من أحببته خذلني.. كيف أتجاوز الألم؟!

<p>دكتورة أنا مخنوقة ونفسي أتكلم وأحكي وكمان أعرف أنا صح ولا غلط؟ بعد ما استنيته سنتين، بيقولي: &quot;مش هقدر أخطبِك، أنا بحبِك وعلى بالي على طول، بس معيش فلوس تخليني أخطبِك.&quot; قلت له: &quot;إنت كنت عامل جمعية، راحت فين؟&quot; قال لي: &quot;ادّيتها لأمي&quot;، وقال لي: &quot;مش هقدر أخطبِك، بس أنا عاوز أشوفِك، نخرج، وهجبِلك لبس العيد، وأمشي&quot; وهو من محافظة تانية. قمت ما ردّيتش عليه وعملت له بلوك. مع العلم إني بحبّه أوووي، لكني مخنوقة من كلامه، ومش قادرة أتخطّى الألم.</p>

ابنتي العزيزة،

 

أشعر تمامًا بحجم الألم الذي تمرّين به؛ فالتعلق العاطفي بشخص ما لفترة طويلة، ثم التعرض لخذلان غير متوقع، من أصعب المشاعر التي قد تواجهها النفس البشرية.

 

ولكن دعينا نحلل الموقف بعقلانية لنفهم معًا مواضع الخطأ والصواب في هذه العلاقة، ونضع أساسًا صحيحًا للتعافي وتجاوز الألم.

 

أولًا: هل كنتِ على صواب في الارتباط بهذا الشخص؟!

 

من البداية أنت قطعا أخطأتِ حين استجبتِ لإقامة علاقة معه، بداية من الحديث والإعجاب ثم ترك قلبك معه للعنان بدون لجام أو عقل يؤكد عليك أن الفكرة برمتها شرعًا واجتماعيًّا ونفسيًّا خطأ، وما يُبنى على خطأ فغالبًا تكون نتائجه سلبية وغير مُرضية، وهذا في عموم فكرة الارتباط غير الرسمي بين الجنسين.

 

أما بالنسبة لهذا الشاب تحديدًا فمن الواضح أنه يفتقر إلى الاستعداد النفسي والنضج العقلي والعاطفي اللازمين للالتزام بعلاقة رسمية، فهو غير قادر على تحمل المسؤولية المالية أو الاجتماعية للخطبة من الأساس، ورغم ذلك، كان مستعدًا لإقامة علاقة غير رسمية بديلة عن الزواج، وهذا مؤشر سلبي على عدم الجدية.. وهنا أنت للأسف وقعتِ في عدة أخطاء أخرى:

 

الخطأ الأول: الارتباط العاطفي بشخص غير مستعد للزواج، مما يجعلكِ تعيشين في وهْم الحب بدلاً من السعي نحو علاقة قائمة على الواقع والمسؤولية.

 

الخطأ الثاني: تصديق وعود لم يكن لها أي ضمان حقيقي سوى مشاعركِ الشخصية تجاهه، وهذا يسمى في علم النفس "التفكير الرغبوي" أو (Wishful Thinking)، أي تصديق الأمور كما نرغب أن تكون، وليس كما هي في الحقيقة.

 

ثانيًا: تصرفاته فيما يخص موقفه المالي:

 

فأنتِ حين سألته عن الجمعية التي كان يدّخر فيها، أخبركِ أنه أعطاها لوالدته، وهذا سلوك قد يبدو في ظاهره برًّا بوالدته، لكنه في الحقيقة يشير إلى غياب التخطيط المالي، أو أنه مبرر حتى ينهي العلاقة معك أو محو فكرة الزواج من عقلك، وطبعًا كل هذا بعد أن راجع نفسه أو (واسمحي لي رغم قسوة التعبير) ملّ منك ومن علاقتكما.

 

فالإنسان الذي ينوي الزواج يجب أن يكون لديه القدرة على ترتيب أولوياته، ثم إن الزواج مسؤولية لا تقل أهمية عن بر الوالدين.

 

أما طلبه بأن تستمر العلاقة العاطفية رغم أنه غير قادر على الخطبة، فهذا تصرف يعكس الأنانية العاطفية (Emotional Selfishness)، أو لكي لا يلزم نفسه أمامك بمسؤولية خطبتك، فهو فقط يريد أن يستغلك أو يستفيد من وجودكِ في حياته دون أن يتحمل تبعات العلاقة الرسمية، لا سامحه الله هو وأمثاله ممن يتلاعبون بمشاعر بنات الناس، رغم أنني هنا لا أعفيك من اشتراكك معه في خطأ الارتباط به.

 

ثالثًا: بالنسبة لي فإن أهم قرار صائب أقدمتِ عليه، هو قراركِ بقطع العلاقة معه.. فقراركِ بعمل "بلوك" هو خطوة صحيحة تمامًا من الناحية النفسية والتربوية، وهو ما يُعرف في علم النفس بـ"قطع الاتصال الحاد" (No Contact Rule)، وهي استراتيجية تُستخدم للتعافي من العلاقات السامة.

 

قال رسول الله ﷺ: "المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كلٍّ خير، احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز". هذا الحديث يوجهنا إلى أن الإنسان يجب أن يكون قويًّا في اتخاذ قراراته، وألا يكون ضعيفًا أمام مشاعره حين تتعارض مع مصلحته الحقيقية.

 

وبتصرفك هذا، قد ظهرت قوتك في قدرتك على الابتعاد عن هذا الشخص المؤذي المستغل، الذي إن وضعت أخته أو ابنته في نفس الموقف فحتمًا لن يرضى لها ذلك أبدًا، وسوف يحاسبه الله تعالى على ما فعله، والله أعلم.

 

ابنتي.. قد يكون في قلبكِ حب له، لكن الحب ليس مبررًا للتمسك بشخص لا يستطيع تقديم حياة كريمة لكِ، ولا سمعة طيبة لك ولأهلك، أنت أيضًا متحملة لمسؤوليتها أمام الله ثم أمام المجتمع والتي أتمنى أن تدركي كيف تحفظينها !فالحب وحده لا يكفي، بل لا بد أن يكون مقرونًا بالمسؤولية والالتزام وما لا يتنافى مع شرع الله تعالى.

 

وكما قال الإمام الشافعي:

 

إذا المرء لا يرعاك إلا تكلفًا ** فدعه ولا تكثر عليه التأسفا

 

فهو شخص لا يستحقك ولا يدرك مكانتك، فلا تبكي ولا تأسفي عليه.

 

رابعًا: إليك يا ابنتي تلك النصائح التي قد تساعدك في أن تتخطي هذا الشعور السيئ:

 

1- عليك بما يعرف: بإعادة برمجة الأفكار أو (Cognitive Restructuring)، أي من الضرورى أن تذكّري نفسكِ بأن فقدان هذه العلاقة ليس خسارة، بل حماية من علاقة غير صحية سواء نفسيًّا أو بدنيًّا أو اجتماعيًّا.

 

2- عليك بملء وقتكِ بأنشطة مفيدة.. مارسي الهوايات، وركّزي على تطوير ذاتكِ في مجالات تهمّكِ.

 

3- كذلك والأهم هو التقرب من الله عز وجل.. اشغلي قلبكِ بالقرآن الكريم والدعاء، وتذكري قول الله تعالى: {وعسى أن تكرهوا شيئًا وهو خير لكم}.

 

4- قومي بتعزيز ثقتكِ بنفسكِ (Self-Esteem Enhancement) اعلمي أنكِ تستحقين رجلاً يقدركِ ويكون قادرًا على تحمل مسؤولية الزواج منك، لا شخصًا يبحث عن علاقة عاطفية بلا التزام ولا أخلاق.

 

* وهمسة أخير لابنتي:

 

أنتِ الآن في مرحلة "الفطام العاطفي" (Emotional Detachment)، وهو شعور مؤلم لكنه ضروري لتستعيدي حياتكِ بثقة وقوة.

 

تعلمي ألا تسمحي لمشاعركِ أن تتحكم بقراراتكِ، فالزواج ليس مجرد حب، بل مسؤولية وشراكة تبنى على أسس متينة من الاستعداد والالتزام ورضا الله عز وجل أولا وأخيرًا.

 

ثم ثقي بأن الله سيعوضكِ خيرًا، وتذكري قول الشاعر أبي تمام:

 

قد يُنعم الله بالبلوى وإن عظمت ** ويبتلي الله بعض القوم بالنعمِ

 

أسأل الله لك الهداية والاطمئنان والستر، وأن يحفظك من شر كل ذي شر.