الإستشارة - المستشار : أ. فتحي عبد الستار
- القسم : إيمانية
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
69 - رقم الاستشارة : 1409
24/03/2025
أنا شاب مسلم وبحاول أتدبر القرآن وأفهم معانيه، بس أحيانًا بقابل آيات مش قادر أفهمها أو بحس إن التفسيرات المتاحة مش مقنعة أو غريبة عليَّ.
الموضوع ده مسبب لي قلق، خصوصًا إني عاوز يكون إيماني مبني على قناعة وفهم.
إزاي أقدر أتعامل مع الإحساس ده بطريقة صح؟
وإيه الخطوات اللي تنصحوني بيها عشان أفهم الآيات دي من غير ما يأثر ده على علاقتي بالقرآن وإيماني؟
مرحبًا بك ولدي العزيز، وأسأل الله أن يبارك لك في قلبك وعقلك، وينير دربك بنور الإيمان واليقين. نشكر لك تواصلك معنا وثقتك بنا، ونسأل الله أن يشرح صدرك بالعلم النافع والإيمان الصادق، ويزيدك هدى وثباتًا، وبعد...
فإن الله -سبحانه وتعالى- خلق الإنسان محبًّا للبحث عن الحقيقة، سائلًا عن الحكمة، متطلعًا لفهم ما حوله، وهذا من تمام نعمة العقل التي ميزه بها عن سائر المخلوقات؛ بل إن الله -سبحانه وتعالى- يدعونا في غير موضع من كتابه إلى التدبر والتأمل في كتابه الكريم، فقال: ﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا﴾ [محمد: 24].
فالسؤال عن معاني القرآن ومحاولة فهمه هو أمر محمود يدل على اهتمامك بكتاب الله، ولكن الأهم هو أن يكون البحث بروح الإيمان واليقين، وليس بروح الشك والريبة؛ فكل كلمة في القرآن هي حقٌّ مطلق، حتى إن قصر عقلنا عن إدراكها أو استيعاب حكمتها.
كيف تتعامل مع الآيات التي لا تفهمها؟
عندما تواجه آية يصعب عليك فهمها، فهناك خطوات عملية تساعدك في التعامل معها:
1- الرجوع إلى التفاسير الموثوقة
لا يكفي أن تقرأ الآية بمعزل عن تفسير العلماء الثقات الذين أفنوا حياتهم في فهم القرآن. ومن أشهر التفاسير التي يمكنك الرجوع إليها: تفسير ابن كثير، وتفسير الطبري، وتفسير السعدي، فهي تجمع بين النقل عن السلف، واللغة، والفقه، والبلاغة.
2- البحث عن السياق العام للآية
بعض الآيات قد تبدو غريبة أو غير مفهومة إذا نُزعت من سياقها، لذا لا بد من فهم الآية ضمن سياق السورة، ومعرفة أسباب نزولها، وما قبلها وما بعدها؛ لأن القرآن يفسر بعضه بعضًا.
3- طلب العلم الشرعي على أيدي العلماء الثقات:
أحيانًا يكون الإشكال نابعًا من نقص في العلم الشرعي، فاستعِن بعلماء موثوقين لشرح المسائل الصعبة عليك، فالصحابة أنفسهم لم يكونوا يفهمون كل شيء مباشرة؛ بل كانوا يسألون النبي ﷺ، وقد قال ابن عباس رضي الله عنهما: «تفسير القرآن على أربعة أوجه: وجه تعرفه العرب من كلامها، وتفسير لا يُعذَر أحد بجهالته، وتفسير يعلمه العلماء، وتفسير لا يعلمه إلا الله» [رواه الطبري في مقدمة تفسيره].
4- الصبر والتسليم لله إن تعذَّر عليك الفهم
ولدي، ليس كل شيء يمكن للعقل أن يدركه بسهولة، فالله سبحانه يقول: ﴿وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ ۗ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ﴾ [آل عمران: 7].
فلو لم تستطع فهم الحكمة من بعض الآيات، فاعلم أن هذا من رحمة الله بك؛ لأن عقولنا محدودة، ولو أُجبرنا على فهم كل شيء لفُتنَّا.
كيف تتعامل مع عدم الاقتناع ببعض التفاسير؟
ولدي الغالي، قد تجد تفسيرًا لا يُقنعك، وليس في ذلك بأس؛ لأن التفسير اجتهاد بشري، وليس كل تفسير هو الحقيقة المطلقة. وإليك بعض النصائح في هذه الحالة:
- ابحث عن أقوال العلماء الأوثق علمًا وتقوى، ولا تعتمد على تفسير واحد، فقد يكون هناك تفسير آخر أكثر دقة يناسب السياق.
- لا تجعل عدم اقتناعك بتفسير معين مدخلًا للشك في القرآن نفسه؛ لأن القرآن كلام الله المحكم، أما التفسير فهو جهد بشري قد يصيب أو يخطئ.
- تذكَّر أن العلم يتجدد، وقد يظهر لك فهم أعمق مع مرور الزمن، فربما بعد سنوات تدرك ما لم تكن تفهمه اليوم، والله يفتح على العبد حسب إخلاصه وسعيه.
كيف تتعامل مع شعور الغرابة تجاه بعض الآيات؟
من الطبيعي أن تشعر أحيانًا بالغرابة تجاه بعض الأحكام أو القصص القرآنية، ولكن دعني أوضح لك ثلاثة أمور مهمة:
1- الغرابة لا تعني الخطأ
فكثير من الأمور كانت غريبة في زمن معين، ثم أصبحت بديهية بعد فهم أعمق. فالعلم الحديث اليوم يثبت حقائق لم يكن يدركها الناس سابقًا، وهذا دليل على أن عقولنا تحتاج إلى النمو والتطور.
2- اليقين يأتي مع العلم والإيمان
الشيطان قد يلقي في قلبك وساوس ليزعزع إيمانك، فاحذر من الانسياق وراءه. قال النبي ﷺ: «يأتي الشيطان أحدكم فيقول: من خلق كذا؟ من خلق كذا؟ حتى يقول: من خلق الله؟ فمن وجد ذلك فليستعذ بالله ولْيَنْتَهِ» [رواه مسلم].
3- التضرع إلى الله بطلب الفهم والهداية
لا تنسَ أن تسأل الله أن يفتح على قلبك، فقد قال تعالى: ﴿وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا﴾ [طه: 114]. فإن الله لا يخيب من دعاه بصدق وإخلاص.
وختامًا -ولدي الحبيب- إني أرى في سؤالك قلبًا طيبًا يسعى للحق، وعقلًا واعيًا يبحث عن الفهم، وهذا أمر جميل. لا تقلق، فكل مؤمن يمر بهذه المرحلة، لكني أوصيك بالصحبة الصالحة، والقراءة المنتظمة، والاستماع إلى العلماء الذين يملؤون قلبك يقينًا، وأوصيك أيضًا بكثرة الذكر والدعاء.
أسأل الله أن يثبتك، ويزيدك علمًا وإيمانًا، ويرزقك نور الفهم والتدبر، ويرزقك حب القرآن، إنه سميع مجيب.