الإستشارة - المستشار : د. أميمة السيد
- القسم : تربوية
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
64 - رقم الاستشارة : 1758
27/04/2025
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أعزائي المستشارين، جزاكم الله خيرًا على وقتكم وجهودكم. أجد نفسي في مرحلة من الحياة أتعامل فيها مع مشاعر معقدة تتعلق بالعلاقات. أحيانًا أجد صعوبة في التمييز بين الأشخاص الذين يستحقون فعلاً أن يكونوا جزءًا دائمًا في حياتي، وبين أولئك الذين قد يكونون مجرد لحظات عابرة.
في أحد اللحظات، تذكرت مقولة "لا تخسر إمرأة تصلح للعُمر كله من أجل إمرأة تصلح لليلة واحدة"، وبدأت أتساءل: كيف يمكنني التمييز بين العلاقات التي تستحق الاستمرار والتضحية من أجلها وبين تلك التي قد تكون مجرد تجربة مؤقتة؟
سؤالي هو: كيف يمكنني تحديد قيمة العلاقات التي تستحق الاستمرار والتضحية من أجلها، وكيف يمكنني اتخاذ قرارات أفضل في علاقاتي الشخصية دون الندم على الخيارات المستقبلية؟ جزاكم الله خيرًا على أي توجيه أو نصيحة تساعدني في التعامل مع هذه المشاعر.
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته،
أحييك على وعيك الذاتي العالي وتأملك الناضج في مشاعرك وعلاقاتك، وأسأل الله أن يرزقك الحكمة في القول والعمل، وأن يسدد خطاك لكل خير.
بدايةً، أطمئنك بأن ما تمر به من مشاعر حيرة وتردد أمر طبيعي جدًّا، بل إنه مؤشر صحي يدل على نضجك النفسي والاجتماعي.
فالتوقف للتفكير في نوعية العلاقات وجودتها هو إحدى علامات النضج العاطفي والذكاء الاجتماعي.
أما عن سؤالك الكريم: كيف نميّز العلاقات التي تستحق الاستمرار عن تلك التي هي مجرد عابرة؟
فالقاعدة الذهبية هنا، كما ذكرها علماء النفس، "أن العلاقة الحقيقية المستحقة للبقاء، يجب أن تقوم على أربعة أعمدة رئيسة"، اختصرها المختصون تحت مصطلح: SAFE Relationships، حيث يشير كل حرف إلى مكون أساسي:
1- (الدعم النفسي Support): هل تجد من هذا الشخص دعمًا حقيقيًّا في أوقات الرخاء والشدة؟
2- (القبول Acceptance ): هل يقبلك كما أنت دون محاولة تغيير جوهرك؟
3- (الوفاء والإخلاص Faithfulness): هل يحافظ على العهد والعلاقة باحترام؟
4- (التعاطف Empathy ): هل يشعر بك ويفهم مشاعرك بصدق؟
فإن وجدت هذه الصفات مجتمعة، فاعلم أن العلاقة تستحق أن تستمر، وإن نقصت نقصت قيمة الاستمرارية.
* ولمزيد من التبصر الواقعي، أضع بين يديك بعض المؤشرات العملية:
1- عليك بالاختبار الزمني للعلاقات (Test of Time): العلاقات الحقيقية تصمد أمام الزمن والمواقف الصعبة، بينما العلاقات السطحية تنهار مع أول اختبار.
2- عليك أيضًا بالتأكد من تطابق القيم والمبادئ: فكلما كانت المبادئ والقيم الأخلاقية متقاربة بينكما، زادت فرص بقاء العلاقة.
3- كذلك الراحة النفسية والاستقرار الداخلي مهمان جدًّا، حيث إن العلاقة السوية تمنحك شعورًا بالطمأنينة، لا القلق أو التوتر المستمر.
4- ولا بد أيضًا من توفر التكافؤ العاطفي والنفسي: اسأل نفسك: هل تبذل جهدًا مقابل جهد؟ أم أنك الطرف الوحيد الذي يعطي دون مقابل؟
وهنا يا أخي العزيز، أستشهد بقول نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم: "الأرواح جنود مجندة، من تعارف منها ائتلف، ومن تناكر منها اختلف". وهذا الحديث يرشدنا إلى حقيقة باطنية في العلاقات: الأرواح الطيبة تتآلف بطبعها، والعلاقات المصطنعة لا تصمد طويلًا مهما حاولنا تجميلها.
* أما عن كيفية اتخاذ قراراتك دون ندم مستقبلي، فأنصحك بما يلي:
- اكتب قائمةً واضحةً بصفات العلاقة التي ترغب بها.
- لا تتسرع في القرار تحت ضغط المشاعر المؤقتة.
- استخر الله تعالى في كل قرار مصيري، وكذلك في كل شخص تنوي بناء علاقة جديدة معه، سواء علاقة عمل أم زواج أم غيرهما.
- استشر أهل الخبرة والرأي السديد؛ فالاستشارة نورٌ يُضيء العتمة.. فاسأل عن الشخص الذي تنوي دخوله في حياتك، فكل من تعامل معه عن قرب قبلك يستطيع الحكم على سلوكياته وأخلاقه.
وكما أن الله تعالى منحك العقل الذي يمكنك من خلاله أن تحكم على الأمور وتستشف ما إذا كان رأي الأخربن صحيحًا وبأمانة، أم يشوبه بعض التنافس والأحقاد.. فكذلك قد منحك القلب الذي يرتاح لأشخاص بعينهم عن غيرهم، فبعد الاستخارة والاستشارة "استفتِ قلبك".
* وهمسة أخيرة من القلب:
ليست كل يد تمتد لك تستحق أن تمسك بها إلى آخر الطريق.
كن حكيمًا في اختياراتك، رقيق القلب، قوي البصيرة، واسع الأمل. وارضَ عن اختياراتك إذا بنيتها على موازين العدل والعقل والدين. فإن الله جل وعلا لا يضيع عباده المؤمنين، فلقد قال تعالى: {وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ}.
أدعو الله أن يرزقك صحبة الخير، وعلاقات العمر الثمينة، التي تزهر في دنياك وتؤنسك في آخرتك.
وإن احتجت إلى المزيد من الدعم النفسي أو التوجيه التفصيلي، فأنا هنا لمساعدتك، فلا تتردد في الكتابة متى شئت.
مع خالص التحية والدعاء لك أخي الكريم.