Consultation Image

الإستشارة
  • المستشار : د. أميمة السيد
  • القسم : تربوية
  • التقييم :
  • عدد المشاهدات : eye 39
  • رقم الاستشارة : 1834
04/05/2025

أنا في تالتة ثانوي، في مدرسة لغات كبيرة، ومصاريفها مش قليلة خالص.

أهلي كل يوم تقريبًا بيتكلموا معايا عن "كليات القمة"، وإن مفيش أحسن ولا أرقى منها، وإنه لازم أدخل طب، علشان هما شايفين إن الطب هو الطريق الصح، وكل حاجة غير كده "ملهاش قيمة" من وجهة نظرهم.

بابا دايمًا بيقولّي: "إحنا شايفينك دكتور، وهنفرح بيك قد الدنيا"، وحاسس إنه خلاص رسم مستقبلي كله في دماغه.

أنا حقيقي مقدّر تعبهم ومصاريفهم عليّا، ومش عايزهم في يوم يحسّوا إنهم تعبوا على الفاضي، خصوصًا وإحنا في وقت مراجعات أخيرة وضغط كبير، وأنا بذاكر بضمير، وربنا وحده عالم قد إيه بحاول.

المشكلة إنّي مش بحب الطب أصلاً، ولا شايف نفسي فيه، حاولت أشرح لهم أكتر من مرة إن علمي علوم مش معناه إني لازم أدخل طب، وإن في مجالات تانية ممكن أبدع فيها وأحقق فيها ذاتي.

بس كل مرة بسمع نفس الرد: "ما هو اللي مش عايز طب يدخل أدبي، إنما إنت جاي علمي علوم ليه؟!"

أنا بقيت حاسس بضغط نفسي كبير، مش عارف أذاكر وأنا شايل الهم ده كله، وبقيت حاسس إني لازم أحقق اللي هما عايزينه حتى لو على حساب راحتي، بس في نفس الوقت خايف أندم، وأحس إني عشت الحياة اللي هما اختاروها، مش اللي أنا كنت عايزها.

أعمل إيه؟ ازاي أقدر أشرح لهم من غير ما يزعلوا أو يحسّوا إن تعبهم راح هدر؟

الإجابة 04/05/2025

ابني الكريم،

 

أشعر بك بصدق، وأقدّر حجم الضغط النفسي الذي تمرّ به الآن، خاصة في سنة دراسية حرجة مثل الصف الثالث الثانوي، والتي يتعامل معها المجتمع وكأنها نهاية المطاف، بينما هي في الحقيقة مجرد مرحلة من مراحل كثيرة في رحلة الحياة.

 

ما تمر به يُعرف في علم النفس التربوي باسم "التصادم القِيَمي بين جيلين" (Intergenerational Value Conflict)، وهو أمر شائع حين تختلف تطلعات الأهل عن ميول الأبناء.

 

وأنت لست مخطئًا حين تُفكر بصوتك الخاص، وتسعى لأن يكون لك بصمتك في الحياة، ولكن في الوقت ذاته، أُقدّر حُب والديك لك، وخوفهما على مستقبلك، وإصرارهما ليس قسوةً وإنما تعبيرٌ عن هذا القلق الأبوي الذي يلبس أحيانًا ثوب التوجيه الصارم.

 

دعني أطمئنك: النجاح لا يكون في كلية بعينها، ولا تُصنع القمم بالمسميات، بل بالمعنى والقيمة التي تضعها أنت في تخصصك وحياتك؛ فكم من طبيبٍ فقد شغفه، وكم من شخص في تخصص غير تقليدي أصبح ملهمًا ومؤثرًا.

 

القاعدة النفسية تقول: "التحصيل المرتبط بالدافعية الداخلية، أكثر استدامة وجودة من التحصيل القائم على الضغط الخارجي".

 

وما دمت تبذل جهدك، وتذاكر بإخلاص، فأنت على الطريق الصحيح، بإذن الله. ولكن لا تجعل الخوف من "خيبة أملهم" يدفعك إلى السير في طريق لا تحبه، لأنك قد تُرضيهم لحظة، ثم تُرهق نفسك عمرًا.

 

رسول الله ﷺ قال: "لا يكون أحدكم إمعة، يقول: إن أحسن الناس أحسنت، وإن أساؤوا أسأت، ولكن وطّنوا أنفسكم، إن أحسن الناس أن تحسنوا". وهذا الحديث يعلمنا أن الإنسان ينبغي أن يتحمل مسؤولية اختياره، ويُدرك ذاته، لا أن يسير فقط وفق ما يُملى عليه.

 

وافطن -يا بني- إلى أن الحديث معهم يحتاج إلى ما يُعرف في علم النفس الأسري بـ"الحوار البنّاء التفاعلي" (Constructive Dialoguing)، لا المواجهة. فاختر وقتًا هادئًا، وقل لهم بصوتٍ مطمئن: "أنا مقدّر تعبكم، وكل اللي عملتوه عشاني، ونفسي أكون ناجح فعلاً، بس النجاح بالنسبالي مش مرتبط بمسمى كلية معينة، أنا عايز أختار حاجة أحبها وأقدر أبدع فيها، وأفرحكم وأنا فيها، مش أفرحكم لحظة وأعيش عمري مش مرتاح".

 

ثم حاول أن تقدم لهم بدائل واقعية، مبنية على معرفة حقيقية بسوق العمل، مثل المجالات العلمية الحديثة، التخصصات المطلوبة دوليًّا، والتطور في مجالات مثل التكنولوجيا الحيوية، وعلوم النفس، وطب الأسنان، والصيدلة البحثية، وغيرها.. وادعم أمامهم كل مجال أنت تفضله.

 

واطمئن، فإن رزقك مكتوب، ونجاحك مرهون بجهدك، لا باسم كليتك فقط. واذكر دائمًا قوله تعالى: {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ}.

 

وأخيرًا، لا تظن أن تعب والديك سيضيع، فإنهم زرعوا فيك القيم، وساعدوك لتكون إنسانًا مجتهدًا، وهذه هي الثمرة الحقيقية.

 

وكلما كنت صادقًا في نيتك، وبَرًّا في حديثك معهم، مُشفقًا عليهم، مُتحمّلًا لمسؤوليتك، فتح الله لك أبواب الخير من حيث لا تحتسب.

 

* همسة أخيرة لابني الغالي:

 

استخر الله، وطمِّن قلبك، وكن على يقين بأن الله تعالي سوف يوفقك لمجموع الكلية التي ستحدد مستقبل الخير لك إن شاء الله تعالى.

 

فلا داعي لتأزمك النفسي ولا الجدل الكبير مع أهلك، فقط ركّز في دروسك ومراجعاتك، ودع الأمور كلها تسير بمقادير الله تعالى.

 

وفقك الله، وشرح صدرك، وجعل لك نورًا في اختيارك، ورضًا من والديك، وبركةً في كل خطوة.

الرابط المختصر :