<p>السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، دكتور، قد أودع الله الإنسان قدرات وملكات هائلة ليستطيع أن يعمر هذا الكون ويواجه العقبات والتحديات التي تمنع وصوله إلى هذه الغاية.. فكيف يكتشف هذه القدرات ويضاعفها؟</p>
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، أهلاً ومرحبًا بك أخي الفاضل على موقع استشارات المجتمع، وبعد:
فالإنسان لا بد أن يعلم أن الله أودعه ووضع فيه قدرات كبيرة وجبارة لكنها في انتظار من يفجرها ليكون متميزًا في هذه الحياة، والأمثلة كثيرة.
أخي الفاضل، دعني أخبرك، ونحن نتكلم ما زلنا في حرف الألف الأولى: "اطلع"، أنني قرأت كثيرًا عن قدرات العقل الجبارة في التذكر وفي تخزين المعلومات.
فمثلا يقول بعض العلماء: "إن هذه الذاكرة التي لدى الإنسان لها قدرة على التخزين تصل إلى 500 موسوعة بريطانية".
كم من الناس لديه الموسوعة البريطانية في المنزل؟
إنها معروفة باحتوائها على قرابة 30 مجلدًا، كل مجلد بحجم المصحف الشريف، وهذا يعني بأن هذا الدماغ الذي لدى الإنسان يستطيع أن يخزن ما مقداره 15 ألف مجلد، كل مجلد بحجم المصحف الشريف، أو كل مجلد بحجم أحد الكتب الصعبة التي يدرسها أبناؤنا الطلبة في الكليات الصعبة مثل الهندسة أو الطب.
ولنأخذ مثالا عن الطالب الذي يقضي 5 سنوات في كلية الهندسة، حيث لن يتجاوز عدد الكتب التي يدرسها عن 100 كتاب، وبالتالي فهو لم يستفد من قدرته على التخزين سوى أقل من 1%، ومع ذلك نسمع بعض الطلبة يشتكي من طول المناهج، أو من عدم القدرة على حفظ القرآن الكريم، عزيزي القارئ: إن الأمر سهل جدًّا إذا عرفت حدود القدرة الذهنية التي لديك.
كنت مرة في دورة تدريبية فإذا بسيدة توجه لي سؤالاً فتقول: "إن ابنتي ذات الأعوام السبعة والنصف ذكية ونشيطة، وتحب المدرسة، ولكنها تعاني من مشكلة، إذ إن ملكة الحفظ عندها ضعيفة جدًّا، فهي لا تستطيع الحفظ، وهي تنسى بسرعة، وهي تحاول أن تحفظ القرآن الكريم، لكنها لا تستطيع إلا بصعوبة فائقة، فما الحل؟
فأجبتها قائلا: إن الأمر هنا يتطلب أن تدرك هذه البنت القدرة العجيبة الموجودة في دماغها للحفظ، ثم بعد ذلك عليها أن تتعرف إلى عوامل تثبيت المعلومات في هذا الدماغ، وهناك عوامل كثيرة تعين على تثبيت الحفظ في الدماغ أحصاها بعضهم في 10 عوامل، أهمها دعاء الوالدين بتثبيت المعلومات في ذهن الطفل، ثم بعد ذلك البعد عن المعاصي نسبة إلى الكبار، حيث يقول الشافعي رحمه الله:
شكوت إلى وكيع سوء حفظي فأرشدني إلى ترك المعاصي
وأخبرني بأن العلم نور ونور الله لا يهدى لعاصي
أمران مهمان في تثبيت المعلومات في الذهن: الدعاء مع البعد عن المعاصي، ثم إن هناك عوامل أخرى مسجلة في أشرطة وكتب المهارات، يستطيع الإنسان من خلالها أن يثبت المعلومات، ويستفيد من قدراته العجيبة على التخزين والتذكر.
ما زلنا معًا -أخي الفاضل- في هذا الحرف، حرف الألف الأولى "اطلع"، وهنا يتبادر إلى الذهن سؤال مهم: هل يستطيع الإنسان مضاعفة قدراته؟ والإجابة هي نعم وبكل تأكيد.
الإنسان يستطيع مضاعفة قدراته إلى عشرة أضعاف القدرة الحالية، ويجب على كل واحد منا أن يثبت هذا المبدأ والمفهوم في ذهنه، وهو أنه مهيأ لزيادة قدراته إلى عشرة أضعاف القدرة الحالية، ما الدليل على ذلك؟
هناك آية قرآنية في سورة الأنفال نحفظها منذ الصغر، يقول الله تبارك وتعالى فيها: {إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ}، بعض المحققين يقول إن هذه الآية يستطيع الإنسان أن يطبقها قديمًا وحديثًا؛ فالواحد يغلب عشرة، وفي عرفنا الحالي، في الحروب وغيرها أن الواحد يغلب واحدًا، ولكن هذه الآية تدل على أن الإنسان يستطيع أن يغلب عشرة إذا عزم على ذلك وكان من الصابرين، إذًا إن قضية مضاعفة القدرات وزيادتها أمر ممكن.
علينا أن نرسخ هذا المعتقد في أذهاننا، ثم بعد ذلك نذهب إلى دليل آخر، وهو حديث نبوي عجيب: عن عبد الله بن عمرو عن النبي ﷺ أنه قال: "اقرؤوا القرآن في كل شهر"، فقال عبد الله بن عمرو: "يا نبي الله، إني أطيق أفضل من ذلك"، فأجاز له ﷺ أن يقرأه في كل عشرين يوما، فقال عبد الله بن عمرو: "يا نبي الله إني أطيق أكثر من ذلك"، "، فأجاز له ﷺ أن يقرأه في كل عشرة أيام، قال عبدا لله بن عمرو: "يا نبي الله، إني أطيق أكثر من ذلك"، فقال ﷺ: "فاقرأه في كل سبع ولا تزد عن ذلك".
وهناك حديث آخر يشير إلى أن الرسول ﷺ قال: "من قرأ القرآن في أقل من ثلاث لم يفقهه".
من هذين الحديثين نجد أن الإنسان في الأصل يقرأ القرآن كله في 30 يومًا، ولكن هناك إجازة من الرسول ﷺ للمسلمين بقراءة القرآن كله في ثلاثة أيام كحد أدنى، بمعنى آخر، يستطيع الإنسان أن يقرأ في اليوم 10 أجزاء من المصحف بدلاً من جزء واحد، وهذا يشير إلى أن الإنسان يستطيع أن يضاعف قدراته إلى 10 أضعاف القدرة الحالية في القراءة اليومية.
أخي الكريم، سأروي لك هذه الرواية، حديث عن الرسول ﷺ الذي يشير فيه إلى أن للإنسان قدرة عجيبة في حب المال بلا حدود، "لو أن لابن آدم واديًا من ذهب أحب أن يكون له واديان ولم يملأ فاه إلا التراب"، نحن نستطيع أن نتصور سعة النفس وقدراتها في حب المال، ونريد من كل واحد منكم أن يتصور أن القدرات الأخرى التي أودعها الله في نفس الإنسان كذلك كبيرة تشبه هذه القدرة في حب المال، وهذه طريقة في تقريب المفاهيم إلى الأذهان.
وقد قرأت في كتاب "آفاق بلا حدود" لكاتبه د. محمد التكريتي، هذه الفقرات الرائعة التي تبين قدرة الإنسان على السمع والبصر. هل تعلم أن الإنسان يستطيع أن يسمع دقات عقارب الساعة اليدوية من مسافة 7 أمتار؟ ثم هل تعلم أن الإنسان يستطيع أن يميز بعينه المجردة ضوء شمعة صغيرة من مسافة تصل إلى 45 كيلومترا في ليلة صافية؟
ثم هل تعلم أن الإنسان يستطيع أن يميز أي اختلاف في الوزن يصل إلى 20 جراما؟ وذلك إذا وضع وزنًا بيده اليمنى ووزنًا آخر بيده اليسرى، وإذا كان بين هذين الوزنين اختلاف مقداره 20 جرامًا فإنه يمكنه أن يميز هذا الاختلاف.
هناك قدرات عجيبة يتميز بها الإنسان، ونحن ندعو جميع الناس إلى التعرف إلى هذه القدرات وأن يدركها.
ويبقى السؤال الذي يسأله كثير من الناس: لماذا إذًا اختلاف القدرات عند الناس؟ إن مسألة الحصول على معدل 4.00 نقاط في السنوات الأربع الأخيرة في الثانوية، أي امتياز مع مرتبة الشرف، أمر لا يمكن تحقيقه لجميع الطلبة، فهناك اختلاف في القدرات بين الناس، وهذا صحيح، هناك اختلاف في الطبيعة البشرية من حيث قرارها في مضاعفة قدراتها، إن من بين كل مائة شخص، هناك شخصان أو ثلاثة فقط يتخذون هذا القرار، كما تشير بعض الدراسات الغربية إلى ذلك، أو هناك واحد أو أقل من واحد كما يشير إلى ذلك رسول الله ﷺ في حديث نبوي شريف: "إنما الناس كالإبل المائة، لا تكاد تجد فيها راحلة"، أي لا تكاد تجد شخصا واحدا يعتمد عليه في جميع الأحوال.
والأحاديث النبوية التي تشير إلى اختلاف الناس كثيرة، منها حديث أبي هريرة رضي الله عنه، عن رسول الله ﷺ: "الناس معادن كمعادن الذهب والفضة"، هذه الأحاديث تشير إلى أن الناس يختلفون، ولكن في نفس الوقت توجد مؤشرات أخرى من آيات وأحاديث تشير إلى أن الإنسان إذا أراد أن يتميز ويضاعف هذه القدرات فالباب مفتوح أمامه ويلزمه العزم والصبر.
يوجد قدرات عجيبة وهائلة يتميز بها الإنسان تحتاج منه أن يتعرف عليها ويكتشفها وأن يفجرها في الوقت والمكان المناسبين، فقط عليه أن يبدأ رحلة اكتشاف قدراته المكنونة...