Consultation Image

الإستشارة 02/03/2025

إدارة مسجدنا اكتشفت مخالفات مالية على الإمام أثناء جمع التبرعات لأعمال الترميم والإصلاح، حيث تبين أنه جمع أموالًا دون الإفصاح عنها واستخدمها لنفسه. وبعد مواجهته، أُجبر على توقيع إيصالات أمانة وترك المسجد.

 

وفي يوم من الأيام دخلت مسجدًا آخر فوجدته يؤم الناس، فخرجت على الفور إلى مسجد آخر. فهل كان خروجي تصرفًا صحيحًا؟ وهل يجب أن أصمت وأتجاهل الأمر، أم أن عليّ إخبار مرتادي المسجد الجديد بحقيقته؟ أشعر أن هذه مصيبة كبرى، لكنني أتساءل: ما هو دوري الشرعي في هذا الموقف؟

الإجابة 02/03/2025

الأخ الكريم.. مرحبًا بك، وجزاكم الله خيرًا على حرصك على اتخاذ المواقف الإيجابية، ونشكر لك همتك العالية، وبعد:

 

فسؤالك يحمل قضيتين يجب أن نفصل بينهما: الأولى هي حكم الصلاة خلف هذا الرجل الذي اتُّهم في ذمته وثبت عليه الاختلاس، والثانية هي ماذا يجب عليك فعلُه مع أهل المسجد الذي انتقل إليه؟!

 

أولًا- حكم الصلاة خلف هذا الإمام:

 

الظاهر من النصوص الشرعية الواردة في هذه المسألة وأقوال العلماء جواز الصلاة خلف هذا الرجل، فقد روى الإمام البخاري أن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- كان يصلي خلفَ الحجاج بن يوسف الثقفي، رغم ما عُرف به من ظلم وتعدٍّ، وصلى عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- خلف الوليد بن عقبة بن أبي معيط، رغم أنه كان يشرب الخمر، وكذلك كـان الصحابة والتابعون يصلون خلف ابن عبيد، الذي كان متَّهمًا بالإلحاد وداعيًا إلى الضلال، فكل من صحت صلاته لنفسه صحت صلاته لغيره.

 

إلا أن الصلاة خلفَ المنحرفين مكروهةٌ، فقد روى أبو داود وابن حبان أن رجلاً أمَّ قومًا فبصَق جهةَ القبلة والرسولينظر إليه، فقال:‏ «لا يصلي لكم»، فمنعوه من الصلاة من أجل ذلك، ولمَّا شكا للرسول قال له: «نعم، إنك آذيتَ الله ورسوله».

 

ويقول فضيلة الشيخ عطية صقر، رحمه الله، وقد كان رئيسًا للجنة الإفتاء بالأزهر الشريف:

«مع كون الصلاة خلفَ الفاسق مكروهةً فهي صحيحةٌ، وغيرُ باطلة».

 

ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى: «إذا لم يكن في القرية إلا مسجدٌ واحدٌ فصلاته في الجماعة خلف الفاجر خيرٌ من صلاته في بيته منفردًا، لئلا يفضي إلى ترك الجماعة مطلقًا».

 

إذًا، فلم يكن هناك داعٍ لخروجك من المسجد وتركك الصلاة خلف هذا الإمام، فلو صليت خلفه كانت صلاتك صحيحةً ومقبولةً إن شاء الله تعالى.

 

ثانيًا- ماذا تفعل مع أهل المسجد الذي انتقل إليه؟!

 

هذه القضية تتداخل فيها أمورٌ كثيرةٌ تجب مراعاتُها قبل اتخاذ أي قرار:

 

أول هذه الأمور: وجوب الستر على المسلم، فقد روى الإمام البخاري أن النبي ﷺ قال: «ومن ستر مسلمًا ستره الله يوم القيامة»، وفي مسند الإمام أحمد وغيره أنه لما زنا ماعز بن مالك دفعَه صاحبٌ له أن يأتي رسول الله ﷺ ويعترفَ بجريمته، ففعل ورُجِم، إلا أن النبي ﷺ عاتب هذا الصاحب، قائلاً له: «أما لو كنت سترته بثوبك لكان خيرًا مما صنعت به».

 

لذا أخي الكريم، فمِن خلُق الإسلام أن تستر على هذا الرجل ولا تفضحَه، خاصةً أن ما حدث له في المسجد الأول قد يكون دافعًا له لإصلاح نفسه، والتوبة إلى الله -عز وجل- وربما لو فضحته قطعتَ عليه بذلك طريق التوبة وأعنْت الشيطانَ عليه، والمسلم يكون أشدَّ حاجة إلى أخيه المسلم في أوقات ضعفه فيشدّ من أزره، ويمدّ إليه يده ليرفعه من سَقْطته، ويعينه على كبوته.

 

وما أنصحك به -إن كانت بينك وبينه معرفة وعلاقة- أن تتودَّد إليه وتتحسَّس حالَه في المسجد الجديد، ولا تُبرز مشاعر البغض له مبدئيًّا، بل اجعل كلامَك معه على اعتبار أن هذه سقطةٌ إنسانيةٌ وذنبٌ دفعه الشيطانُ إليه، وأن الله غفور رحيم لمن تاب وآمن وعمل عملاً صالحًا، ويبدل سيئاتِ التائب حسناتٍ، وبهذا تعينه على نفسه وعلى الشيطان، وعلى مواجهة المجتمع.

 

أما إن تأكد لك أنه ما زال على حاله، وظهر لك من خلال سلوكه أنه ينوي تكرارَ ما فعلَه، كأن يقوم بدسِّ نفسه في أمور المال والتبرعات داخل المسجد على شكل يَشِي بسوء نية، فعليك في هذه الحال أن تنصحه أولاً سرًّا بينك وبينه بأن يبتعد عن هذه الأمور، وذكِّره بالله، ولو تطلَّب الأمر أن تلمِّح له بأنك قد تُخبِر إدارة المسجد الجديد بما فعله في السابق، فإن انتصح فهو خيرٌ، وإن لم ينتصح وشعرت أنه ماضٍ في طريقه، فوجب عليك في هذه الحال أن تخبر المختصين -فقط- بالمسجد حتى يأخذوا حذرهم ويرَوا قرارَهم.

 

أخي الكريم.. إن ثقافة الستر أولى في هذه المسائل، وإن تطلَّب الأمر الحديثَ والبيانَ فيكون على قدر المصلحة المرجوَّة من الحديث؛ حتى لا يسبب الأمرُ فتنةً بين الناس، فيَتهمون غالبيةَ الأئمة والدعاة بتُهَمٍ هم منها براءٌ بسبب خطأ أحدهم.

 

وفَّقك الله أخي، ونسأل الله -عز وجل- أن يرزقك حُسنَ الفهم، وينعمَ عليك برضاه، ونرجو أن تتابعنا بأخبارك.

الرابط المختصر :