الإستشارة - المستشار : أ. فاطمة عبد الرءوف
- القسم : أسرية
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
67 - رقم الاستشارة : 1783
29/04/2025
أنا سيدة متزوجة لي عام واحد وعلاقتي بزوجي كانت جيدة جدًّا.. وأثناء فترة الخطوبة كنت أحكي له كل شيء وعندما حدث خلاف بيني وبين أبي شكوت له.. بل إنني حكيت تفاصيل ما يحدث في بيتنا فهو يعلم كل شيء ونقاط ضعف كل فرد.. كنت أتحدث إليه كما أتحدث إلى نفسي.
ما صدمني أنني منذ يومين حدث بيني وبينه شجار حاد وتطور الأمر وقلت له سأذهب لأبي وأشكوك له فنظر لي بسخرية، وقال لي أليس هذا والدك الذي يعامل والدتك بالسوء، وأخذ يسخر منه ويذكرني بما حكيت له من قبل عنه وعن إخوتي، وكان يبالغ جدًّا في الكلام، ومن وقتها وأنا مصدومة وأشعر بالحزن الشديد وغير قادرة على النظر لوجهه.
ابنتي الحبيبة، أهلاً وسهلاً ومرحبًا بك على صفحة البوابة الإلكترونية للاستشارات الخاصة بمجلة المجتمع.
لعل الشعور بالندم يعتريك الآن جراء ما حكيته لزوجك من تفاصيل أسرتك والخلافات فيها ونقاط ضعف كل فرد.. نعم الندم لا يفيد، ولكن لعلها رسالة تنبيه وتحذير لكل فتاة أو سيدة أن تحافظ على حدود عائلتها، فالقرب من الخاطب أو الزوج لا يكون عن طريق إفشاء الأسرار أو حكي الخلافات؛ فهذا قرب مزيف، ومع أول خلاف قد يتم استغلال هذا الكلام في تجريح الطرف الآخر وإهانته والتقليل منه.
التعري النفسي
تعلمين -يا ابنتي- أن أي علاقة لها عدد من المستويات، وعلاقة الخطبة تعد علاقة تمهيدية للزواج.. مرحلة تذويب الجليد.. مرحلة للتعارف الشخصي والعائلي.. ماذا يحب كل طرف وما يكره.. ما هي اهتماماته.. نبذة عن طباعه.. أحلامه وطموحاته.. رؤيته للحياة.. هذه قاعدة البيانات الأساسية لمرحلة الخطبة، وهي ليست معلومات مجردة لكنها ممتزجة بمشاعر ارتياح وتقبل، لكن عندما تختل المعادلة وتطغى العاطفة فمن الوارد جدًّا رؤية الواقع على غير حقيقته فيمثل الخاطب أرض الأحلام السعيدة والمثالية التي تبدو بلا عيوب بينما قد تبدو الأسرة الأصلية بصورة واقعية مليئة بالتفاصيل المرهقة.
المشكلة هنا ليست في إهدار فرصة التعارف الحقيقية أثناء الخطبة فقط، وإنما في رفع غطاء الستر عن العائلة، فهذه أسرار لا ينبغي لطرف خارج العائلة معرفتها إلا بضوابط محددة ليس من بينها التقارب معه.
بل إن ذكر الوالدين والإخوة بالسوء هو من قبيل الغيبة حتى لو أن ما تم ذكره حقيقي وصادق أو كما قال النبي ﷺ: "أتدرون ما الغيبة؟ قالوا الله ورسوله أعلم، قال: ذكرك أخاك بما يكره، قيل أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال: إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته" رواه مسلم.
فليس معنى أنه الأب أو الأخ أن يكون ذكر عيوبه مباحًا متاحًا، بالعكس لأنه الأب أو الأخ فالخطأ في حقه أكبر وأكثر وقعًا.
من الأخطاء الأخرى الفادحة التي تحدث في العلاقات خاصة أثناء فترة الخطبة أن يتعرى الإنسان نفسيًّا كاشفًا عن نقاط ضعفه الدفينة، فهذه مرحلة عالية جدًّا لا يمكن الوصول إليها في مرحلة الخطبة، وحتى بعد الحياة الزوجية من النادر أن تصل العلاقة إلى هذا المستوى من الأمان لسبب بسيط أننا كبشر عندما نختلف ويصل الخلاف حد الغضب تتحرك النفس الأمارة بالسوء وتستخدم ما قيل في لحظة الأمان العميقة التي تكشفنا فيها نفسيًّا وحكينا أدق مشاعرنا الضعيفة.
أقول قد تستخدم النفس الأمارة بالسوء هذه المعلومات للعقاب والإيذاء النفسي مما يسبب جروحًا لا تندمل كنا من الممكن أن نتقيها لو حافظنا على حدودنا النفسية...
نعم هناك حب عميق، ونعم هناك صراحة وصدق، ونعم هناك دفء وتقارب، ونعم هناك ميثاق غليظ لطرفين كل منهما لباس للآخر ولكنه لباس وليس جلدًا ثانيًا.. الجلد هو حدودك الذاتية التي عليك الحفاظ عليها، واللباس هو أقرب ما يكون لها.. اللباس مريح قريب يقي برد الشتاء وحر الصيف، لكنه ليس بديلاً للجلد الذي يحمي الأجهزة الحيوية ويحميها من العدوى والالتهاب، تمامًا هو كالحدود الشخصية التي تحمي نقاط الضعف العميقة من التعري حتى لا تنكشف فتتقرح أو تتحول لجروح نازفة يصعب علاجها.. هل تفهمينني؟
ما العمل؟
ما شرحته لك سابقًا هو كشف لخطورة ما قمت به أثناء فترة الخطبة من كشف الستر عن عائلتك وأنت تظنين أن زوجك المستقبلي لن يستخدم هذه المعلومات ضدهم، ولكن ومع أول خلاف حاد استخدم هذه المعلومات ضدك أنت شخصيًّا مجردًا إياك من قوة العائلة.. لا يعني ذلك أنه إنسان سيئ أو أنه توقف عن حبك، بل يعني ببساطة أنه إنسان عادي عندما يغضب لا يُحكم العقل.. يبالغ في رد الفعل ويستخدم ما بحوزته من معلومات للانتصار.
الرجل -يا ابنتي- لا يحب التهديد.. لا يحب أن يشعر أن هناك سلطة تتجاوز سلطته، وعندما هددته أنت باللجوء لأسرتك أراد أن يبطل هذا السلاح ويحطم هذه السلطة فاستخدم ما معه من معرفة، مستخدمًا دعمًا إضافيًّا هو مزيج من السخرية والمبالغة.. والآن ماذا عليك أن تفعلي؟ وكيف يمكن أن تصلحي الخطأ؟
ابنتي الغالية، عليك أن تتراجعي وتصلحي ما مضى بذكاء، ولكي يتم ذلك أنت بحاجة للهدوء وبحاجة لتمالك أعصابك وبحاجة للتفكير العقلاني، فلا تصبي جام غضبك على زوجك فهو تعامل بتلقائية مع ما معه من معلومات في لحظة التوتر التي جمعتكم.
تعاملي في حدود المشكلة التي حدثت وأدت للشجار فهذا هو واجب الوقت.. حلي المشكلة دون التهديد مرة أخرى باللجوء للوالد والعائلة وهذا هو الأصل، فهذا اللجوء سلاح بالغ الخطورة لا يتم استخدامه إلا عند وصول الخلافات لنقطة حرجة وخطيرة.
تعاملي باستراتيجية "العودة خطوة للخلف"، فكما قمت بتشويه صورة عائلتك عليك أن تقومي بتحسين صورتهم ببطء وبالتدريج، مثلا هذا ما علمته إياك والدتك.. وهذه الحكمة كان دائمًا يرددها والدك وهذه هدية من أخيك.. تفاصيل صغيرة عفوية تحكيها بصورة تبدو غير مقصودة ولكنها تحمل رسالة لعقله الباطن أنك فخورة بعائلتك.
بعد ذلك في لحظات حوار هادئة معه قولي له كأنك تصارحيه بسر آخر.. أنا أعاني من الشعور بالذنب لأنني ظلمت والدي وأسأت الظن به في لحظة ما.. لقد تفهمت الموقف ولم يكن كما تصورته قط.. دون أن تتطرقي لمشاعر الندم لأنك كشفت له عورات وأسرار عائلتك حتى لا يأخذ موقفًا هجوميًّا من كلامك أو يفطن أنك تحاولين تحسين صورتهم بعد ما قاله عنهم.. لذلك فعليك انتقاء الوقت المناسب والكلمات المناسبة.
في مرحلة لاحقة عندما تستشعرين أن علاقتك بزوجك أصبحت أعمق وأنك قادرة على العتاب عاتبيه عما قاله لك.. عاتبيه عتاب الأحبة، معربة أن له منزلة عالية (وأنك تعلمت هذه المنزلة من عائلتك الأصيلة) فلم تتصوري أن يتحدث عنهم بهذه الطريقة في الوقت الذي يحبونه ويعتبرونه ابنًا لهم (يجوز المبالغة أو حتى الكذب لإصلاح علاقة زوجك بعائلتك).
عاتبيه برفق وستصل الرسالة، وإياك والنقد الحاد الذي يجعله يشعر بالخطر فيهاجمك أو يهاجم عائلتك تحت وطأة الكبرياء الذكوري الذي تغذيه النفس الأمارة بالسوء.. أسعد الله قلبك وأّلف بينك وبين زوجك، ولا تنسي الدعاء لله أن يرزقك التوفيق في كل خطواتك.