<p>السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، الدكتور الفاضل موسى المزيدي، أريد أن أعرف كيف يكتشف الإنسان ذاته ليكون متميزًا في حياته؟</p>
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، أهلاً ومرحبًا بك أخي الفاضل على موقع استشارات المجتمع، وبعد:
فما أكثر الحديث عن اكتشاف الذات من خلال المقالات وكتب التنمية البشرية والدورات التدريبة، وأصبح الكثير من الناس يهتمون بهذا المصطلح ويحبون التعرف عليه.
واكتشاف الذات معناه معرفة ما بداخلك، وفهم مشاعرك، والتعرف على شغفك، والوصول لمرحلة السلام الداخلي، والمضي قدمًا برحلة الحياة وأنت راضٍ عما تقوم به.
أخي الفاضل، سوف نتتناول الأمر بشكل جديد عن طريق حوار وسؤال وجواب، ونبدأ بالسؤال الآتي:
هل ذهب أحدكم إلى القطب المتجمد الشمالي أو الجنوبي؟
طبعا السؤال غريب. في أحد اللقاءات أجابني أحدهم بأنه ذهب إلى منطقة قريبة من القطب المتجمد الجنوبي. فسألته: ماذا رأيت هناك؟
حتمًا هناك ظواهر كثيرة، ولكن أهم ظاهرة فيها تُعرف بالجبل الجليدي. إنها ظاهرة عجيبة، ومنظر رائع خلاب. إن سنحت لأحدكم فرصة لزيارة القطب المتجمد الشمالي أو الجنوبي، فلا يفوت فرصة النظر إلى الجبل الجليدي المتجمد، المسمى باللغة الإنجليزية “iceberg”. من يذهب منكم إلى هناك يرَ أن جزءًا يسيرًا من الجبل الجليدي هو الذي يظهر فوق الماء، على حين أن معظم الجبل مخفي تحت سطح الماء.
هل منكم من يعلم النسبة الظاهرة من الجبل فوق سطح الماء نسبة إلى الحجم الكلي للجبل؟ هذه النسبة قدرها العلماء بـ 10%. وبمعنى آخر، إن ما يظهر فوق سطح الماء هو عشر الجبل الجليدي كله.
ولكن ما علاقة هذا الموضوع بالمرحلة الأولى "اكتشاف الذات"؟
يخبرنا رسول الله ﷺ بأن: "أعمار أمتي بين الستين والسبعين". فالإنسان على مدار ستين أو سبعين سنة يعيشها على الأرض، وإذا أمد الله في عمره إلى الثمانين أو التسعين، لا يستغل من القدرات الجبارة التي أودعها الله فيه إلا نسبة 10%، كما تشير إلى ذلك بعض الدراسات في علم النفس.
ولكم أن تتصوروا كيف أن الإنسان يستنفد فقط 10% من القدرات الكلية التي يتمتع بها، ويبقى 90% منها معطلاً، غير مستغل. ولكم أن تتخيلوا ما سيكون عليه أمر كل واحد منكم إذا عرف أنه لم يستغل من قدراته الكلية على مدار سني عمره سوى 10%. إن للإنسان قدرات كثيرة لا بد أن يتعرف إليها؛ حتى ينطلق بقوة نحو التميز.
ولنوضح الأمر أكثر دعونا نستعرض هاتين القصتين.
القصة الأولى: بائع البالونات
يحكى أن رجلا كان يبيع البالونات حتى يكسب لقمة عيشه. وكانت البالونات مختلفة في ألوانها، منها الأحمر ومنها الأزرق ومنها الأصفر ومنها الأخضر، وكان هذا الرجل ذكيا في شد انتباه الأطفال له، فحينما يقل بيعه يطلق أحد هذه البالونات في الهواء، بعد تعبئتها بغاز الهليوم الطيار، فيراها الأطفال من بعيد، فيسرعون إليه ليشتروا مزيدا من هذه البالونات، وهكذا كان يفعل طوال يومه.
وذات يوم شعر هذا الرجل بطفل يشد معطفه من الخلف، فالتفت إليه الرجل ليرى ما يريده هذا الطفل، فإذا بالطفل يسأل السؤال البريء التالي: "يا عم، أرأيت لو أطلقت بالونة لونها أسود فهل تطير في الهواء؟ إن هذا الطفل لم ير اللون الأسود من بين البالونات، فقد رأى ألوانا أخرى ولكن ليس من بينها الأسود. اهتم الرجل بسؤال الطفل، فالتفت إليه قائلا: "يا بني، إن الذي يجعل البالونة تطير ليس لونها، إنما الغاز الذي بداخلها".
هذه القصة استقيتها من أحد كتب الغرب التي تتحدث عن المهارات. ماذا نستفيد من هذه القصة؟ إننا ينبغي أن نحكم على الإنسان بما يحويه من مواقف ومبادئ ومهارات وقدرات ومعرفة وليس من ظاهره ولونه الخارجي، وهذا مصداق حديث الرسول صلى الله عليه وآله سلم: "إن الله لا ينظر إلى أجسادكم وصوركم وإنما ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم".
إنها طبيعة بشرية يعاني منها البشر وهي أننا نصدر أحكامنا على الآخرين بناء على من نراه من خلال مظهره الخارجي ولونه، وننسى جوهره، فالجوهر فيه مواقف ومبادئ ومهارات وقدرات ومعرفة عجيبة وهذه دعوة منا لسبر غور هذه القدرات ومضاعفتها، حتى نكون متميزين، قد تكون الفرصة سانحة بين أيديكم وقد تكون ذواتكم مملوءة بالقدرات وأنتم لا تعلمون، فلا تفرطوا فيها، لا تنظروا إلى القدرات الموجودة لدى غيركم قبل أن تتعرفوا إلى قدراتكم، فالله سبحانه وتعالى قد غرس فيكم قدرات عليكم أن تكتشفوها.
القصة الثانية: عالم الألماس
يحكى أنه كان هناك فلاح اسمه حافظ، يملك مزرعة في إحدى دول إفريقيا، وكان هذا الفلاح سعيدًا وقانعًا بعيشه، وذات يوم مر عليه رجل حكيم وأخبره عن عالم الألماس وأن الإنسان بقطعة واحدة من الألماس يستطيع أن يمتلك قرية كاملة.
لم يستطع حافظ المسكين أن ينام في تلك الليلة، وساورته أفكار كثيرة جعلته يشعر بعدم السعادة والقناعة بعيشه، فقرر في صبيحة اليوم التالي أن يبيع مزرعته ويرسل عائلته إلى أهلها، فانطلق حافظ في جميع أرجاء إفريقيا يبحث عن الألماس فلم يعثر عليه، ثم ارتحل إلى أوروبا من دون جدوى، حتى وصل إلى أسبانيا، فأصابه اليأس والإعياء والإفلاس، حتى قرر الانتحار، فانتحر المسكين.
أما المزرعة التي باعها في إفريقيا، فقد قام صاحبها الجديد بالاهتمام بها، وذات يوم وعلى حين كان يسقي مزرعته بالماء أبصر حجرًا صغيرًا لامعًا، يشع بريقه بقوة، فالتقطه وأخذه إلى منزله وجعله على إحدى موائده، وعلى حين هو على هذا الحال، فإذا بالرجل الحكيم نفسه يزوره، ويلتفت إلى هذا الحجر المشع ويسأله عن حافظ وأخباره، ويجيبه باستغراب: "لا أعلم عنه شيئا، ولكن لماذا تسألني عن حافظ؟"، فأجابه الرجل الحكيم: "إن هذا الحجر اللامع هو قطعة من الألماس، واكتشف الرجل أن مزرعته الجديدة تقع فوق جبل من الألماس. مسكين حافظ، بحث عن الألماس لدى الآخرين وكان قريبًا منه تحت رجليه.
إن الفرص قد تكون بين أيديكم، وقد تكون ذواتكم مملوءة بالقدرات، فلا تفرطوا فيها. لا تنظروا إلى حدائق غيركم قبل أن تسبروا حدائقكم.