الإستشارة - المستشار : أ. فاطمة عبد الرءوف
- القسم : أسرية
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
103 - رقم الاستشارة : 1336
16/03/2025
أنا فتاة في الثانية والثلاثين من عمري.. شاء الله أنه لم يتقدم لي أحد حتى هذا العمر لكنني لم أعاني من الإحباط بل اشتغلت على نفسي دراسات عليا وكورسات، خاصة أننا من بيت راق محب للعلم وتوجت ذلك كله بعمل وظيفي مميز للغاية رغم أنني لا أحتاج المال..
ويشاء الله في هذه الأيام أن يتقدم لي عريس فيه كل الصفات التي كنت أتمناها وبيننا مساحة كبيرة من الأمور المشتركة وأشعر أننا متفاهمان بشدة.. إلا أن ما أحبطني أنه يريد مني ترك عملي والتفرغ لشئون الأسرة، حيث يرى أنه قادر على تلبية كل احتياجاتي وهو لا يفهم أنني لا أعمل من أجل المال، وأن هناك أمورًا في إدارة شئون الأسرة يمكن تسليمها للمساعدات وأن المهم هو نوعية الوقت الذي تقضيه الأم مع أبنائها.. هل أهدر كل هذه السنوات التي اشتغلت فيها على نفسي أم أهدر هذا الرجل المميز ولكن التقليدي أيضا؟
ابنتي الحبيبة، أهلاً وسهلاً ومرحبًا بك غاليتي على البوابة الإلكترونية للاستشارات لمجلة المجتمع..
أشعر بك حبيبتي وبعد هذه السنوات وأنت تجدين نفسك على موعد مع السعادة العاطفية وهي حاجة أساسية تحتاجها كل فتاة طبيعية، وأنت بفضل الله لم تغيرك السنوات ولا التعليم ولا العمل عن هذه الحاجة الفطرية الطبيعية؛ لذلك سعدت بهذا الرجل الذي شعرت أنه يلبي احتياجك كأنثى، خاصة وقد لمست فيه عقلاً راجحًا يشبع عقلك الذي تعلم وتثقف وتنور.
إلا أن موقفه من عملك كان صادمًا لك بعد كل هذه الحوارات التي دارت بينكما، وكنت تتصورين أنه سيأخذ موقفًا أكثر اعتدالاً أو أكثر تقدمية، فلقد وصفت موقفه بالتقليدي، ولم أفهم على وجه الدقة ماذا تقصدين بالتقليدي؟ فهل تقصدين موقفًا دينيًّا تقليديًّا؟ في مقابل موقف تنويري مثلا؟ أم تقصدين موقفًا اجتماعيًّا تقليديًّا مرتبطًا بالعادات والأعراف؟ أم ماذا تحديدًا؟
وافدة النساء
على أي حال أريد أن أنقل لك حديث في غاية الأهمية وهو وإن كان في سنده ضعف إلا أنه يشهد له بصحة معناه روح التشريع الإسلامي التي تقوم على مبدأي العدالة والمساواة، فلقد أخرج البيهقي حديث وافدة النساء فعن أسماء بنت يزيد الأنصارية: (أنها أتت النبي صلى الله عليه وسلم وهو بين أصحابه فقالت: بأبي أنت وأمي إني وافدة النساء إليك، وأعلم نفسي - لك الفداء - أنه ما من امرأة كائنة في شرق ولا غرب سمعت بمخرجي هذا إلا وهي على مثل رأيي، إن الله بعثك بالحق إلى الرجال والنساء فآمنا بك وبإلهك الذي أرسلك، وإنا معشر النساء محصورات مقصورات، قواعد بيوتكم، ومقضى شهواتكم، وحاملات أولادكم، وإنكم معاشر الرجال فضلتم علينا بالجمعة والجماعات، وعيادة المرضى، وشهود الجنائز، والحج بعد الحج، وأفضل من ذلك الجهاد في سبيل الله، وإن الرجل منكم إذا خرج حاجاً أو معتمرًا أو مرابطًا حفظنا لكم أموالكم، وغزلنا لكم أثوابكم، وربينا لكم أموالكم، فما نشارككم في الأجر يا رسول الله؟
فالتفت النبي صلى الله عليه وسلم إلى أصحابه بوجهه كله ثم قال: هل سمعتم مقالة امرأة قط أحسن من مُساءلتها في أمر دينها من هذه؟ فقالوا: يارسول الله! ما ظننا أن امرأة تهتدي إلى مثل هذا؟ فالتفت النبي صلى الله عليه وسلم إليها ثم قال لها: انصرفي أيتها المرأة وأعلمي من خلفك من النساء أن حسن تبعل إحداكن لزوجها، وطلبها مرضاته، واتباعها موافقته، يعدل ذلك كله. فأدبرت المرأة وهي تهلل وتكبر استبشارًا).
رؤية تقليدية
أريد ابنتي الغالية أن أن أسئلك هل هذه هي الرؤية التقليدية التي تشمئزين منها.. تربية الأطفال.. الصناعات المنزلية والاستثمار المشترك فيها.. والنبي أجابها بكلمة جامعة شاملة وهي "حسن التبعل"، "طلب مرضاته.. اتباع موافقته".. فما رأيك في هذه الرؤية وكيف تقيمينها في عقلك وقلبك.
أما عني فسأحاول تحليل الأمر لك بشكل عقلي ونفسي وأيضًا وليس من منظور ديني فقط رغم أن المنظور الديني شامل لكل الأنماط.
أنت لا ترغبين في العمل من أجل المال وهو أيضًا لا يحتاج لمالك، فما الذي يجعله يقوم بهذه المغامرة التي لا توجد حاجة ملموسة لها.. الرجال حبيبتي لهم طبيعة عملية.. الرجال الناجحون تحديدًا لا يهدرون أوقاتهم في صفقات غير مفهومة.. هل تعرفين لو كنت ناشطة في جمعية خيرية لكان تفهم ما تقومين به من نشاط، أما أن تقومي بعمل لا تطلبين من ورائه المال فمسألة غير عقلانية وبالتالي صارحك بموقفه بشكل صريح.
أما من الناحية النفسية فهو يريد أن يشعر بالاستقرار معك خاصة وأنكما بالفعل وصلتما لدرجة من النضج العمري والعقلي ولا يرغب في خوض أي مغامرات غير محسوبة، فهو في مثل هذا العمر لا يرغب في أن يقوم بتربية طفله مساعدة مثلا كما قدمت من مقترح في رسالتك.. فهل تتصورين يا ابنتي الحبيبة أن الأم هي التي تجلس للتحاور مع الأبناء في شئون الحياة وليست هي الأم التي تغني وتهدهد وتحكي الحكايات الساذجة وتطهو الطعام بيديها لأطفالها؟ هل هذا مفهومك لشغلك على نفسك طيلة هذه السنوات الماضية؟
بالتأكيد الأمر إليك وأنت صاحبة القرار الأساسي بل والوحيد فيه، لكنني أريدك أن تفكري مرتين قبل أن تتخذي قرارك، مرة بعين قلبك الذي يشتاق لهذه المشاعر الجميلة التي يستحقها بعد طول صبر وبعد أن وجد مثل هذا الرجل الذي يشبه فارس الأحلام، فالكثيرات يقبلن تحت حكم الضرورة والأمر الواقع وأفضل المتاح وفقط.
المرة الثانية التي أريدك أن تفكري فيها وأنت تتخذين القرار فهي أن تفكري بعين عقلك، وأعلم أن لك عقلاً ذكيًّا لماحًا قمت بتنميته على مدار سنوات، أريدك أن تشاركيه في حسابات المكسب والخسارة قبل أن تتخذي قرارك.
وأخيرًا، حبيبتي أوصيك بصلاة الاستخارة ودعاء الاستخارة، فلقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلمها أصحابه كما يعلمهم السورة من القرآن.. فصلي وادعي وتوكلي على الله.. كتب الله لك الخير وأسعد قلبك دائما.