<p>السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، جزاكم الله خيرًا على وقتكم<span dir="LTR">.</span></p> <p>أكتب إليكم وأنا في حاجة إلى توجيهكم في التعامل مع ابني أحمد، الذي يعاني من ضعف في تقدير ذاته بسبب النظرة السلبية التي يعكسها المحيطون به، خاصة أنا ووالدته<span dir="LTR">.</span></p> <p>أحمد طفل لا يتجاوز العاشرة من عمره، وقد وُصف في المدرسة والعائلة بـ"المشاغب"، "العدواني"، و"الفاشل دراسيًا"، مما جعله يعتقد أنه غير قادر على النجاح أو إتمام أي أمر<span dir="LTR">.</span></p> <p>لقد حاولت كثيرًا أن أوجهه وأحثه على تحسين سلوكه، لكنه غالبًا ما يهرب من نظراتي، ويعبر عن شعوره بالعجز وكأنه لا يملك القدرة على التغيير<span dir="LTR">.</span></p> <p>دائمًا ما يحضرني في ذهني تلك القصة التي قرأت عنها عن قبيلة الكاميرون، التي لا تعاقب المخطئين بل تذكرهم بإنجازاتهم وصفاتهم الجيدة، فهل يمكن تطبيق هذه الفكرة مع ابني؟</p> <p>لقد قمت بالفعل بتغيير طريقة تفاعلي مع أحمد، حيث حاولت التركيز على إيجابياته الصغيرة، مثل مساعدته لأصدقائه أو قيامه ببعض الأعمال المنزلية، لكنني أشعر أنه من المبكر الحكم على نجاح هذه الطريقة.</p> <p>سؤالي: هل يمكن أن يكون تأثير الكلمات التي قلتها أنا ووالدته على تقدير الذات أثرا كبيرًا كما في حالة ابني أحمد؟ وهل يجب أن أستمر في هذا النهج الإيجابي؟ وهل هناك حلول أخرى؟</p>
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته،
شكر الله لك حرصك واهتمامك، وبارك لك في ولدك أحمد، وجعل سعيك في ميزان حسناتك.
أقدّر مشاعرك كأب، وأثمّن وعيك الذاتي العميق بالتأثير الذي قد يصدر عن الوالدين على الطفل، لا سيما فيما يخص تقديره لذاته، وهو عنصر نفسي جوهري في تشكيل شخصية الطفل ومفهومه عن نفسه.
إن إدراكك لأثر كلماتكم عليه، وسعيك لتغيير طريقة التفاعل، هو أولى خطوات الإصلاح الحقيقي، وهو ما يبشّر بخير كثير بإذن الله تعالى.
أولًا: نعم، للكلمات وقعٌ عظيم وأثرٌ بالغ في تشكيل تقدير الطفل لذاته
فالكلمة إما أن تكون "بانية" أو "هادمة"، لا سيما إن جاءت من الوالدين، اللذين يمثلان المصدر الأول للأمان والتوجيه في حياة الطفل.
عندما تتكرر على مسامع الطفل عبارات مثل: "أنت مشاغب"، "فاشل"، "لن تنجح"، فإن هذه الرسائل تتحول تدريجيًّا إلى ما يعرف في علم النفس التربوي بـ"الرسائل الداخلية السلبية" أو الـ(Negative Internal Messages)، وهي تلك العبارات التي يعيد الطفل ترديدها داخليًّا عن نفسه، حتى يصدّقها، فتنخفض دافعيته وتضعف ثقته بقدراته. فالكلمة الطيبة ليست فقط صدقة، بل هي بناءٌ وتوجيه وتربية.
ثانيًا: نهجك الجديد في التركيز على الإيجابيات هو الخطوة الصحيحة
ما تقوم به حاليًا من تسليط الضوء على الإيجابيات الصغيرة، هو ما يسمى في علم النفس التربوي بـ"التعزيز الإيجابي"(Positive Reinforcement)، وهو من أقوى الأساليب في تعديل السلوك وغرس الثقة.
فكل مرة تُشيد فيها بموقف إيجابي، فإنك تغرس بذرة جديدة من تقدير الذات الصحي في نفس أحمد.
ولعل ما أشرت إليه من قصة قبيلة الكاميرون يعبّر عن أسلوب يُعرف بـStrength-Based Approach، أي التركيز على نقاط القوة بدلاً من السلبيات، وهو أسلوب معتمد في كثير من مدارس العلاج النفسي التربوي الحديثة.
ثالثًا: نأتي لشعور أحمد بأنه لا يستطيع التغيير.. فلماذا؟
لأن من الممكن أن يكون أحمد يعاني مما يُعرف بـ"العجز المتعلم" (Learned Helplessness)؛ وهو نمط نفسي ينشأ عندما يمر الطفل بتجارب فشل متكررة، أو يسمع نقدًا لاذعًا بلا أمل، فيبدأ يعتقد أن جهوده لا تُجدي، وأن التغيير خارج قدراته.
لكن الجميل في هذه المرحلة العمرية أن الدماغ لا يزال مرنًا وسهل التشكيل، مما يجعل التدخل التربوي والنفسي المبكر مؤثرًا وفعّالًا بإذن الله تعالى.
رابعًا: نعم، استمر على هذا النهج، مع بعض الإضافات المقترحة:
1- التقبل غير المشروط:
فلا تجعل حبك وثناءك مشروطًا بتحقيق نجاح أو تخلّي عن سلوك، بل عبّر عن حبك دائمًا بعبارات مثل: "أنا أحبك مهما حدث"، "أنت مهم بالنسبة لي".
2- خلق المساحة الآمنة للتعبير:
خصّص وقتًا يوميًّا للحديث معه دون لوم، دعه يتحدث عمّا يحب، واصغِ إليه بكل حواسك، فذلك يُشعره بقيمته.
3- التوجيه اللطيف بدلًا من الانتقاد:
بدلاً من قول "أنت عدواني"، يمكن أن نقول: "أشعر أنك تغضب بسرعة، كيف أساعدك كي تعبّر بطريقة أفضل؟" هذا يسمى "التوجيه بالحلول" (Solution-Focused Communication).
4- من المهم أيضًا التشجيع على الإنجازات الصغيرة:
اجعل له "مفكرة إنجازات"، يدوّن فيها كل ما أنجزه مهما بدا بسيطًا، فهذا يعزز ما يُعرف بـ"الإحساس بالكفاءة الذاتية" أو (Sense of Competence).
5- إياكم والمقارنة.. فالمقارنة تكون بنفسه فقط، لا بغيره:
مثلا، قارن أداءه الحالي بأدائه السابق، وليس بأداء إخوته أو زملائه، فهذا يعزز نموه الذاتي الداخلي.
عزيزي الأب السائل،
تأمل كيف كان النبي صلى الله عليه وسلم يُربي الأطفال والناشئة؟
يضع يده على كتف الطفل ويكلمه بود: "يا غلام، إني أعلّمك كلمات..."
وفي موقف آخر يدعو: "اللهم فقهه في الدين، وعلّمه التأويل". (في دعائه لابن عباس)، فلم يُعنّف، ولم يُحقّر، بل دعا له، وبشّره، وهذا أعمق أثرًا من أي نقد.
* همسة أخيرة للأب الفاضل:
طفلك يا أخي الكريم ليس مشاغبًا، بل هو باحث عن اهتمام بطريقة لا يعرف غيرها. هو ليس فاشلًا، بل لم يُمنح بعد الفرصة ليرى نفسه كما يجب.
امنحه عينًا ترى الجمال فيه ويراه في نفسه من خلالها، ولسانًا يثني عليه، ويدًا ترفق به، وسترى كيف يُزهر من جديد إن شاء الله تعالى.
{وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا} لأن الحسن في القول، يُنتج الحسن في النفوس، ويُعيد بناء الإنسان.
أنا هنا دائمًا أخت لكم لأي دعم تحتاجونه، وفقك الله وبارك لك في ولدك.