Consultation Image

الإستشارة 23/04/2025

أنا سيدة لدي ثلاثة أبناء أصغرهم لم يكمل العامين.. هجرني زوجي بمجرد ولادتي لطفلي الصغير الذي جاء وسط كثير من الخلافات، والذي كنت أظن أن ولادته قد تخفف منها، وآخر شجار كان بسبب مصاريف الولادة التي لم يدفع فيها جنيها لأنه لم يكن يرغب في هذا الطفل.

هجرني وتركني معلقة بلا أي مصروفات وغيّر محل عمله حتى لا أستدل عليه فهو يعمل في العاصمة بينما نسكن في إحدى المحافظات.. أهلي رفضوا استقبالي بأطفالي واشترطوا أن أعيدهم لأبيهم أو لأهله.. بعت كل ما أملك حتى أثاث بيتي وعملت في مكتبة وحاولت أن اسوق بعض المنتجات واستلفت.. وساعدني أهلي بالقليل من المال ورفعت قضية نفقة وبعد طول معاناة وبعد عدم الاستدلال على عنوانه أخذت مبلغا رمزيا من البنك الاجتماعي لا يكاد يكفي نفقة الايجار..

سعيت للحصول على بعض الصدقات من الجمعيات الخيرية لكنني لست أرملة ولا حتى مطلقة (المحامي قال لي إن الطلاق سيسقط النفقة واحتمال يظهر وتأخذين النفقة)، وبالتالي فالجمعيات لم تقدم لي أي دعم ولكنني تلقيت بعض الصدقات من بعض الأفراد  ولكنها لا تكفي الحد الأدنى من الطعام.

قررت في نهاية المطاف أن أذهب لأهل زوجي في الصعيد وأخذت ملابس الأولاد وقد قررت تركهم والعودة لأهلي، لكن الصدمة الكبرى أنهم رفضوا تسلمهم وقالوا لي ليس لنا شأن سلميهم لأبيهم..

اسودت الدنيا في عيني حتى إنني كدت أن أذهب بهم لدار رعاية لكن قلبي لم يطاوعني.. للأسف وقعت بعدها في فخ الشيطان حيث لم يتبق لي إلا هاتفي فتحدثت مع رجال من داخل الوطن وخارجه وأرسلوا لي المال وأرسلت لهم صورا ثم أصبحت أقوم بفتح الكاميرا وتماديت معهم لآخر المدى وسقطت في بئر الرذيلة وأصبح معي المال بل الكثير منه فدفعت الإيجار واشتريت الطعام والثياب وقلت لأهلي صدقات من أهل الخير، وقلت إنني أبيع منتجات عبر الإنترنت ولم أخبرهم بالطبع أنني أبيع نفسي.

والحق يقال إنهم لم يكثروا من السؤال والتدقيق (ما صدقوا ارتاحوا من مساعدتهم الشحيحة)، وأمي سعيدة جدا بالهدايا التي أقدمها لها، بل وادخرت بعض المال واشتريت قطعا ذهبية صغيرة أخبرت من حولي أنها مزيفة، وكثيرًا ما أقول لنفسي هذا يكفي وقد يرفع عني الستر في أي لحظة وأحيانا أقول فترة صغيرة فقط حتى يكون معي بعض المال ولكنني في الحقيقة لم أعد قادرة على التوقف والرجوع لسؤال الناس..

أنا لم أتخيل يومًا أن يكون هذا مصيري لكنني مجبرة فلم يرحمني أحد ولم يرحم أطفالي أحد.. أنا مرعوبة من المستقبل وخائفة من عذاب الله أنا لم أقترف الفاحشة بشكل حقيقي ولكنني أشعر بدنسي وحقارتي وعلى الرغم من ذلك غير قادرة على التوقف والإقلاع.. حتى لو قتلت نفسي فماذا سيكون مصير أطفالي وهذا الرجل الحقير الذي تزوجته أليس هو من يستحق القتل.. أعلم أنه لا حل لديكم لمشكلتي لكنني أحكي عسى أن أخفف عن نفسي بعض ما أجد.

الإجابة 23/04/2025

أختي الكريمة، أهلاً وسهلاً ومرحبًا بك على صفحة البوابة الإلكترونية للاستشارات الخاصة بمجلة المجتمع..

 

رسالتك موجعة موجعة وصادمة لأقصى حد ممكن.. كل تفاصيلها مؤلمة وموجعة.. لست أدري أي خلافات هذه التي تجعل هذا الرجل ينسحب من حياتك وحياة أولاده بهذه الطريقة.. الحقيقة أن الجميع تخلى عن مسئوليته وليس زوجك فقط، أهله الذين رفضوا أن يتكفلوا أحفادهم.. أهلك الذين رفضوا أن تعيشي معهم على الحلوة والمرة وتتقاسمي معهم ظروفك القاسية.

 

لكن هذا كله لا يبرر ما قمت به، زوجك اختفي غيرك زوجها توفي ولم يترك لها شيئًا وترك لها عدة أولاد.. وهذه زوجها مريض لا يعمل ولديها أيضًا عدة أولاد، والحياة مليئة مترعة بالأحزان والابتلاءات، والله سبحانه وتعالى لا يكلف إنسانًا فوق طاقته {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ۚ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ ۗ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا ۚ رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا ۚ رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ ۖ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا ۚ أَنتَ مَوْلَانَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ}.. قد يخدع الإنسان نفسه ويردد أن الابتلاء فوق طاقته.. قد يروي قصته بطريقة تؤكد أنه لم يكن أمامه طريق غير الطريق الذي سار فيه ولكنه في قرارة نفسه لا يطمئن لهذه الرواية.

 

أبواب لم تطرق

 

أختي العزيزة، أعلم يقينًا أنك كنت تحترقين ولا أقلل أبدًا من شدة وقسوة ما عانيت، ولا أريد أن أضع الملح على جروحك المفتوحة، بل أريدك أن تدركي الأمر على نحو مختلف.. لا بد أن تتغير فكرتك أنه لم يكن ثمة طريق آخر وأنك كنت مضطرة لما ارتكبت من ذنوب ومعاص.

 

ربما تقولين وأي طريق آخر كان يمكنني أن أمشي فيه وأي باب كان أمامي ولم أطرقه.. والحقيقة كان لديك طرق وأبواب.. بدءًا من اللجوء للكبار في بلدة أهل زوجك حتى يتحملوا مسئوليتهم نحو الأطفال أو اللجوء للشرطة.. مرورًا بالذهاب بأطفالك والجلوس في بيت أهلك حتى لو نمتم في ردهة البيت ووضعتهم أمام الأمر الواقع..

 

يا أختي، لو كنت ذهبت وعملت كعاملة منزلية لأكلت أنت وأولادك حلالاً طيبًا.. ما الذي كان الناس سيقولونه عنك؟.. كانوا سيقولون امرأة شريفة تسعى على أطفال تركهم رجل لا يمت بالرجولة في شيء.. ماذا كنت تخشين.. الوصمة المجتمعية؟ بعض ضعاف العقول والنفوس لربما سخروا منك، لكن هل هذا يوازي سخط رب العالمين وأنت تسلكين هذا الطريق المليء بالخطايا والذنوب.. أقسم لك بالله تعالى أن اللجوء له سبحانه يفتح الأبواب المغلقة التي كنا نظن فتحها مستحيلاً، وتجارب الناس شاهدة على ما أقول لك.

 

الابتلاء قاس ولكنه جزء من الحياة.. اختبار علينا اجتيازه، انظري لزوجة أيوب فجأة مرض زوجها مرضًا أقعده.. مرض لا يبدو له شفاء.. فقدت أولادها.. فقدت المال وانتقلت من حال الثراء إلى الفقر الشديد، فكان عليها أن تنفق على نفسها، وكان عليها أن تنفق على هذا الزوج المريض فماذا تفعل؟ ذهبت لتعمل في بيوت الناس.. تحولت من سيدة ذات ثراء ومكانة اجتماعية لمجرد عاملة منزلية بسيطة حتى رفض الناس خدمتها خشية العدوى؛ لأنها تخالط الزوج المريض، بينما نحن في مجتمعنا لا يجد الناس عاملة منزلية، وتحصلين على دخل جيد للغاية يكفيك وأولادك الطعام والإيجار والثياب حتى يبدل الله الحال.

 

أختي، كان يمكنك رفع قضية طلاق (فالرجل غير موجود لتحصلي على نفقة)، وكان يمكن أن تتزوجي من يكفلك أنت وأولادك حتى لو زوجة ثانية.. حتى لو تزوجت من أرمل يكبرك بسنوات.. كان وكان وكان، هناك طرق وأبواب لم تقربيها وكان هناك باب رب العالمين الذي لا يغلق في وجه إنسان.

 

ما الذي أريد قوله من كل ما سبق أنك ارتكبت خطأ فادحًا، نعم أنت تعرفين أنك أخطأت خطأ فظيعًا لكنك تبررين أنه لم يكن ثمة حل آخر وأنك أجبرت على هذا الحل تحت تأثير الديون والفقر وجوع الأولاد، وهذا من تلبيس إبليس عليك، فلقد أوضحتُ لك أبوابًا وطرقًا كثيرة كانت تكفل لك العيش الحلال {وما من دابة إلا على الله رزقها}.

 

وهذا الحديث يصف حالتك بالضبط: "إن روح القدس نفث في روعي أن نفسًا لن تموت حتى تستكمل أجلها، وتستوعب رزقها، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب، ولا يحملنكم استبطاء الرزق أن تطلبوه بمعصية الله، فإن ما عند الله لا يُنال إلا بطاعته". وأنت عزيزتي استبطأت الرزق وسوّل لك الشيطان أن ما انزلقت إليه هو الحل الوحيد.

 

شعاع نور

 

لعلك الآن تتساءلين هل هناك أمل؟ هل ثمة ضوء في نهاية هذا النفق المظلم الذي اختنقت فيه روحي وتدنس فيه جسدي، وأنا أقول لك بالطبع هناك أمل قال تعالى: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ}، فمهما أسرف الإنسان في الذنوب وارتكب من الكبائر والموبقات فأمامه فرصة للتوبة.. مهما عظمت الذنوب الله سبحانه وتعالى يطلب من الإنسان ألا يقنط من رحمة الله.. لا تقولي لنفسك أبدًا أنه فات أوان التوبة بعد ما حدث فـ "إن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها".

 

 أتعلمين أختي العزيزة أن الله يفرح بتوبتك "لله أفرح بتوبة عبده من أحدكم يجد ضالته بالفلاة"، تخيلي فرحة إنسان أضاع شيئًا ثمينًا في الصحراء دابته مثلاً وما عليها من ماء وطعام وقد أوشك على الهلاك ثم يجدها هل تتصورين فرحته.. الله يفرح بك أكثر من ذلك.

 

ذنوبك كثيرة.. تشعرين بالخزي منها اقرئي إذن هذا الحديث القدسي: "يا ابن آدم، إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي، يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك".

 

أقول لك ما هو أكثر من ذلك ذنوبك الضخمة هذه تتحول لحسنات ضخمة إذا تبت إلى الله تعالى {إلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً}.

 

ماذا تنتظرين بادري بالتوبة من اللحظة:

 

* توقفي عما ترتكبينه من ذنوب، أغلقي الهاتف وتخلصي من الشريحة.

 

* قومي اغتسلي وصلي واسجدي واستغفري وابكي قولي: "اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت أبوء لك بنعمتك على وأبوء بذنبي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت".

 

إن لم تحفظيها فقولي ما ترغبين فيه.. المهم أن يكون من أعماق قلبك.. قولي يارب ظلمت نفسي ظلمًا كثيرًا فاغفر لي، إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، يارب عزمت على التوبة من ذنوبي فأعني، يارب ارزقني وابعدني عن الفتنة، يارب إني ضعيفة ولجأت إليك فأعني، قولي كل ما في قلبك لله وهو أرحم الراحمين سيسمعك ويجيبك ويجبرك.

 

* اعزمي عزمًا أكيدًا على عدم العودة لذلك؛ فأخبري من حولك أن تجارتك التي كنت تمارسينها فاشلة وأنك بحاجة لعمل عاجل.. عاملة في مصنع أو عاملة منزلية بالساعة.. حتى لو بعت خضراوات أمام بيتك أو بيت أهلك.. حتى لو بعت مناديل ورقية وحلوى للاطفال.. حتى لو ذهبت لكل المساجد والجمعيات وأهل الخير وطلبت صدقة.

 

توكلي على الله، وثقي أنه سيفتح لك أبواب الرزق "لو أنكم توكلتم على الله حق توكله، لرزقكم كما يرزق الطير، تغدو خماصًا وتروح بطانًا"، فتيقني من هذا وأحسني الظن بالله تعالى، واصدقي في توبتك وسيفرج الله كربك.

 

نصيحتي ألا تؤخري التوبة ولا تؤجليها وتسوفيها {وَأَنِيبُوا إِلَىٰ رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُۥ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ ٱلْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ * وَٱتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ ٱلْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ * أَن تَقُولَ نَفْسٌ يَـٰحَسْرَتَىٰ عَلَىٰ مَا فَرَّطتُ فِى جَنبِ ٱللَّهِ وَإِن كُنتُ لَمِنَ ٱلسَّـٰخِرِينَ * أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ ٱللَّهَ هَدَىٰنِى لَكُنتُ مِنَ ٱلْمُتَّقِينَ * أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى ٱلْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِى كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ ٱلْمُحْسِنِينَ} (الزمر: 54 : 58).

 

فبادري بالتوبة غاليتي، واطوي هذه الصفحة من حياتك.. رزقك الله الستر والعافية وصب عليك الخير صبًّا وبارك في أولادك.

الرابط المختصر :