الإستشارة - المستشار : أ. فتحي عبد الستار
- القسم : إيمانية
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
76 - رقم الاستشارة : 1396
22/03/2025
أنا شاب في العشرينات، وبحاول أخلي رمضان محطة تغيير حقيقية في حياتي، خصوصًا في العشرة الأواخر اللي بحس فيهم بقربي من ربنا أكتر من أي وقت تاني.
مشكلتي إني خلال الشهر بكون ملتزم أكتر بالصلاة في وقتها، وقيام الليل، وقراءة القرآن، وبحس براحة نفسية وصفاء روحي كبير. بس مع نهاية رمضان، بلاقي نفسي برجّع تاني لعادتي القديمة واحدة واحدة، وبحس إن الروحانيات اللي كنت عايشها بتقل، وده بيضايقني جدًا، لأني مش عايز علاقتي بربنا تبقى موسمية.
إزاي أقدر أحافظ على الروحانيات دي بعد رمضان وأفضل ثابت عليها؟
وهل في طرق عملية تساعدني إني أكمل على نفس الحال بعد الشهر الكريم؟
أهلًا وسهلًا بك، ولدي الحبيب، وأسأل الله أن يبارك لك في عمرك ويزيدك من فضله، وأن يجعل رمضان لك ولنا جميعًا محطة تغيير حقيقية تقربنا إلى الله وتثبتنا على طاعته، وبعد...
فإن رمضان نفحة ربانية ينبغي ألا نتركها تنتهي، وتضيع من بين أيدينا، ويمحى أثرها بعد انقضاء الشهر الكريم.
ولدي الكريم، ما أجمل هذا الشعور الذي وصفته، وما أعظم هذه الروحانية التي تملأ قلبك في رمضان! إنه شهر النفحات الربانية، حيث تصفو القلوب، وتلين النفوس، ونشعر بقربنا من الله كما لم نشعر به من قبل. ولكن، هل أراد الله لنا أن يكون هذا القرب مؤقتًا؟ وهل جاءت هذه النفحات لنذوقها ثم نفقدها؟ كلا، بل إن رمضان مدرسة، نتعلم فيها كيف نسير في طريق الله طوال العام، لا شهرًا واحدًا فقط.
لكن لا تخف، فهذا الشعور الذي يراودك مع انتهاء رمضان، هو إحساس يمر به كثير من الصالحين، حتى إنه ورد أن بعض الصحابة -رضي الله عنهم- كانوا يستعدون لرمضان قبله بستة أشهر، ثم يدعون الله أن يتقبله منهم بعده بستة أشهر أخرى، كأنهم يعيشون في أجوائه طوال العام.
فلماذا تتراجع الروحانيات بعد رمضان؟
التراجع بعد رمضان ليس بسبب ضعف الإيمان غالبًا، وإنما لأن رمضان له أجواؤه الخاصة:
ففيه تصفَّد الشياطين كما أخبر نبينا ﷺ، وهذا يجعل الإنسان أكثر قدرة على الطاعة وأقل عرضة لوساوس المعصية. كما نجد الأجواء العامة مشجعة على الطاعة؛ فالمساجد ممتلئة بالمصلين، والقلوب منشغلة بالذكر، والمصاحف في أيدي الناس؛ ما يشجع على الالتزام، ويسهل الطاعات.
كما أنك في رمضان تضع لنفسك أهدافًا واضحة، مثل ختم القرآن، وقيام الليل، والامتناع عن العادات السيئة، فتلتزم بذلك، ولكن بعد رمضان يتراجع هذا التركيز على أهداف محددة.
فكيف تحافظ على روحانيات رمضان بعد انتهائه؟
1- استشعر أن رب رمضان هو رب كل الأيام:
الله الذي عبدته في رمضان هو الله الذي يظل معك بعده، فلماذا وكيف نعبده شهرًا ونهمله بقية العام؟ قال تعالى: ﴿وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّىٰ يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ﴾ [الحجر: 99]. فعبادة الله وطاعته ليست موسمية؛ بل هي حياة كاملة، وقد قال عز وجل: ﴿قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [الأنعام: 162].
2- اجعل رمضان أساسًا تبني عليه:
رمضان يمنحنا نموذجًا لحياة الطاعة؛ فبدلًا من أن يكون رمضان «حالة استثنائية»، اجعله أساسًا تبني عليه، وقاعدة تسير عليها. فالمداومة على العمل القليل أفضل من الكثير المنقطع، قال النبي ﷺ: «أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل» [متفق عليه].
فضع لنفسك جدولًا يوميًّا يحتوي على:
* الصلوات في أوقاتها جماعة.
* ورد يومي من القرآن، ولو صفحة.
* قيام الليل ولو ركعتين بعد العشاء.
* صيام النوافل، مثل ستة من شوال، والاثنين والخميس، والأيام الثلاثة الوسطى من كل شهر، ثالث عشر، ورابع عشر، وخامس عشر.
3- الصحبة الصالحة وقود الاستمرار:
في رمضان، تجد الصحبة التي تعينك على الطاعة، فاحرص بعده على البقاء مع من يذكّرك بالله، وتجنب أصحاب السوء الذين يزينون لك المعصية والعادات السيئة؛ فالمرء على دين خليله كما قال ﷺ.
4- الدعاء والاستعانة بالله:
لا تعتمد على جهدك فقط؛ بل اسأل الله العون والثبات، فقد كان من أكثر دعاء النبي ﷺ: «يا مقلب القلوب، ثبت قلبي على دينك» [الترمذي]. فاطلب من الله أن يرزقك نعمة الطاعة طوال العام.
وختامًا -ولدي الكريم- لا تجعل رمضان هو «الموعد الوحيد» الذي تقترب فيه من الله، بل اجعل منه نقطة انطلاق. وتذكَّر أن الاستقامة لا تعني أن تكون في القمة دائمًا، بل تعني ألا تعود إلى القاع أبدًا.
إن ضعفت فعُد إلى الله، وإن قصَّرت فجاهد نفسك، فالمهم ألا تتوقف.
إذا عُدت إلى بعض العادات السيئة، فلا تيأس ولا تشعر بالفشل. تُب واعقد العزم على الاستدراك، وابدأ من جديد، ولا تدع الانتكاسات تحبطك.
أسأل الله أن يثبتك وإيانا بعد رمضان، وأن يجعله بابًا لخير دائم، وأن يرزقك وإيانا لذة الطاعة في كل وقت، اللهم آمين.