الخاطب البخيل.. مؤشرات وأدلة

<p>السلام عليكم، أنا مخطوبة جديد في أول زيارتين خطيبي مدخلش بأي زيارة للبيت لكن جابلي هدية رمزية في كل مرة (ملحوظة: ربنا يعلم أننا مش منتظرين حاجة منه الحمد لله بس بتكلم في الذوقيات مش أكتر).. فهل دا عادي ولا ممكن يكون مؤشر للبخل أو قلة تقدير للبيت اللى داخله مع العلم بنعزمه على أحسن حاجة، وماما بتبقي عاوزة تقدمله عنيها والله فحابة أعرف وجهة نظركم في اللي قولته ولو فيه حاجة ممكن أخد بالى منها أو اعملها متترددوش تساعدوني فيها، لأن فيه حاجات غير مُلمة بيها وشكرًا مقدمًا.</p>

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، وأهلاً وسهلاً بك ابنتي الحبيبة على صفحة الاستشارات الإلكترونية الخاصة بمجلة المجتمع..

 

في البداية أبارك لك على الخطبة التي شرعت كمقدمة للزواج، وبالتالي هي فترة شديدة الأهمية ولو تم تقييمها بشكل سليم فإنها تجنبنا كثيرًا من المشكلات التي تحدث بعد الزواج.

 

ابنتي، نحن نريد تقييم هذا الخاطب بصورة موضوعية، فلا نلتمس له أعذارًا غير موجودة كما تفعل الفتيات عندما تتحرك عواطفها لتحكم على الأمر، وفي الوقت ذاته لا نتعسف في الحكم عليه بدافع الخوف والقلق من كثرة ما نسمع من مشكلات وتجارب سلبية؛ فدعينا نحلل مواقفه.

 

آفة البخل

 

 دعينا نتفق أن واحدة من أسوأ الصفات التي يمكن أن تكون في الرجل صفة البخل والشح، فهذا النوع من الرجال يجعلك تعيشين حالة من الحرمان حتى لو توفر المال ويحاسبك على أدق التفاصيل حيث تشعرين أن حياتك ضيقة حرجة، وكثيرًا ما يكون البخل المادي مرافقًا للبخل العاطفي والنفسي {وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَّهُم ۖ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَّهُمْ}؛ فالبخيل غير قادر على العطاء في شتى صور العطاء وعندما يُعطي يكون وفق حسابات معقدة يضمن بها أنه سيأخذ أكثر مما يعطي.

 

بينما كرم الرجل صفة من أجمل الصفات حتى أنها تُغطي على كثير من الهفوات الصغيرة.. بل إن صفة الكرم مرتبطة ارتباطًا عضويًّا بالرجولة حتى أن المهر ما هو إلا هدية واجبة، وعلى الرجل يقع واجب النفقة بكافة صورها مما يعني أن هناك علاقة وثيقة بين الرجولة والعطاء خاصة في الجانب المادي من العطاء.. والحقيقة أن العطاء في صورته المادية يحمل في طياته صورًا أخرى من العطاء، فقد تعني الهدية المادية "أنا أحبك"؛ لذلك قال النبي ﷺ: "تهادوا تحابوا"، والهدية لغة عالمية من لغات الحب.

 

انظري لحديث أم زرع الذي شبّه فيه النبي ﷺ نفسه بأبي زرع (غير أنه لن ينتهي به الأمر للطلاق).

 

أبو زرع رجل كريم قدّم لزوجته هدايا ذهبية واشترى لها الطعام الطيب وأعد لها في المنزل أدوات مريحة، وفي الوقت ذاته كان له منها ابن تعامل معه بنفس الآلية الكريمة، ليس هذا فحسب بل هو كريم عاطفيًّا ونفسيًّا فهو يمتدحها ويمنحها الثقة في نفسها، وهذا لون كبير من الدعم النفسي الذي تحتاجه المرأة بل ويمنحها الدعم العاطفي عندما يعبر لها أنها ملأت عليه سمعه وبصره فيشعرها ذلك بأنوثتها؛ لذلك فغالبًا ما يكون الكرم كحزمة مجمعة من الصفات الجميلة المادية والمعنوية.

 

ابنتي الغالية، من النضج أن تدركي أن هناك تدرجات كثيرة لكل من هاتين الصفتين، أي البخل والكرم.. إنه أمر يشبه بالتدريج من ١ إلى ١٠ مثلا، فهناك بخل جزئي وهناك بخل شامل.. هناك في القاع وليكن الرقم ١٠ بخيل يشبه اليهود في المخيلة العالمية.. رجل يصلح كبطل للنكات من شدة بخله، وهناك رقم ٥ رجل متوسط البخل.. يقال عنه الحريص وغالبًا هو يرى نفسه كريمًا لكنه يكره الإسراف، وهناك رقم ١ رجل لديه طيف البخل يظهر ذلك منه في مواقف محددة.. يفكر أكثر من مرة ويحسبها جيدًا قبل أن يعطي لكنه يُعطي ولكنه في عطائه دائما حدود.

 

نفس التدريج أيضًا مع صفة الكرم؛ ففي القمة رجل يعطي كالريح المرسلة وفي القاع رجل يعطي بحسابات محددة، بحيث تتشابك الدرجات الدنيا من الكرماء مع الدرجات الراقية من البخلاء فيصعب التمييز بينهما، وهكذا هي الأخلاق الإنسانية متشابكة نسبية، فما قد أراه كرمًا يراه آخرون إسرافًا، وما قد أراه بخلاً قد يراه آخرون اقتصادًا؛ فزاوية الرؤية تختلف بطريقة معقدة بحسب ثقافة الذي يقوم بالتقييم ومستوى المعيشة المعتاد بالنسبة له وفلسفته في الحياة، ويزداد التقييم صعوبة في المناطق الرمادية التي تتشابك فيها الأخلاق حيث يتشابك مثلا البخل مع الكرم.

 

اختبار البخل

 

ابنتي العزيزة، لو أردنا أن نُنزل كل هذا الكلام النظري على استشارتك حتى يمكننا أن نطمئن هل ما قام به خطيبك حتى الآن من سلوكيات مؤشرًا على البخل أم لا.. أقول لو أردنا الحكم فلا بد من وضع هذه السلوكيات تحت الملاحظة الموضوعية بعض الوقت، ويمكنك أن تختبري الأمر بعدة طرق منها:

 

* أن تطلبي من والدتك أن تتعامل معه ببساطة، فلا داعي للإسراف فيما يقدم له، وانظري لرد فعله هل سيتوقف عن الهدايا الرمزية التي يقدمها؟ هل سيعاتبك؟

 

* اسأليه أنك تريدين تقديم هدية لصديقة فما هي مقترحاته؟ وناقشيه فيما يقول.. اقترحي هدية غالية وانظري لتقييمه.

 

* أنت لم تشرحي شيئًا عن ظروفه المادية؛ لأن الكرم والبخل مرتبطان بحدود القدرة، فحاولي من خلال حوارك معه أن تعرفي ما هي قدراته المادية حتى لا تطالبيه بما يفوق قدراته؛ فالفقر ليس عارًا إنما البخل كذلك.

 

كوني صريحة مع نفسك، فإذا كانت ظروفه المادية متعسرة وأنت لن تتحمليها فخذي قرارًا، سواء بالاستمرار والتحمل إذا كان الرجل يستحق ذلك ولديه من الصفات الحلوة ما يدفعك للتحمل، أو بالابتعاد إذا كان الأمر فوق طاقتك، خاصة إذا لم يكن لديه من المميزات ما يعوض هذه المشكلة.

 

* أما إذا كانت ظروفه المادية ملائمة وعلى الرغم من ذلك لا يحب العطاء فيمكنك أن تتحدثي إليه بشكل غير مباشر مرة وبشكل صريح مرة أخرى، فيمكنك مثلا أن تحكي له بشكل عفوي عن صديقاتك اللاتي تمت خطبتهن ونوعية الهدايا اللاتي يحصلن عليها، فقد يدفعه ذلك إلى التنبه لسلوكياته أو لمناقشتك بشكل صريح في مخططاته المالية وفلسفته في التعامل مع المال، فقد يكون تركيزه على الانتهاء من تأسيس منزل الزوجية له الأولوية المطلقة، لذلك لم يهتم بقضية الهدايا هذه، فحاولي الإنصات لما يقدمه من مبررات وقومي بتقييمها.

 

أما إذا لم يبادر هو بالشرح والتوضيح فلا بديل عن مصارحته بما يضايقك مطالبة إياه بالتفسير.. كوني مهذبة في الطرح، رقيقة في انتقاء الكلمات، وأكدي عليه أنك لست مادية ولكنك شعرت بعدم التقدير، وانظري لرده ولسلوكياته بعد ذلك، ثم شاوري أسرتك وصلي صلاة استخارة ثم خذي قرارك.

 

أسعد الله قلبك وكتب لك الخير، وتابعيني بأخبارك.