Consultation Image

الإستشارة 15/04/2025

أنا طالب جامعي وأرى بعض الزملاء ينشغلون على وسائل التواصل الاجتماعي بتصنيف الناس إلى سلفي، إخواني، صوفي، تبليغي، جهادي، وغير ذلك، بينما أرى أن الأمة تعاني من الأزمات والمشكلات الكبرى، والمسلمون يقتلون ويشردون في أنحاء الأرض دون أن تتوحد جهودهم. فكيف أتعامل مع هذه الظاهرة؟ هل التصنيف أمر مفيد في الدعوة إلى الله؟ وهل له ثمرات إيجابية أم أنه مجرد جدل لا ينفع؟ وكيف أتعامل مع من ينشغل به؟

الإجابة 15/04/2025

أخي الكريم، طرحك لهذا التساؤل يعكس وعيًّا ناضجًا بالواقع، وحرصًا على وحدة الأمة، وهذا بحد ذاته خطوة في الاتجاه الصحيح. وهي قضية باتت كالظاهرة التي تحتاج إلى علاج، ولذا دعنا نطرق أبوابها من خلال النقاط التالية:

 

أولًا: هل التصنيف ظاهرة صحيحة أم خاطئة؟

 

التصنيف في ذاته ليس خطأ إذا كان بقصد التعريف لا التفرقة؛ فالله سبحانه وتعالى صنّف الناس في القرآن إلى مؤمنين ومنافقين وكافرين، وقال: ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ﴾ لكن المشكلة عندما يتحول التصنيف إلى وسيلة للتمزيق والاتهام والإقصاء، بحيث يصبح كل طرف ينظر إلى الآخر بعين الريبة، ولا يرى فيه إلا الخطأ، وكأن الجنة حكرٌ على طائفته وحدها!

 

ثانيًا: هل التصنيف يخدم الأمة أم يضرها؟

 

1) أثر التصنيف على وحدة الأمة:

 

* يؤدي إلى تفريق المسلمين وإضعاف صفهم، وهذا يخدم أعداءهم أكثر مما يخدم الإسلام.

 

* يجعل العداوة بين الإخوة في الدين أشد من العداوة مع أعداء الدين أنفسهم!

 

* يُضعف الجهود الإصلاحية، حيث يُنشغل الناس بالصراعات الداخلية بدلاً من مواجهة المشكلات الكبرى.

 

2) هل التصنيف ضرورة دعوية؟

 

* الأصل في الدعوة إلى الله أن تكون جامعة لا مفرّقة، كما قال النبي ﷺ: "يسروا ولا تعسروا، وبشروا ولا تنفروا" [متفق عليه].

 

* الدعوة ليست قائمة على "تصنيف الناس"، بل على إرشادهم إلى الخير وفق الكتاب والسنة، وقد أجمع علماء الأمة أنّ "كل مسلك يؤدي إلى تفريق المسلمين فهو مذموم في الشريعة".

 

ثالثًا: كيف أتعامل مع هذه الظاهرة؟

 

1) لا تنشغل بالمصطلحات بل انشغل بالحقائق: فبدلًا من أن تسأل: "هل فلان إخواني أم سلفي؟"، اسأل: "هل قوله وعمله موافق للكتاب والسنة؟"، والميزان هو الحق لا الأسماء، فقد تجد الصوفي زاهدًا، والتبليغي داعيًا، والسلفي متمسكًا بالسنة، والإخواني حريصًا على العمل الجماعي، فخذ الخير من كل أحد.

 

2) ركّز على القضايا الكبرى للأمة: فها هم الناس يُقتلون في فلسطين، والمسلمون يعانون في بلاد كثيرة، والأخلاق تنهار، فهل الأولى أن نناقش من هو سلفي ومن هو تبليغي، أم أن نبحث كيف ننصر الإسلام عمليًّا؟ وقد قيل: "ليس الدين بالتمييز بين الناس، ولكنه بالعمل الصالح".

 

3) ادع بالحكمة ولا تدخل في جدالات لا فائدة منها: فإذا رأيت من يتحدث كثيرًا عن التصنيفات، فذكِّره أن الأولى هو الإصلاح والبناء لا التقسيم والصراع، فإذا رأيت خلافًا فكريًّا، فادعُ الجميع للالتقاء على المشتركات بدل التركيز على نقاط الخلاف؛ فالخلاف -كما تعلّمت- لن ينتهي (ولا يزالون).

 

4) تذكير الآخرين بأننا أمة واحدة: قال الله تعالى: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾ وقال النبي ﷺ: "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد الواحد" [رواه مسلم].

 

رابعًا: هل التصنيف له فوائد إيجابية؟

 

* قد يكون مفيدًا فقط للتعريف العلمي البحت، لكن ينبغي ألا يكون وسيلة لإقصاء الآخرين أو الحكم عليهم.

 

* الأصل أن تُقدَّم المبادئ والقيم على التصنيفات؛ لأن الدعوة إلى الإسلام أوسع من أن تُحصر في جماعة أو فئة واحدة.

 

وختامًا، اعلم أنّ الداعية الحقيقي هو الذي يجمع ولا يفرق، يوجّه الناس نحو العمل الصالح بدلًا من إغراقهم في صراعات فكرية، فلا تهدر وقتك في جدالات التصنيف، ووجّه طاقتك لخدمة الإسلام والدفاع عن قضايا الأمة.

الرابط المختصر :