Consultation Image

الإستشارة
  • المستشار : أ. فتحي عبد الستار
  • القسم : إيمانية
  • التقييم :
  • عدد المشاهدات : eye 181
  • رقم الاستشارة : 1459
29/03/2025

أنا امرأة مسلمة، وأمٌّ لأطفال أحاول أن أزرع في قلوبهم القيم الإسلامية والمحبة للمسلمين في كل مكان. لكنني هذا العام أشعر بحزن عميق مع اقتراب عيد الفطر، لأنني أرى ما يحدث لإخواننا في غزة من قتل وتشريد وتجويع وترويع، وأشعر بعجز شديد أمام هذه المآسي.

كيف يمكن لي أن أعيش فرحة العيد وأسمح لنفسي بالاحتفال، بينما هناك أمهات فقدن أبناءهن وأطفال يعانون من الجوع والخوف؟

هذا الشعور يسيطر عليَّ إلى حد أنني بدأت أشعر بالاكتئاب، ولا أجد في نفسي رغبة في التزين أو تهنئة أحد أو الاستمتاع بأجواء العيد مع أسرتي.

فكيف يمكنني التوفيق بين مشاعر الحزن والتعاطف مع أهلنا في غزة، وبين حق أسرتي وأطفالي في الشعور بفرحة العيد؟

وهل الشعور بالفرح في مثل هذه الظروف يُعد جفاءً أو قسوةً؟ أرشدوني، جزاكم الله خيرًا.

الإجابة 29/03/2025

أختي الكريمة، مرحبًا بك، وأشكركِ جزيل الشكر على تواصلكِ معنا، وأسأل الله أن يجزيكِ خير الجزاء على مشاعركِ الصادقة وإحساسكِ النبيل تجاه إخواننا في غزة، وأن يكتب لكِ أجر التعاطف والرحمة، وأن يعوضكِ عن كل همٍّ سكينةً في قلبكِ ونورًا في دربكِ، وبعد...

 

فسؤالكِ يمسُّ وجدان كل مسلم ومسلمة يحملون في قلوبهم همَّ الأمة، ويشعرون بالألم لما يقع على إخواننا المستضعفين من ظلمٍ وعدوان. وهذا يدل على حياة قلبكِ، ويقظة إيمانكِ، فقد قال النبي ﷺ في أحاديث متفق على صحتها: «المُؤْمِنَ للمؤمنِ كالبُنْيانِ يشدُّ بَعضُهُ بعضًا»، وقال: «لَا يُؤْمِنُ أحَدُكُمْ، حتَّى يُحِبَّ لأخِيهِ ما يُحِبُّ لِنَفْسِهِ»، وقال: «مَثَلُ المُؤْمِنِينَ في تَوادِّهِمْ، وتَراحُمِهِمْ، وتَعاطُفِهِمْ مَثَلُ الجَسَدِ إذا اشْتَكَى منه عُضْوٌ تَداعَى له سائِرُ الجَسَدِ بالسَّهَرِ والْحُمَّى».

 

ولكن في الوقت نفسه، فإن الإسلام هو دين التوازن، فلا يُطلب منا أن نُغرق أنفسنا في الحزن حتى يُشلَّ تأثيرنا في الحياة، ولا أن نُطفئ فرحةً شرعها الله لنا. فكيف نعيش هذا التوازن في مثل هذه الظروف؟

 

أولًا- الحزن على حال المسلمين عبادة، لكن بضوابط

 

إن مشاعر الحزن والأسى التي تجتاحكِ هي في حقيقتها جزء من الإيمان، وهي استجابة طبيعية لما يحدث لإخواننا، فالمسلم يشعر بآلام الأمة وكأنها آلامه الخاصة. وقد بكى النبي ﷺ حزنًا على أمته وخوفًا عليهم أكثر من مرة، بل إنه في يوم بدر، وهو من أعظم أيام النصر، وقف يناجي ربه باكيًا ويهتف به، حتى قال له أبو بكر الصديق رضي الله عنه: «كَفَاكَ مُنَاشَدَتُكَ رَبَّكَ؛ فإنَّه سَيُنْجِزُ لكَ ما وَعَدَكَ» [رواه مسلم].

 

كما أنه ﷺ تلا آيات من القرآن، فَرَفَعَ يَدَيْهِ وقالَ: «اللَّهُمَّ أُمَّتي أُمَّتِي»، وبَكَى، فقالَ اللَّهُ عزَّ وجلَّ: يا جِبْرِيلُ اذْهَبْ إلى مُحَمَّدٍ، ورَبُّكَ أعْلَمُ، فَسَلْهُ ما يُبْكِيكَ؟ فأتاهُ جِبْرِيلُ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ، فَسَأَلَهُ فأخْبَرَهُ رَسولُ اللهِ ﷺ بما قالَ، وهو أعْلَمُ، فقالَ اللَّهُ: يا جِبْرِيلُ، اذْهَبْ إلى مُحَمَّدٍ، فَقُلْ: إنَّا سَنُرْضِيكَ في أُمَّتِكَ، ولا نَسُوءُكَ. [رواه مسلم].

 

لكن، رغم هذا الحزن العميق، لم يكن النبي ﷺ يتوقف عن أداء رسالته، ولم يكن يُطفئ نور الفرح في مواطن الفرح؛ لأن ذلك ليس منهج الإسلام.

 

الحزن مطلوب؛ لكنه لا يجب أن يتحول إلى اكتئاب يمنعك من القيام بدوركِ تجاه أسرتكِ، بل يجب أن يكون دافعًا للعمل والدعاء والبذل، بدلًا من الاستسلام.

 

ثانيًا- هل الفرح في العيد يُعدُّ جفاءً؟

 

قد تشعرين أن الاحتفال بالعيد في هذه الأوقات أشبه بالجفاء أو القسوة، لكن الحقيقة غير ذلك. الإسلام لا يريد منا أن نحمل الحزن على ظهورنا في كل لحظة، بل يريدنا أن نحافظ على فطرتنا السليمة، وأن نفرح بالمناسبات التي شرعها الله لنا، مع بقائنا على وعيٍ وتأثرٍ بحال أمتنا.

 

إن العيد في حد ذاته عبادة، وليس مجرد فرحة دنيوية، أو مناسبة اجتماعية، وهو يوم شكرٍ لله على إتمام الصيام، كما قال تعالى: ﴿وَلِتُكْمِلُوا ٱلْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا ٱللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَىٰكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ [البقرة: 185]. فكما أن الصيام طاعة، فإن الفرح في العيد طاعة أيضًا.

 

ولو تأملتِ سيرة النبي ﷺ، لوجدتِ أنه أقام شعائر العيد وفرِح بها، ودعا المسلمين للفرحة بها، حتى في أصعب الظروف.

 

كما يجب أن نراعي أن أطفالنا لا يدركون ما يجري في العالم كما ندركه نحن، ولو جعلناهم يعيشون أجواء الحزن الدائم، فسوف يتأثرون نفسيًّا، وربما يكبرون مع شعور باليأس بدلًا من الأمل. لذلك، فإن إدخال الفرحة عليهم في العيد يُعد صدقة وأجرًا، وهو تطبيق لقول النبي ﷺ: «أحبّ الأعمال إلى الله سرورٌ تُدخله على مسلم» [رواه الطبراني].

 

ثالثًا- كيف نوازن بين التعاطف والحزن وبين الفرح بالعيد؟

 

يمكنكِ الجمع بين مشاعركِ النبيلة تجاه أهلنا في غزة، وبين أداء واجبكِ تجاه نفسكِ وأسرتكِ من خلال عدة أمور:

 

1- استثمار العيد في التضامن مع غزة:

 

بدلًا من أن تجعلي الحزن يمنعكِ من الفرح، اجعلي العيد فرصة لنشر الوعي بقضية أهل غزة، ومساعدتهم، عن طريق:

 

* تخصيص جزء من نفقة العيد للتبرع لهم.

 

* التحدث مع أطفالكِ عن معاناة إخوانهم بلُغة تناسب سنهم، دون أن يشعروا بالرعب أو العجز.

 

* إرسال رسائل دعم عبر المنصات المختلفة لمن يستطيعون إيصالها للأهالي هناك.

 

* استثمار التجمعات الأسرية والعائلية في متابعة أخبارهم والدعاء لهم.

 

2- التحدث مع من يشاركونكِ مشاعركِ:

 

أحيانًا يكون الحزن ثقيلًا عندما نواجهه وحدنا، لكن عندما نُشارك مشاعرنا مع من يفهمونها، فإن ذلك يخفف منها. يمكنكِ الحديث مع صديقاتكِ أو عائلتكِ عن مشاعركِ، لكن مع الحرص على أن يكون الحديث دافعًا للعمل وليس سببًا للإحباط.

 

رابعًا- العيد رسالة أمل وليس مجرد فرحة عابرة

 

تذكري -أختي الكريمة- أن الفرح بالعيد لا يعني نسيان آلام الأمة، بل هو رسالة أمل وسط الأزمات، وشعلة نور في وسط الظلام. في غزة نفسها، رغم كل الألم، لا يزال الأطفال يبتسمون، لا يزالون يحاولون الاحتفال ولو بالقليل. فكيف نحرم أطفالنا من فرحة شرعها الله، بينما أهل غزة أنفسهم يتمسكون بالأمل رغم المعاناة؟

 

إن فرحكِ في العيد ليس خيانةً لهم، بل هو شكرٌ لله، واستمرارٌ في الحياة التي استخلفنا الله فيها.

 

وإن العيد هو يوم نُظهر فيه أن الأمة لا تموت، وأننا مستمرون في السعي والتضامن والدعاء حتى يأتي نصر الله.

 

وختامًا -أختي الفاضلة- أسأل الله أن يشرح صدركِ، وأن يجبر خاطركِ، وأن يجعل هذا العيد عيد خيرٍ وبركةٍ عليكِ وعلى أسرتكِ، وأن ينصر أهلنا في غزة، ويرفع عنهم البلاء، ويجعل لكِ أجر المجاهدين بصدق مشاعركِ، اللهم آمين.

الرابط المختصر :