<p>دكتورتنا الغالية، بتمنى تسمعيني بقلبك لأني حابة أشاركك شيء من أعماق قلبي وأخذ نصيحتك فيه. أنا زوجة أولى، تزوجت من عمري ١٤ سنة، ربيت ٩ أولاد وبنات، ووقفت مع زوجي في كل الظروف، حتى لما خسر كل شي، بعت ذهبي كله، ما خليت إلا محبسي علشان أوقفه من جديد، وفعلاً الله عوّضنا وعشنا بخير وسعادة، وسافرنا وعيشنا زوجي أيام حلوة<span dir="LTR">.</span></p> <p>لكن بعد سنين طويلة، وانأ حاسة إن الدنيا استقرت، اكتشفت فجأة إنه كان متزوج من امرأة ثانية من زمان، وعنده منها بنتين. كانت صدمة عمري. انكسرت من جوّا، ما كنت أتوقع، ولا حتى شكيت، لأن كان يخفي كل شيء تمامًا. كان عذره وقتها إنه تزوجها بظرف خاص، وإنه ما حب يزعجني، وكان ناوي يخبرني "بطريقته"، وقال لي بالحرف: "أنتِ الأساس، وأنا شايف إنك تقدري تكملي حياتك من غير ما تحسين بوجود غيرك"، ومن هالكلام اللي هداني شوي وأقنعني أهدأ<span dir="LTR">.</span></p> <p>لكن يوم كبرت المشكلة، أجا أبو زوجي وقال لي: "يا تعيشي معاه كزوجة وتكملي حياتك، يا تتركي البيت وتمشي و الأولاد وهون حسّيت إن ما في خيار ثاني، ورجعت عشان أولادي اللي تأثروا جدًا من ردة فعلي ومشاكلي مع أبوهم. مع الأيام، صار زوجي يعدل بيننا، وأولادي حبّوا أخواتهم البنات من زوجته الثانية، وصارت العلاقة بيننا أهدأ. حتى حماتي، لما كبرت وتعبت، صارت هي (الزوجة الثانية) تساعدها وتخدمها، وبحكم إنها أصغر مني وأقوى، كانت تروح تعتني بعمّي لما مرض<span dir="LTR">.</span></p> <p>ومع كل هذا، ما كنت ناسيت اللي صار، وكنت أدعي على المرأة الثانية، أدعي بحرقة ليل ونهار، وكنت أقول إنها خطفت زوجي وحرمتني من راحتي، لكن سبحان الله، الدنيا دوارة، واليوم هي مريضة بسرطان، وبناتها عندي، وأنا اللي أساعدهم وأدعو لها، وهي دايمًا تقول: "ما لي بعد الله غيركم"، وقلبي رقّ لها، وحسيت إني يمكن ظلمتها بدعائي، لأني لما عرفتها عن قرب، شفت فيها إنسانة فاضلة وطيبة وما كانت ناوية تأذيني<span dir="LTR">.</span></p> <p>عندي سؤال ما بروح من بالي السؤال هل اللي سويته وقتها من صدمة وقهر كان طبيعي؟ وهل دعائي اللي استُجيب، وأنا أشوفها مريضة اليوم، يُعتبر ظلم مني؟ وإذا ما كانت هي ظالمة فعلاً، ليش استُجيب دعائي ؟ هل الله استجاب لي من حرقة قلبي وهل اللي سويته الآن، من تسامح وتقبل ورحمة، يُعتبر كفارة وتعويض، حتى ما يرجع الدعاء علي لأني صراحة بالغت وتعديت بالدعاء أنا اليوم ما عندي حقد، بس عندي تساؤلات كثيرة وودي أسمع رأيك الصادق، يمكن أرتاح، ويمكن كلامك يكون نور لطريق غيري عندهم نفس تجربتي.</p> <p>أم علي.</p>
أختي الكريمة أم علي، أهلاً وسهلاً ومرحبًا بك على صفحة البوابة الإلكترونية للاستشارات الخاصة بمجلة المجتمع..
سبحان الله قصتك الواقعية هذه أكبر نموذج على أن هذه الحياة ليس فيها قوالب ثابتة نصب فيها التجارب الإنسانية، فما بين الأمس واليوم تغيرت المواقف وتغيرت المشاعر والعواطف وتغيرت الأفكار وتلاشت الحدود بين الظالم والمظلوم، أو بين ما كان يهيأ إلينا كظالم ومظلوم.
ولست أدري هل أبدأ حديثي معك مما حدث في الماضي أم نتحدث عن اللحظة الراهنة وآفاق المستقبل الخاص بعائلتك.. لكن دعينا نبدأ بالماضي علّه يمثل شعاع ضوء لكل زوجة وضعها القدر في نفس الزاوية التي كنت فيها يومًا.
التضحية الذكية
السؤال المركزي هنا عندما تضحي الزوجة وتبذل وتعطي ما هو الشيء الذي تنتظره في مقابل هذه التضحيات؟ هناك احتمالان لا ثالث لهما:
الاحتمال الأول: أن تنتظر أن يحفظ زوجها هذه التضحيات ويمتن لها ولا يؤلمها بأي شكل.. ولا شك أنها ترى في زواج زوجها من أخرى أكبر صور الألم وهو ما حدث معك حيث كان ذلك الألم الحارق بداية لكل ما حدث بعد ذلك.
الاحتمال الثاني: أن المرأة عندما تُقدم على العطاء أو تُقدم على تضحية فهي لا تنتظر جزاء إلا من رب العالمين الذي يعلم ما في القلوب، وهو الشاهد على كل ما يحدث وهو من يجازي على ذرة الخير والشر، وهو مقام ليس سهلاً بالتأكيد، فجرت عادة الإنسان أن ينتظر الجزاء ممن قدّم إليه إحسانا، أما الأبرار فلهم منطق مختلف فهم لا ينتظرون الجزاء من الناس بل من رب الناس {وَيُطْعِمُونَ ٱلطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِۦ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ ٱللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَآءً وَلَا شُكُورًا * إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا}.
لذلك دائما ما نوصي الزوجات ألا ينتظرن مقابلاً لما يقدمن من عطاء، وألا يقدمن من العطاء إلا ما تسمح به قدراتهن الإنسانية، فلا يكلف الله نفسًا إلا وسعها.
وقد يقوم الإنسان بتقديم عطاء لا ينتظر عليه جزاء أو شكر، وعلى الرغم من ذلك يتلقى عليه الشكر، بل إن النبي صلى الله عليه وسلم حث على تقديم الشكر لمن قدم إلينا إحسانًا، حتى أنه ربط بين شكر الناس على المعروف وشكر الله تعالى حيث قال: "من لا يشكر الناس لا يشكر الله"، وفي حديث آخر يقول: "من صنع إليكم معروفًا فكافئوه، فإن لم تجدوا ما تكافئوه؛ فادعوا له حتى تروا أنكم قد كافأتموه".
والحقيقة أن زوجك شكرك قدر ما يستطيع، فتعامل معك معاملة راقية وكان كريمًا معك وجعلك تعيشين في حالة من السعادة، حتى أنه عندما تزوج كان حريصًا أشد الحرص ألا تعلمي رغم أن هذا هو حقه من الناحية الشرعية، لكنه كان يعلم أنه سيؤلمك لذلك أخفاه عليك بطريقة بالغة الإتقان.. حتى عندما علمت بذل جهده كله أن يسترضيك وأن يوضح لك أنك الأساس لديه، وبعض الرجال يستخدمون أساليب حادة وتفتقر لأي لباقة في مثل هذه المواقف الحساسة، فهو إذن كان يعرف قدر ما قدمت له وحاول أن يكون عطاؤه مساويًا لذلك.
أما زواجه فبالتأكيد كان له أسبابه التي لن ننشغل الآن بتحليلها، ويكفي أنه اختار سيدة تحكمين لها بعد هذه السنوات أنها فاضلة وأنها لم تسع لإيذائك يوما، وهذا يدفعنا لمناقشة علاقتك بهذه السيدة.
ظالمة أم مظلومة
هذه السيدة (الزوجة الثانية) لم تقترف إثمًا، لقد تزوجت زواجًا شرعيًّا، وأنت بعد أن اقتربت منها تأكدت أنها لم تكن تحمل لك نية سيئة ولم تسع لإيذائك ولم تسع نحو زوجك كي تخرب بيتك، فهي إذن لم تظلمك.
أما أنت فقدت أكثرت من الدعاء عليها حتى بعد استقرار حياتك، والدعاء بغير وجه حق لون من الاعتداء {ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ}، وهذا اللون من الدعاء لا يستجيب الله سبحانه وتعالى له مهما كان حارًّا وخارجًا من القلب "لا يزال يستجاب للعبد ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم"؛ فالدعاء على من لم يظلمك هو لون من الإثم الذي لا يستجيب الله له.
أما كونها أصيبت بهذا المرض الخطير فهذا قدرها والابتلاء سنة من سنن الله تعالى لا علاقة له بالظالم والمظلوم والمؤمن والكافر، بل إن {أشدُّ الناسِ بلاءً الأنبياءُ، ثمَّ الأمثلُ فالأمثلُ، يُبتلى الرجلُ على حسبِ دينِه، فإن كان في دينِه صلابةٌ زِيدَ في بلائِه، وإن كان في دينِه رِقَّةٌ خُفِّفَ عنه، ولا يزالُ البلاءُ بالعبدِ حتى يمشيَ على الأرضِ وما عليه خطيئةٌ"، أظن أن الحديث يجيب عن سؤالك لماذا ابتلاها الله بالمرض إذا لم تكن ظالمة واستجاب دعائي؟
لا أريدك أن تجلدي ذاتك لما حدث منك في الماضي من دعاء على هذه السيدة، فلقد كنت تحت تأثير الصدمة التي لم تتصوريها، وكان عقلك وقلبك وممتلئًا حتى آخره بثقافة الزوجة الثانية خرابة البيوت بغض النظر عن أي ملابسات، وبالتالي كان عقلك يوهمك أنها تسعى لخراب بيتك وأنها سبب سعادتك المنقوصة، وها وقد دار الزمان دورته وأدركت كم كانت سيدة فاضلة لم تسع لإيذائك أبدًا وكم قدمت من خدمات لوالد زوجك ووالدته.
ولا شك أن مشاعرك الطيبة نحوها هي خطوة إيجابية على الطريق الصحيح، ولكنها وحدها لا تكفي، بل اطلبي منها أن تسامحك (دون الخوض في تفاصيل دعائك عليها)، فغالبًا هي ستظن أنك تطلبين ذلك بسبب غيبة، وربما اغتبتها بالفعل، لذلك ستطلبين أن تسامحك دون تفاصيل، وثقي أنها ستسامحك من قلبها؛ فهي بالفعل طيبة كما أن وضعها الصحي سيدفعها للعفو عمن أساء إليها.
وبشكل عملي عليك أن تعوضي هذه المرأة في ابنتيها (بنات زوجك وأخوات ابنائك)، قولي لها هذا بشكل صريح: الله هو الشافي، وإن شاء الله سيشفيك شفاء لا يغادر سقمًا، وحتى يأذن الله بذلك فلا تقلقي على البنات فهن بناتي.
أختي الكريمة أم علي، أنت شخصية نبيلة حقًّا، وشخصية نبيلة مثلك تراجع مواقفها ستكون بالفعل أُمًّا لهاتين البنتين تمنحهما الحب والحنان، هذا ما أنا واثقة منه.. أسعد الله قلبك ورزقك بر أبنائك وأصلح ما بينك وبين زوجك، ولا تترددي في الكتابة مرة أخرى إن كان ثمة ما تريدين أن نتناقش حوله.