الإستشارة - المستشار : أ. فاطمة عبد الرءوف
- القسم : أسرية
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
54 - رقم الاستشارة : 1828
04/05/2025
ايه مميزات الزواج بدون قابمه للبنت ...شاب كويس ومحترم ومفيش خلاف علي اخلاقه علي حسب ما سالنا ...فايه عيوب الزواج من غير قايمه ...عايزة اطمن علي بنتي العريس بيقول نمشي حسب الشرع عايز العروسه بشنطة هدومها وهجهز شقتي من كله وهي اللي تختار حجاتها ..بس لبها عندي مهر فقط وشبكه علي ادنا ومش هكتب قايمه حسب الشرع تانصحوني الله يباركلكم
أختي الكريمة، أشعر بك وأشعر بحاجتك أن تطمئني على ابنتك على كافة المستويات وأنت ترين عادات المجتمع تربط هذه الطمأنينة بكثير من التفاصيل المادية سواء لإتمام الزواج أو للمستحقات بعد الزواج، والهدف من هذه التفاصيل والتعقيدات مزدوج.. فمن ناحية يعتقدون أن كثرة الأعباء المادية التي سوف تترتب على الطلاق ستجعل الرجل يفكر طويلاً قبل أن يتخذ قرار إنهاء الزواج الذي سوف يكلفه ثروة طائلة...
ومن ناحية أخرى، فإن ما تحصل عليه المرأة بعد الطلاق يحقق لها جزءًا من الأمان الاقتصادي، والأهم من ذلك (والذي لا يقال غالبًا) أنهم يعتبرون الفتاة بعد طلاقها كأنها أصبحت بضاعة معيبة لا يقبل بها أحد ووجود أثاث المنزل معها يمنحها فرصة للزواج الثاني بما تملكه من أشياء.
أختي الغالية، قبل أن أناقش معك هذه الأفكار السابقة والسياق الثقافي الذي أبرز هذه الأفكار أريد أن أطرح سؤالاً: هل مشاركة العروس في إعداد مسكن الزوجية ثم كتابة قائمة بمحتويات هذا المنزل حتى بعد إضافة ما اشتراه الرجل يحقق فائدة حقيقية للفتاة؟
وأنا هنا أتحدث عن فائدة مالية، إذ إنني أراها فائدة متوهمة فما يتم شراؤه من قبل أهل الفتاة من أجهزة كهربائية وأثاث وأدوات يكلفهم ثروة، في حين أن قيمتها مستعملة بالإضافة لما اشتراه الرجل لا توازي قيمة ما تم دفعه في هذا الجهاز، ولو تخيلنا أن والد العروس أو والدتها اشتروا للفتاة عقارًا أو ذهبًا أو تم استثماره في أي صندوق استثمار بهذه القيمة لحقق ربحًا ماديًّا يتجاوز هذه القائمة بمراحل.
الزواج والخوف
إذا كان الرجل يريد شراء كل ما يحتاجه المنزل من أثاث وأجهزة وأدوات صغيرة وكل شيء وعلى ذوق العروس، فما المانع؟ إنه يوفر عليك مبلغًا طائلاً، فلماذا ترفضين؟
سبب الرفض هو الخوف، أنت خائفة على ابنتك.. خائفة أن يسهل ذلك عليه فراقها.. خائفة إذا فارقها أن يتركها في العراء خاسرة؛ ففرصة زواجها الثاني أقل بينما حتى لا تملك المال ولا تملك الأثاث، هذا الخوف هو الذي يحركك أصبح ثقافة مجتمعية شائعة...
الرجل أيضًا خائف.. خائف من فشل الزواج فيخسر كل شيء، الاستقرار والمال، فقد يكون هذا الأثاث هو حصيلة عمله لسنوات وسنوات.. خائف من أن تستأسد عليه زوجته وهي تراهن أنه لن يفارقها وإلا فعليه خسارة ماله.. خائف من المحاكم والسجن وقد تناهى إلى سمعه حكايات مفجعة؛ لذلك فهو يرفض كتابة القائمة حتى لو قام بتجهيز منزل الزوجية كاملا.
أختي الفاضلة، الزواج الشرعي الحقيقي هو الزواج الذي يمنح الأمان والثقة للطرفين؛ فالأصل أن يكون الزواج على نية التأبيد لا على نية الطلاق، وكل التفاصيل المادية لا تمنح الطمأنينة والأمان.. ما يمنح الأمان أن يكون كلا الزوجين على خلق ودين.. أن تكون القيم الخلقية هي التي تحكم العلاقة الزوجية.. أن يكون هناك تفاهم ولغة حوار مشتركة.. أن يكون هناك تعاطف وعواطف.. مودة ورحمة حتى يتحقق السكن، هذا هو الأصل، وما التفاصيل المادية إلا أدوات مساعدة حتى يستقر السكن بين الزوجين.
فلسفة المهر
المرأة في الإسلام ليست سلعة تباع بسعر محدد.. وقيمة المرأة لا تتحدد بحسب السعر الذي يدفع فيها، فهذا لون من ألوان الاتجار بالبشر، والمرأة في الإسلام ليست سلعة وليست بضاعة، والمهر في الإسلام ليس هو الثمن الذي يدفع فيها؛ لذلك فأكثرهن بركة أقلهن مهرًا، بل إن الزواج يصح حتى لو لم يقرر المهر فهو ليس من شروط صحة الزواج.
فلماذا شرع المهر؟ وما هي فلسفته وحكمته؟
المهر في الإسلام رمزية على احترام المرأة ودلالة على قدسية العلاقة الزوجية.. إشهار الزواج والشهود وولي الأمر وعقد الزواج وتقديم المهر كلها تخدم نفس الهدف أن هذه علاقة شريفة ذات قدسية خاصة، والمهر بالذات هدية واجبة تدل على رغبة الرجل في المرأة {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً} (النساء: 4).
قال الطبري -رحمه الله- في تفسيره: يعني بذلك تعالى ذكره: وأعطوا النساء مهورهن عطيّة واجبة، وفريضة لازمة.
لكن ذلك لا يعني أن المرأة لن يتحقق لها منفعة مادية من المهر، فلا شك أن المال عصب الحياة وأن الهدية إحدى لغات الحب التي تسعد الإنسان عمومًا والمرأة خاصة؛ لذلك فلا حد أقصى لهذا المهر، فهناك صحابي قدّم حديقة كمهر دون أن ينكر عليه النبي ﷺ ذلك، وعلى الرغم من ذلك فإن ﷺ دعا للتيسير فيه "إِنَّ مِنْ يُمْنِ الْمَرْأَةِ: تَيْسِيرَ خِطْبَتِهَا، وَتَيْسِيرَ صَدَاقِهَا، وَتَيْسِيرَ رَحِمِهَا".
ومسألة التيسير هذه نسبية تختلف اختلافًا كبيرًا حسب المستوى المعيشي الذي تعيش فيه الفتاة والمستوى المعيشي للرجل وطبيعة عمله وظروفه الاقتصادية، والعرف معتبر داخل دائرة المباح بحيث لا يخرج المهر عن الفلسفة التي وضعها له الإسلام ويصبح أداة للتنفير من الزواج.
القائمة وحكايتها
في ضوء ما سبق يمكننا النظر إلى قضية قائمة الأثاث محاولين ألا نغفل عن الواقع الذي أفرزها وما تثيره من مشكلات.
قائمة الأثاث لمن لا يعرفها هي قائمة يوضع فيها كل ما يتم شراؤه لتأثيث منزل الزوجية ويوضع أمام كل سلعة سعرها، ويُوقّع عليها الزوج كإيصال أمانة بحيث تستطيع الزوجة رفع قضية للمطالبة بها في أي وقت، وهي نظام معمول به في الدول التي تشارك فيها الزوجة في تأثيث منزل الزوجية كمصر.
السبب في كتابتها هو حفظ حقوق الزوجة المالية، باعتبار أن الأصل أن يقوم الزوج بتأثيث منزل الزوجية كاملا، ولأنه لا يستطيع نظرًا للظروف الاقتصادية الصعبة فإن ما تشتريه الزوجة يعتبر دَينًا عليه.
نظرا لأن العروسين يشتركان في هذا التأثيث فأصبح العرف كتابة مشتريات الزوج أيضًا باعتبار ذلك جزءًا مهمًّا من المهر الذي لم تحصل عليه الزوجة.
أحيانا توضع أسعار أعلى مما تم الشراء به باعتبار أن هذا هو السعر المطلوب للسلعة، وأن التنازل عنه حدث نظرًا لظروف الزوج الاقتصادية.
يوضع أيضًا في القائمة الذهب الذي يشتريه العريس "الشبكة" بعدد الجرامات نظرًا لارتفاع أسعار الذهب فتحتفظ الشبكة بقيمتها.
المعارضون للقائمة يرون أنه لا مانع في كتابة ما اشترته الزوجة فقط بسعره الحقيقي، وبعضهم يرفض ذلك وغالبًا يبدي استعداده لشراء كل الأشياء بحسب ظروفه. ويرون أيضًا أنها ليست مهرا لأنها لا توضع في وثيقة الزواج، وبالتالي لا تردها الزوجة إذا قامت برفع دعوى خلع مثلا، ويطالبون بكتابة الذهب في وثيقة الزواج أو المال باعتبار ذلك هو المهر (في بعض القضايا تقوم الزوجة بحفظ الذهب عند أسرتها ثم تطالب به مرة أخرى عن طريق القائمة).
المؤيدون لكتابة القائمة يرون أنها البديل العادل لمشاركة المرأة في تأثيث منزل الزوجية وعدم حصولها على مهر بصورة حقيقية، وعلى سبيل المثال الذهب الذي يشتريه الرجل يقوم نسبة هائلة منهم بعد ذلك ببيعه برضا الزوجة أو بسيف الحياء أو بالضغط والمشاكل.. يبيعه لأن عليه ديونًا أو لعمل مشروع خاص به أو... فإذا تطلقت المرأة تكون قد تزوجت دون مهر وإذا رفعت خلع فإنها هي من تدفع من مالها قيمة الذهب.
نفس الشيء ينطبق على ما يشتريه الزوج من أثاث يتم اعتبار ذلك جزءًا من المهر، فمقابل مشاركة الزوجة في تأسيس المنزل وهو ليس بواجب عليها يكون من حقها الحصول على كامل الأثاث (جزء مالها الذي مثل مساعدة للزوج وجزء كمهر لها)، وأيضا يرفضون كتابة ما اشترته الزوجة فقط لأنهم يعتبرون أن الرجل في هذه الحالة يبتزها للمشاركة ولا يقدم لها أي مقابل.. فلماذا تشاركه في الأعباء الملقاة على عاتقه دون مقابل عادل أن يكون ما اشتراه هو أيضًا لها وجزءا من مهرها.
حتى عندما يغالون في قيمة ما تم شراؤه أو عدد جرامات الذهب فلهم مبرر قوي في ذلك، فمثلا تريد العروس خمسين جرامًا من الذهب كمهر لها ولكن الرجل لا يمتلك إلا أن يشتري عشرين، فيتم التساهل معه بشراء عشرين على أن يبقى الباقي كدَين عليه ويكتب الخمسين جراما.. ولا يكتب كمؤخر صداق بسبب أن قيمة ما يتم دفعه لتوثيق الزواج يزيد بصورة مطردة مع ارتفاع مؤخر الصداق.
في رأيي الشخصي أن لكتابة القائمة مميزات وعيوبًا، ولعدم كتابة القائمة وقيام الرجل بتأسيس منزل الزوجية وحده وإعطاء المرأة مهرها سواء مالا أو ذهبا مميزات وعيوبا أيضًا، وهذا ينطبق على الزوج أو الزوجة، فلو أن الرجل يستطيع بالفعل في ظل هذه الظروف الاقتصادية الاعتماد على نفسه وتأسيس منزل الزوجية بما يليق بالعروس وما تحتاج إليه وهو ما يحدث في معظم العالم الإسلامي بشكل طبيعي وتلقائي فهذا أمر جيد جدًّا ولا غبار عليه، وفي هذه الحالة تطالب العروس بمهرها مالاً أو ذهبًا أو يعرض هو ما يستطيعه في ذلك ويكون من المستحب التيسير عليه واستجلاب البركة بذلك.. وطبعًا العرف ومهر المثل أمور معتبرة في تحديد هذا المهر، وفي الوقت ذاته لا ينبغي مسايرة الأعراف الظالمة التي تحطم الشباب وتلجئهم للديون.
أيضًا لا يطالب الرجل بهذا الذهب أو المهر بعد إتمام الزواج واعتبار المال ماله والذهب ذهبه؛ فهذا المال حق الزوجة الخالص قد تمنحه للزوج برضا نفس، وغير ذلك يعد اعتداء حتى لو غيّر أسلوب معاملته لها للضغط عليها يعد ذلك اعتداء، والحقيقة هو نقص في الخلق بل وفي الرجولة أيضا.
ويرتبط بذلك أيضا ألا يطالب أهل العروس بتقديم الهدايا الدورية في المناسبات كما يحدث كثيرًا في الريف مثلا.. فنحن هنا بصدد مواجهة كل الأعراف الثقيلة التي تكبل الزواج وعلى الرجل حماية العروس من التعليقات السلبية التي قد تتلقاها من أهله وأسرته؛ فالعروس لها المهر لا يطالبها به أحد ولا يطلبون من عائلتها أي هدايا أو مواسم وواجبات دون أن يقلل ذلك منها ودون مقارنة مع أخريات تزوجن وفق منظومة أخرى.
إذا كان الرجل غير قادر على تأسيس منزل الزوجية وحده بشكل مناسب فيمكن اللجوء للقائمة لضمان حقوق الفتاة التي تشارك بشكل يكاد يكون متساويا معه، وفي بعض الحالات قد تزيد عليه لدرجة أنه قد يشترط أن تأتي العروس بكذا وكذا، وكثيرًا ما يقترض أهل العروس ويكون عليهم ديون بسبب هذا، والمجتمع لا يرحم -وفق هذه المنظومة- حتى اليتيمات من المشاركة في تأسيس منزل الزوجية، وبالتالي فمن حق الفتاة كتابة قائمة أثاث تضمن لها حقها في هذه الحالة.
في رأيي الشخصي أن عدم كتابة قائمة وإعفاء العروس من المشاركة في تأسيس منزل الزوجية هو أمر في صالح الفتاة قبل الرجل، فإذا كانت فقيرة لن يلجأ الأهل للاستدانة حتى يقوموا بتجهيزها، وإن كانت ثرية فيمكن للأهل منحها المال أو استثماره لها فسيكون العائد منه أكبر من أثاث منزلي مستهلك.
القائمة لم تمنع ارتفاع معدلات الطلاق الهائلة والجنونية التي أصابت مجتمعاتنا، فإذا كنت أختي تريدين أن تطمئني على ابنتك فابحثي عن خلق الخاطب ودينه، وتأكدي من أن ابنتك تفهم جيدًا طبيعة الحياة الزوجية، ثم توكلي على الله واستودعيه إياها ولا تجعلي القلق والخوف يجعلك مرتعشة من قبول خاطب ذي خلق يعدك بتأسيس منزل مثل ما ترغب العروس لمجرد أنه لا يريد كتابة قائمة.. أسعد الله قلبك وقلب ابنتك وكتب لها الخير.