الإستشارة - المستشار : د. موسى المزيدي
- القسم : إدارية
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
107 - رقم الاستشارة : 1541
08/04/2025
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، هل من الممكن أن نقيس مردود ونتائج أعمال الخير بالقياس الإداري المتعارف عليه، خاصة رعاية الأيتام والمساكين؟ وهل لديكم أمثلة عملية في التفاعل العملي مع اليتامى والمساكين وعملي إداري منظم في ذلك؟
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، أهلاً ومرحبًا بك -أخي الفاضل- على موقع استشارات المجتمع، وبعد:
فحب اليتامى والمساكين ورعايتهم وكفالتهم دليل على حياة قلوبنا، وأن مجتمعنا له قلب نابض حي يحمل هم أبنائه جميعًا، خاصة اليتامى والمساكين، وسوف أذكر لك نموذجين في هذا الأمر عسى أن يكون لهما كبير الأثر عليك.
حب اليتامى والمساكين
في مثل ذلك اليوم من ذلك الشهر، كنت أنا وزوجتي، في زيارة لأم اليتامى محروسة أم فارس، في مدينة الإسكندرية.
بداية القصة كانت في مطعم "بَلبَع" في الإسكندرية بتاريخ 7 ديسمبر 2009م، وهو مطعم معروف بوجباته الشهية. وكانت زوجتي تقف أمام المحاسب تنتظر دورها، فإذا بأمٍّ معها 3 أطفال صغار -لمّا تتجاوز أعمارهم 8 سنوات- تقف خلف زوجتي، وقد فقدت سيطرتها على ضبط أولادها.
حينئذ، دار بينها وبين زوجتي هذا الحوار: قالت زوجتي: ربنا يعينك، إن شاء الله لك الجنة. فقالت الأم: معلش يا فندم، دول يتامى، ولسه أبوهم متوفى، ومش متعودين يعيشوا من غيره. فقالت زوجتي: هو حضرتك طلبت حاجة لهم؟ فقالت الأم: نعم. قالوا لي، نفسنا ناكل فراخ يا ماما، فجبتهم إلى مطعم "بلبع". فقالت زوجتي: هو حضرتك اسمك إيه؟ فقالت الأم: ده أنا اسمي محروسة أم فارس، ودول أولادي الثلاثة: نسمة وفارس ويوسف. فقالت زوجتي: محروسة، أنا عاوزة أتعرف عليك أكثر، خدي نمرة المحمول بتاعي ده، اتصلي بي في وقت فراغك.
اتصلت محروسة بزوجتي بعد يومين، وتوثقت العلاقة بينهما، وطلبت إليّ أن نذهب معًا لزيارتها في بيتها في المندرة، إحدى مناطق الإسكندرية.
أنا أعلم تمامًا أن رسولنا محمدًا –صلى الله عليه وآله وسلم– يحث على كفالة اليتامى، وأعلم تمامًا أن المسح على رأس اليتيم يلين القلوب، وأعلم تمامًا أن الله يقضي الحاجات لنا، عندما نمشي في حاجة اليتامى. هذه النتائج تتطلب اعتقادًا جازمًا بأن الله في عون العبد، ما دام العبد في عون أخيه. وهي تبدو خارجة عن نطاق القياس الإداري المتعارف عليه.
من أراد أن تعلو همته فليقض للناس حاجاتهم. وقيمتك في نظر الناس تقاس بحجم المضار التي تدفعها عنهم، وبحجم المنافع التي تجلبها لهم.
قرية الموحدين لرعاية الأيتام بالإسكندرية
في العام 2002م خصص محافظ الإسكندرية 3000 متر مربع في منطقة الإسكان الصناعي بمنطقة "طوسون" لإنشاء قرية الموحدين لرعاية الأيتام الأسوياء والأيتام ذوي الاحتياجات الخاصة، وقد تم عمل الرسوم الهندسية والتصميم بمعرفة أكبر المكاتب الهندسية الاستشارية على شكل معماري يتسم بالبساطة والجمال مع وجود ملاعب خضراء، وبدأ المشروع بتكلفة إجمالية بلغت 5 ملايين جنيه مصري، كلها من التبرعات، بعيدًا عن الإعانات الحكومية، ولم تحصل القرية على أي إعانة حكومية أو منحة خارجية.
تم افتتاح القرية يوم المولد النبوي الشريف في تاريخ 21 أبريل 2005م.
يرعى القائمون على هذه القرية نحو 120 طفلاً يتيمًا. التقيت رئيس مجلس الإدارة السيد زكريا محمد نجيب وابنته شيماء والموظفة النشيطة حنان وأختها إيمان. لقد أعجبتني طريقتهم في التنظيم والإدارة والتفاني في خدمة اليتامى. أديت الصلاة مع اليتامى ووجهت إليهم نصائح عدة عن أهمية حفظ القرآن والعمل به. وأبصرت في عيونهم شغفًا كبيرًا في التعلم. شعرت يومها بنشاط كبير وعلو في الهمة.
إن القرب من أهل الخير، والعمل معهم، وتقديم الخدمات لهم، كفيل بتحفيز النفس وتنشيطها.
الخلاصة:
إن الله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه، وأن قيمة الإنسان في نظر الناس تقاس بحجم المضار التي يدفعها عنهم والمنافع التي يجلبها لهم، وأن تقديم الخدمات لأهل الخير كفيل بتحفيز النفس وتنشيطها.
أسأل الله أن يجعلك ممن يحبون اليتامى والمساكين، وأن تكون ممن يكفلهم ويرعاهم، وممن يحب أهل الخير ويساعدهم على عملهم.