الإستشارة - المستشار : أ. فاطمة عبد الرءوف
- القسم : أسرية
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
51 - رقم الاستشارة : 1663
19/04/2025
السلام عليكم، أنا أعيش في علاقة تشعرني بالكثير من الألم النفسي، حيث أتعرض في كثير من الأحيان للإهانة، والسخرية، وحتى التهديد بأسلوب غير لائق.
زوجي يتعامل معي بشكل مهين ويظهر عدم احترام لشخصيتي، ما يجعلني أشعر بعدم الأمان والاحترام في حياتي الزوجية. حتى في المواقف التي أكون فيها بحاجة إلى الدعم أو الأمان، مثل لحظات الخوف أو الخوف من الظلام، أجد أن رد فعله لا يعكس أي نوع من الرحمة أو الفهم.
أريد أن أعرف كيف يمكنني التعامل مع هذا الوضع؟ هل هناك طريقة لفتح حوار صادق وبناء مع زوجي بشأن سلوكه؟ أم أن هذه العلاقة قد تكون سامة للغاية بحيث أنه لا يوجد مجال للتحسن؟
أحتاج إلى نصائح حول كيفية تعزيز نفسيتي في ظل هذه الظروف والبحث عن حلول تضمن لي الحفاظ على نفسي وعلى حياتي النفسية.
أختي الكريمة، أهلاً وسهلاً ومرحبًا بك في صفحة البوابة الإلكترونية للاستشارات الخاصة بمجلة المجتمع..
تعلمين -يا عزيزتي- أن صحة الإنسان النفسية هي مسئوليته الشخصية وهي تأتي على رأس أولوياته طالما هو شخص ناضج مستبصر.. نعم الإنسان كائن اجتماعي ونعم هو بحاجة للتقدير بحاجة للاحتواء.. بحاجة للحنان.. بحاجة للحب.. بحاجة لمن ينصت له ويربت على كتفه...
كل هذه احتياجات لا أنكرها ولكن طلب كل هذه الاحتياجات من الزوج واختزالها في شخصه أمر بعيد عن الصواب وبعيد عن الواقع.. الحياة الواقعية تختلف عن الروايات الرومانسية، في حين أن كثير من النساء يحلو لهن لعب دور سندريلا التي تنتظر الأمير والذي سيقوم بعملية تبديل وإحلال لحياتها.
كثير من النساء يردن من الزوج أن يكون الصديق ويكون الحبيب ويكون الأب ويكون مقدم الدعم النفسي، طبعًا بالإضافة لكونه زوجًا بمسئوليات زوج.. وطبعا لأنها رؤية غير واقعية تشيع حالة من الإحباط وسط الزوجات.
علاقات سامة
أنا لا أنكر وجود أزواج نرجسيين وعلاقات سامة، ولكنْ هناك حالة تمدد واتساع كبيرة في هذه المصطلحات حتى أصبحت كلمات تتردد مع كل مشكلة ومع كل ضائقة، فإذا صمت الزوج فهو يستخدم سلاح الصمت العقابي، وإذا انفعل فهو مسيء، وإذا قال رأيه بصراحة فهو لا يقدم الدعم، وإذا مزح مزحة ثقيلة بعض الشيء فهو يتعمد السخرية والتقليل والإهانة.
أنا لا أتحدث عنك أو عن زوجك أو عن مشكلتك أبدًا وإنما أشرح القضية بوجه عام.. أصبح هناك انتشار لثقافة في الظاهر يبدو الهدف منها هو نشر الوعي النفسي، إنما في حقيقة الأمر تقوم بإحداث حالة من التشويش والاضطراب وترفع معدل الحساسية والرثاء للذات وربما تنمي مشاعر المظلومية والاضطهاد خاصة في أوساط النساء المتزوجات تحديدا، وكان من الممكن أن تكون الحياة أكثر بساطة وعفوية لولا هذه الثقافة التي أفسدت أكثر مما أصلحت.
قوة الشخصية
هل تعلمين -أختي الكريمة- من هي أكثر الزوجات سعادة؟ من أكثر النساء نجاحًا في حياتهن الزوجية؟ إنهن تلك النساء اللاتي يتمتعن بقوة الشخصية.. المرأة التي تدخل للحياة الزوجية مستقرة نفسيًّا وعاطفيًّا فيمثل لها الزواج إضافة جميلة، لا تلك التي تنتظر أن يقوم الزوج بلملمة شتات نفسها ومنحها طمأنينة غير موجودة بشكل أصيل في شخصيتها.
الشخصية القوية التي أقصدها لا تعني العناد أو الصوت الحاد، فهذه سمات شخصية فارغة لا تعرف ألف باء أنوثة.
الشخصية القوية هي تلك الواثقة من نفسها لا تنتظر من أي إنسان أن يمنحها هذه الثقة فهي ثقة مستمدة من رب العالمين الذي كرمها.
الشخصية القوية مطمئنة بذكر الله تعالى ليست بحاجة لبشر أن يمنحها طمأنينة.. بل هي قادرة على بث الطمأنينة والأمان لمن حولها؛ لذلك هي شخصية مشعة جذابة تدفع من حولها أن يترك بصمة في حياتها فيحاول منحها الحب والحنان والأمان، وهكذا تتسع الدوائر الإيجابية في حياتها.. عكس الأخرى كثيرة الشكوى المتطلبة المفتقدة لمعاني الطمأنينة في شخصيتها، فهي إما تنفره أو يدفعه إلحاحها العاطفي للهروب أو يحقق لها الاتهامات التي تلقيها على مسامعه كالأنانية والشح أو السخرية والنقد وعدم الاحترام أو حتى القسوة.
الحوار البناء
سألتني في نهاية مشكلتك هل الحوار البناء هو الحل أم أن علاقتك الزوجية سامة إلى الحد الذي يجعل التحسن مستحيلاً، ثم سألت ما هي الحلول التي تضمن لك الحفاظ على صحتك النفسية. والحقيقة أن السؤالين بهما وحدة عضوية؛ فأنا أدعوك للعمل على رفع معنوياتك والحفاظ على صحتك النفسية في أعلى الدرجات حتى تستطيعي إدارة حوار ناجح مع زوجك.. لذلك أنا أدعوك للتوقف عن الشكوى وإذا كنت تتصورين أن الحوار هو أداة لبث نقدك وشكواك ولماذا تفعل كذا وكذا؟ فبالتأكيد لن يحقق هذا الحوار الهدف الذي تخططين له.
لكنك بحاجة أن تضعي خطة للنهضة بشكل ذاتي، لا تعتمدي إلا على عمق علاقتك بالله تعالى فتشكين له ألمك وتطلبين منه العون.. أريدك أن تكوني هادئة مبتسمة طويلة البال تنظرين لعينيه عندما تتحدثين ولا تكثري من الكلام وفكري في الكلام قبل أن تقوليه، فإذا استفزك فلا تفارق وجه الابتسامة وردي ردًّا يقطر ثقة حتى لو كنت تشعرين أنك مهزوزة من داخلك...
وبالتكرار وعمق تمثلك لمعاني الهدوء والثقة سوف تكسبين هذه المهارة، أو كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إنما العلم بالتعلم، والحلم بالتحلم، ومن يتحرّ الخير يُعطَه، ومن يتوقّ الشر يُوقَه"؛ فالنبي صلى الله عليه وسلم ضرب نموذجًا للتعلم بسلوك وليس معلومة.. فمن يرغب أن يكون حليمًا يمارس سلوك الحليم حتى يصبح هكذا بالفعل، وأنت إن أردت أن تكوني واثقة من نفسك تستطيعين.. إذا اردت أن تكوني داعمة لنفسك تستطيعين.
أنت لم تشرحي لي أي تفاصيل أكثر عن مخاوفك أكثر من حديثك عن خوفك من الظلام وعدم تفهمه لذلك حتى أنك تتساءلين أين الرحمة؟
وأنا أريدك أن تتعرضي تدريجيًّا للظلام فتذكري الله في نفسك وتطلبي منه الطمأنينة حتى لا يروعك الظلام بعد ذلك.. أريدك أن تنظري للأمر بشكل أوسع، فبدلا أن تقولي إنه بلا رحمة، قولي لنفسك إن له مزاحًا ثقيلاً.. ومن منا غاليتي يخلو من العيوب فهناك أمور علينا تقبلها وتمريرها والتغافل عنها.
أختي العزيزة، اعملي على نفسك كثيرًا حتى تشعري أنه ينجذب لمدارك؛ ووقتها تستطيعين إجراء حوار وأنت في مركز قوة لتحسين حياتكما معا.. أسعد الله قلبك ومنحك القوة والطاقة وألَّف بين قلبك وقلب زوجك.