاب المال، أن يعينوهم على أداء هذه الرسالة النافعة والضرورية. ورحم الله كل من أسهم في هذا العمل بنصيب.
ويقول في حكم التصوير بصفة عامة:
نستطيع أن نجمل أحكام الصور والمصورين في الخلاصة التالية:
(أ) أشد أنواع الصور في الحرمة والإثم صور ما يُعبد من دون الله، فهذه تؤدي بمصورها إلى الكفر إن كان عارفًا بذلك قاصدًا له. والمجسم في هذه الصور أشد إثمًا ونكرًا، وكل من روّج هذه الصور أو عظّمها بوجه من الوجوه داخل في هذا الإثم بقدر مشاركته.
(ب) ويليه في الإثم صور ما لا يُعبد، ولكنه قصد مضاهاة خلق الله، أي ادّعى أنه يبدع ويخلق كما يخلق الله، فهو بهذا يقارب الكفر. وهذا أمر يتعلق بنية المصور وحده.
(جـ) ودون ذلك الصور المجسمة لما لا يُعبد، ولكنها مما يعظم كصور الملوك والقادة والزعماء وغيرهم الذين يزعمون تخليدهم بإقامة التماثيل لهم، ونصبها في الميادين ونحوها، ويستوي في ذلك أن يكون التمثال كاملاً أو نصفيًّا.
(د) ودونها الصور المجسمة لكل ذي روح مما لا يقدس ولا يعظم، فإنه متفق على حرمته، يستثنى من ذلك ما يمتهن، كلعب الأطفال، ومثلها ما يؤكل من تماثيل الحلوى.
(هـ) وبعدها الصور غير المجسمة -اللوحات الفنية- التي يُعظَّم أصحابها، كصور الحكام والزعماء وغيرهم، وخاصة إذا نصبت وعلقت، وتتأكد الحرمة إذا كان هؤلاء من الظلمة والفسقة والملحدين، فإن تعظيمهم هدم للإسلام.
(و) ودون ذلك أن تكون الصورة غير المجسمة لذي روح لا يُعظم، ولكن تعد من مظاهر الترف والتنعم، كأن تستر بها الجدر ونحوها، فهذا من المكروهات فحسب.
(ز) أما صور غير ذي الروح من الشجر والنخيل والبحار والسفن والجبال والنجوم والسحب ونحوها من المناظر الطبيعية فلا جناح على من صورها أو اقتناها، ما لم تشغل عن طاعة أو تؤد إلى ترف فتكره.
(ح) وأما الصور الشمسية (الفوتوغرافية) فالأصل فيها الإباحة ما لم يشتمل موضوع الصورة على محرم، كتقديس صاحبها تقديسًا دينيًّا، أو تعظيمه تعظيمًا دنيويًّا، وخاصة إذا كان المعظم من أهل الكفر أو الفساق كالوثنيين والشيوعيين والفنانين المنحرفين.
وأخيرًا: فإن التماثيل والصور المحرمة أو المكروهة إذا شوهت أو امتهنت انتقلت من دائرة الحرمة والكراهة إلى دائرة الحل، كصور البسط التي تدوسها الأقدام والنعال ونحوها.
ومن المعلوم أن هناك بعض العلماء حاولوا أن يؤولوا الأحاديث الصحاح الواردة في تحريم التصوير واقتناء الصور ليقولوا بإباحة الصور كلها حتى المجسمة منها.
مثل ما حكاه أبو علي الفارسي في تفسيره عمن حمل كلمة "المصورين" في الحديث على من جعل لله صورة، يعني: المجسمة والمشبهة الذين شبهوا الله تعالى بخلقه، واعتبروه جسمًا وصورة، وهو تعالى ليس كمثله شيء. ذكر هذا أبو علي الفارسي في كتابه "الحجة"، وهو تكلف واعتساف لا تساعده الألفاظ الثابتة في الأحاديث.
ومثل من استند إلى ما أبيح لسليمان عليه السلام، وذكره القرآن في سور"سبأ": {يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاء مِن مَّحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ}، ولم يقولوا بنسخه في شريعتنا. وهذا الرأي ذكره أبو جعفر النحاس، وحكاه بعده مكي في تفسيره "الهداية إلى بلوغ النهاية".
ومثل من حمل المنع على مجرد الكراهة، وأن هذا التشديد كان في ذلك الزمان لقرب عهد الناس بعبادة الأوثان، وقد تغير الحال في العصور التالية. (هذا مع أن الوثنية لا زال يدين بها آلاف الملايين).
وهذا قاله بعضهم من قبل، ورد عليهم الإمام ابن دقيق العيد بأن هذا القول باطل قطعًا؛ لأن هذا منافٍ للعلة التي ذكرها الشارع، وهي أنهم يضاهون أو يشبهون بخلق الله. قال: وهذه علة عامة مستقيمة مناسبة، لا تخص زمانًا دون زمان. وليس لنا أن نتصرف في النصوص المتظاهرة المتضافرة بمعنى خيالي.
والله تعالى أعلى وأعلم