الإستشارة - المستشار : د. أميمة السيد
- القسم : تربوية
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
81 - رقم الاستشارة : 1420
24/03/2025
تحية طيبة وبعد،
أنا أم لطفلي الأول، وهو يبلغ من العمر خمسة أشهر. منذ ولادته وهو كثير البكاء، لكنه في الفترة الأخيرة أصبح يبكي ليل نهار دون سبب واضح، مما يجعلني أشعر بالإرهاق النفسي والجسدي. عرضته على طبيب الأطفال، وأكد لي أنه لا يعاني من أي مشكلة صحية، لكنه لم يقدم لي تفسيرًا واضحًا لسلوكه.
لقد جربت كل الحلول الممكنة، مثل تغيير الحفاض، إرضاعه، حمله، تهدئته، لكن أحيانًا يبدو أن لا شيء يجدي نفعًا. أحيانًا أشعر أنني عاجزة، وأحيانًا أخرى ينتابني القلق من أن أكون مقصرة أو أن هناك أمرًا لا أدركه.
أنا بحاجة إلى نصيحتكِ، كيف يمكنني التعامل معه؟ وهل يمكن أن يكون لبكائه علاقة بأمور نفسية أو تربوية؟
مع خالص التقدير.
ابنتي العزيزة الأم الصغيرة،
أهلاً بك في موقع المجتمع للاستشارات، وأشكركِ على ثقتكِ في استشارتي، وأود أولًا أن أطمئنكِ أنكِ لستِ وحدكِ، فالكثير من الأمهات يمررن بنفس التجربة، خاصة مع الطفل الأول، حيث يكون "التكيف النفسي" (Psychological Adaptation) للأم والطفل معًا في مرحلة انتقالية دقيقة.
أولًا: لا بد أن تدركي أن البكاء عند الرضيع هو وسيلته الوحيدة للتواصل، فهو حبيبي لا يستطيع التعبير بالكلمات، لكنه يخبركِ باحتياجاته من خلال صوته وانفعالاته.
والأطفال في هذا العمر قد يبكون لأسباب متعددة، منها:
١- الجوع أو العطش.. حتى لو كنتِ قد أرضعتهِ، ربما لم يحصل على كفايته.
٢- المغص أو الغازات.. وهو أمر شائع في هذه المرحلة العمرية.
٣- الحاجة إلى الطمأنينة.. الرضيع يحتاج إلى "الارتباط العاطفي الآمن" (Secure Attachment)، وقد يكون البكاء طلبًا لحملكِ له أو لشعوره بالخوف أو الوحدة.
٤- الإرهاق أو التعب الزائد.. أحيانًا يكون الرضيع متعبًا لكنه لا يستطيع النوم بسهولة، فيصبح البكاء وسيلة للتعبير عن هذا الانزعاج.
٥- التحفيز الزائد أو القلق العاطفي.. فبعض الأطفال أكثر حساسية للضوضاء والأضواء والمثيرات البيئية، وقد يشعرون بالقلق بسهولة.
٦- هناك أيضا أسباب غير معروفة.. فمثلا، أحيانًا يبكي الطفل يوميًّا في فترة المساء، تُعرف بـ "بكاء المساء غير المبرر" (Evening Fussiness)، حيث يبكي الرضيع دون سبب واضح.
ثانيًا: سأشرح لك في النقاط الآتية كيف تتعاملين مع وضع رضيعك بهذا الشكل:
١- الصبر والتقبل:
قال الإمام الشافعي:
دع الأيام تفعل ما تشاءُ ** وطِبْ نفسًا إذا حكم القضاءُ
فالصبر على هذه المرحلة هو مفتاح التكيف، فهي مؤقتة، وستمر بإذن الله تعالى.
2- تهدئة الطفل بطرق متعددة:
- الاحتضان الجسدي.. فاللمس يا عزيزتي يعزز من إفراز الأوكسيتوسين (Oxytocin)، وهو هرمون الحب والارتباط العاطفي.
- كذلك التحدث بصوت هادئ: صوتكِ عزيزتي الأم مألوف له منذ كان جنينًا، وقد يكون أكثر تأثيرًا إيجابيًّا عليه من أي تهدئة أخرى.
- أمر آخر قد يبدو غريبًا، ولكنه معروف علميًّا باسم "الضوضاء البيضاء" أو الـ(White Noise): بعض الأطفال يهدؤون عند سماع صوت يشبه صوت الرحم، مثل صوت المروحة أو تسجيل صوت المطر...
- نجد أيضًا أن هناك عادة للأمهات والجدات يقمن بفعلها للرضيع، وهي (التقميط) حيث يقمن بلفهم ببطانية خفيفة، أو ما يعرف "بالقماط"، وهو نوع من الأقمشة الناعمة يلفون بها المولود، وكان الغرض منها قديمًا هو استقامة جسده، ولكن، أثبت علميًّا أن التقميط يجعل بعض الرضع يشعرون بالأمان والطمأنينة فيهدؤون ويتوقفون عن البكاء.
٣- لا بد من الاهتمام بنفسكِ أنت كأم وتعزيز صحتك النفسية والبدنية، حتى ينعكس هذا كله على رضيعك..
وذلك يكون بالآتي:
١- التخفيف من قلقك الزائد:
حيث إن شعوركِ بالقلق ينتقل إلى طفلكِ عبر لغة الجسد والطاقة العاطفية (Emotional Energy). فكلما كنتِ أكثر هدوءًا، انعكس ذلك على طفلكِ.
٢- الاستعانة بالله تعالى قبل كل شيء ثم الصبر على التربية:
فإن الله سبحانه وتعالى جعل الأمومة جهادًا نفسيًّا وبدنيًّا، وجعل جزاءها عظيمًا. قال النبي ﷺ: "الجنة تحت أقدام الأمهات".
فكل صبركِ وتعبكِ هو أجر مكتوب عند الله، وسيعود عليكِ وعلى طفلكِ بالخير والبركة إن شاء الله تعالى.
٣- الاستعانة بمن يساعدكِ:
إذا كنتِ تشعرين بالإرهاق، فلا بأس بطلب المساعدة من زوجكِ أو والدتكِ، أو إن أمكن لكم ماديًّا بأخت تساعدك بأجر، على أن يكون لديها أخلاق ودين، مع متابعتها بشكل جيد، فأم الرضيع تحتاج أيضًا إلى الراحة.
* عموما حبيبتي..
لا تقلقي، فبكاء الرضع طبيعي، وهو لغتهم الأولى للتواصل.
جربي تهدئة طفلكِ بطرق متنوعة، فقد يكون لكل طفل طريقته الخاصة.
* همسة أخيرة للأم الصغيرة:
اعتني بنفسكِ ولا تحمّلي نفسكِ فوق طاقتها، فالأم الهادئة تنقل لطفلها شعور الأمان، فإن أردنا أن يهدأ الطفل، فعلينا أن نكون نحن أولًا مصدرًا للهدوء والطمأنينة.
ثم ثقي أن هذه المرحلة ستمضي، وطفلكِ سيكبر وسيتغير بكاؤه إلى كلمات تعبر عن مشاعره قريبًا بإذن الله تعالى.
أسأل الله أن يرزقكِ القوة والصبر، وأن يجعل طفلكِ قرة عين لكِ في الدنيا والآخرة.