الإستشارة - المستشار : د. أميمة السيد
- القسم : تربوية
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
270 - رقم الاستشارة : 1562
09/04/2025
أنا طالب في كلية علاج طبيعي، في آخر سنة، والحمد لله مستوايا كويس ومقبول في الكلية، وشغال شغل بسيط على جنب بيدخل لي دخل حلو، وبخطط أفتح عيادة صغيرة بعد التخرج إن شاء الله.
من فترة، والدتي رشحت لي بنت من العيلة، قرايب من بعيد برضو، وبتدرس في كلية طب، وهي في سنة خامسة، وشكلهم كانوا ناويين يلمحوا لفكرة الخطوبة.
أنا عمري ما كنت ببص للموضوع من زاوية مين أعلى من مين، وبالعكس أنا شايف إن كل الكليات ليها احترامها، والنجاح مش باللقب، بس اللي خلاني أتردد إن البنت شكلها شوية بتحب المظاهر أو ممكن تبص لي بعد كده بنظرة فوقية، بحكم إنها "دكتورة" وأنا لا.
رحت أزورها مع أمي في أول يوم العيد، وكانت قاعدة وسط أهلها، بصراحة محترمة جدًّا، لبسها محتشم، وكلامها موزون، ووشها فيه راحة كده، بس كانت قليلة الكلام جدًّا، وماعرفتش أستشف منها شخصيتها أو تفكيرها.
أنا من ناحيتي ظروفي مستقرة الحمد لله، عندي شقة صغيرة ورثتها عن جدي، ومرتب بسيط من شغلي، والنية إني أجهزها على قدِّي، بس البنت ظروفها برضو مش ميسورة، ووالدها متوفى، فلو اتجوزنا احتمال كبير أكون أنا المتكفل بكل حاجة، وده مش مضايقني أوي، لأني ناوي أعمل كده في كل الأحوال.
اللي موقفني وخلاني مش قادر أقرر هو خوفي من اختلاف النظرة بيننا في المستقبل... يعني هل هي ممكن تبقى شايفة نفسها أعلى؟ هل هتقدر حياتي وتدعمني ولا لأ؟
خصوصًا إن والدتها كانت بتتكلم مع ماما، وبتقول إنك شخص مؤدب وطموح، وكانت بتقول إن العلاج الطبيعي عليه مستقبل، وإنها شخصيًّا شايفة إن بنتها محتاجة واحد زيي، بس في نفس الوقت كانت بتلمّح إن بنتها دايمًا بتحب تكون مميزة.
أنا محتار أكمل في الموضوع وأتوكل على الله؟ ولا أسيبه بدل ما أدخل في حاجة أبقى مش متطمن لها؟
ابني الفاضل،
أسأل الله أن يرزقك سداد الرأي، وحسن الاختيار، وأن يبارك لك في عمرك ووقتك وقلبك.
بداية، أحييك على نُضجك وحرصك على النظر في أمور المستقبل بعقلانية وواقعية، وهذا في حد ذاته مؤشر على اتزان نفسي واجتماعي جيد.
ولنبدأ بتفنيد الأمر من عدة زوايا:
أولًا: بالنسبة للفرق الأكاديمي بينك وبينها، فهو ليس معيارًا للفجوة النفسية، حيث لا يُعد الانتماء إلى تخصص معين معيارًا لقيمة الإنسان، وإنما كيفية توظيفه لمعارفه ومهاراته لخدمة نفسه وأسرته ومجتمعه.
إن ما تخشاه من أنها قد تنظر إليك لاحقًا نظرة دونية هو نوع من التنبؤ السلبي للمستقبل، وقد يقع فيه العقل عند عدم توفر معلومات كافية عن الطرف الآخر.
لكن هنا أُذكّرك بأن "المرأة الصالحة لا تنظر إلى لقب زوجها، بل إلى قلبه وخلقه وسعيه"، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "ليتخذ أحدكم قلبًا شاكرًا، ولسانًا ذاكرًا، وزوجة مؤمنة تعينه على أمر الآخرة".
فانظر: هل لمست في كلامها أو تصرفاتها ميلًا للتعالي؟ أم أن هذه فقط مجرد "هواجس داخلية" تُسمّى نفسيًّا Cognitive Distortion – Catastrophizing، أي تضخيم السيناريوهات السلبية؟
ثانيًا: السكن النفسي مقدَّم على التوازن المادي أو الأكاديمي
فلقد قال الله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} (الروم: 21). ولم يقل: لتتفاخَروا بالألقاب أو تتساووا في الشهادات. بل قال: (لتسكنوا)، فابحث عمن تسكن إليها، لا من تزداد معها توترًا وهمًّا.
ومن الحكمة أن تعلم أن الاستقرار العاطفي والنفسي هو ما يدوم، أما الألقاب والمكانات الاجتماعية فهي متغيرة. وقد يُغدق الله البركة في القليل من الرزق أو العلم، إن وُجدت القلوب السليمة والنفوس الطيبة.
ثالثًا: احذر الوهم بالخوف من المستقبل، فقد يضيّع منك فرصًا عظيمة
فكثير من حالات Decision Paralysis أو (الشلل في اتخاذ القرار)، ترجع إلى الخوف مما لم يحدث بعد، وتلك ظاهرة تُعرف في علم النفس بـ"Fear of the unknown".
ابني الكريم، لمّا وقف الإمام الشافعي يومًا أمام قبر أستاذه مالك بن أنس، قال:
قد مات قومٌ وما ماتت مكارمهم ** وعاش قومٌ وهم في الناس أمواتُ
فما يُبقي الإنسان مرفوع الرأس ليس اللقب، بل الموقف، ولا الشهادة، بل الشهامة.
رابعًا: لا بد من أن تكون قناعتك أنت وشريكة حياتك بأن الحياة الزوجية شراكة، لا منافسة.
أما بالنسبة لتكاليف الزواج وتجهيز منزل الزوجية فشرعًا مكلف به الزوج، وثق أنها من الأمور التي تأتي بالبركة والخير على هذه الزيجة إن شاء الله تعالى، لكن لا بد من أن تتأكد بأن الطرف الآخر يُقدّر هذا، ويعلم أنه ليس التزامًا فقط ولكن منحة حبّ منك.
فلا داعي للتكاليف الباهظة والتعقيدات المادية التعجيزية للشباب المقبلين على الزواج ولا إمضاءات التخوين! فالثقة والتراحم هما ركيزتان لأي علاقة زوجية صحية.
وقد أثبتت دراسات متعددة أن lack of appreciation أو (عدم التقدير) هو من الأسباب الرئيسية لانهيار العلاقات طويلة الأمد، وأهمها وفي مقدمتها الزواج.
ولذلك هنا وجب الحديث مع الفتاة قبل الخطبة، وطبعًا هذا جائز شرعًا بوجود محرم لها، فمن الجيد أن تسعى إلى جلسة تعارف عائلية مفتوحة، تُلقي فيها أسئلة بسيطة، تكشف طريقة تفكيرها، ونظرتها لك، وللحياة، والعمل، والشراكة. وسوف تتعرف من خلال ردودها على شخصيتها وأيديولوجيتها ككل، لتستطيع بقدر الإمكان تحديد معالم عقلية زوجتك وأم أبنائك في المستقبل.
خامسا: أوصيك أولا وقبل كل شيء بصلاة الاستخارة، حتى يهدي الله تعالى قلبك لما فيه خيري الدنيا والأخرة لك.. ثم مشاورة العقلاء من أهل الدين والحكمة المحيطين بك.
* همسة أخيرة:
لا تتسرع في الحكم عليها من لقبها.
راقب سلوكها، لا مسمّاها.
تحدّث إليها إن أمكن، واطلب من أمك ملاحظة ردودها.
استخدم عقلك وقلبك معًا، ولا تُقدّم أحدهما على الآخر.
والله أسأل أن يرزقك زوجة صالحة، تقر بها عينك، وتطمئن بها نفسك، وتُعينك على الدين والدنيا والآخرة.