<p>هل العنصرية سلوك خاطئ أم أن هناك أفكارًا ورؤى فلسفية تقف وراء تلك العنصرية تنظر باحتقار إلى البشر وتصنفهم على درجات في البشرية؟</p>
تخبرنا الشواهد التاريخية أن التعصب يغلف مقولاته من خلال إيمانه بالأساطير؛ فالأسطورة تلعب دورًا مهمًّا في العقل بخلقها مسافة بين الجاني والضحية، لذلك كانت الحرب غاية للمتعصبين لاعتقادهم الجازم أن التعصب ثم العنف هما أفضل وسيلة للدفاع عن المعتقد، وتكمن أهمية التعصب أنه عامل مهم للغاية في بناء الهوية تجاه الآخر المختلف.
وللتعصب وجهان:
أولهما: الإيمان الكامل بصحة المعتقد.
وثانيهما: الاستعداد لاضطهاد المخالفين وممارسة العنف بشتى صوره ضدهم.
تقسيم البشر
وتعد العنصرية أحد الروافد المهمة التي يستمد منها المتعصبون مواقفهم وآراءهم وعنفهم ضد الآخرين، والعنصرية لها جذور في الفلسفة القديمة في تقسيم البشر إلى فئات وطبقات وأجناس، يتمتع بعضها بحق السيطرة على الآخرين، وإذا كانت العنصرية استندت، في الكثير من رؤاها الفلسفية قبل عصر التنوير الأوروبي، على الجوانب الدينية، فإنها مع التنوير الأوروبي وظّفت العلم الطبيعي لوضع الأسس لفلسفتها في تقسيم البشر إلى أجناس مختلفة الطبائع والسمات.
كانت تلك العنصرية هي البيئة التي نشأت عليها المركزية الأوروبية ثم الاستعمار الأوروبي، الذي انطلق يحمل تلك النظريات العنصرية التي تبرر الاستعمار الغربي تحت ستار "عبء الرجل الأبيض" في تمدين الأجناس الأخرى، ويمكن تعريف العنصرية بأنها الاعتقاد بأن مجموعة معينة من البشر هي أرفع وأرقى بشريًّا من مجموعات أخرى من البشر.
وقد لعب فلاسفة عصر التنوير الأوروبي دورًا في وضع الأساس الفسلفي للعنصرية من خلال اعتماد العرق كوسيلة لتصنيف البشر، على اعتبار أن العرق يرتبط بخصائص تميز مجموعة بشرية على غيرها من البشر اعتمادًا على الصفات البيولوجية، وكان من بين الفلاسفة الذين ظهرت في كتابتهم الآراء العنصرية "جون لوك" "و"إميل كانط" و"جان جاك روسو"، و"هيجل" الذي رأى أن السود والشعوب الأصلية غارقون في حالة من السذاجة والوحشية وأن الواجب استعمارهم لإدخالهم لدائرة الحضارة والتنوير.
لكــــن القرن الثامن عشر كان حاسمًا في تكوين الأفكار العنصرية، فالتحولات الاجتماعية في أوروبا أنتجت تلك الأفكار العنصرية، التي كانت من أهم الأسس للحركة الاستعمارية التي اجتاحت العالم، فقد سعى البعض لإضفاء العلمية على العنصرية، فظهر مصطلح "أصناف البشر" للتمييز بين البشر، ونجد مثلا المفكر الألماني "إميل كانط" ركّز على لون البشرة كأساس للتصنيف، وربط الخصائص العرقية بلون البشرة، ورأى أن الأوروبيين هم الأكثر قدرة على العمل الجاد وتحسين الذات، في حين اعتبر أن الأعراق الموجودة بالقرب من خط الاستواء كسولة.
وقد صنّف "كانط" الأجناس البشرية إلى أربعة أصناف متباينة في سلم انحداري من حيث القدرة والقدر، يحتل فيه أصحاب البشرة البيضاء قمة الهرم في التفوق والذكاء، باعتبارهم الأكثر ذكاءً وفاعلية ومقدرة على بناء الحضارات، ثم يأتي أصحاب اللون الأصفر في الدرجة الثانية، ويأتي أصحاب البشرة السوداء في الدرجة الثالثة، وفي الأسفل الهنود الحمر الذين صنفهم على أنهم أسوأ الأجناس وأقلهم تطورًا وذكاءً.
ومن نصوصه العنصرية ضد السود قوله في كتابه "ملاحظات" الصادر عام 1764م: "إن زنوج إفريقيا لا يثيرون في النفس الإنسانية أيًّا من المشاعر الراقية، وهذا يجعل التخلص منهم أمرًا لا تهتز له المشاعر الإنسانية، ومن ثم لا يمكن تجريم ما يفعله المستعمر الأوروبي في إفريقيا... ويجب جلدهم (أي السود) باستخدام عصا البامبو أفضل من السوط، حتى يعاني الزنجي آلامًا مضاعفة؛ فجلد الزنوج سميك ولن تضنيه ضربات السوط الخفيفة، والحرص واجب في حال استخدام البامبو حتى لا يموت".
ويقول أيضًا:" إنني ميال إلى الظن بأن الزنوج متدنون بشكل طبيعي عن البيض، فنادرًا ما سمعنا عن أمة متحضرة تنتمي لهذه البشرة، ولا أي فرد بارز في نطاق الفعل والتأمل العقلي، وليس ثمة صناع مبدعون بينهم، ولا فنون ولا علوم".
وقد سبقه الفيلسوف الأسكتلندي ديفيد هيوم في الآراء العنصرية والذي لم يكن يعتبر السود بشرًا من الأساس، ومن ثم ظهرت الكثير من الآراء والنظريات التي تزعم دونية الإنسان غير الأوروبي، فالفيلسوف والطبيب الفرنسي "فرانسو برنييه" قد عام 1684م هو أول من استخدم العرق لتصنيف البشر إلى فئات مختلفة، ونجد الفيلسوف الفرنسي "جوزيف آرثر دو غوبينو" المتوفى في (1882) وضع الأسس العلمية للعنصرية حيث نشر أربعة مجلدات عن عدم المساواة بين البشر، مؤكدًا على تفوق العرق الآري، وهي النظرية التي اعتمدت عليها النازية الألمانية بعد ذلك...
والحقيقة أن العنصرية لها الكثير من الجذور في الفلسفة الغربية، وتلك لمحة عن مساهمات بعض من الفلاسفة الغربيين في ذلك المجال.