<p>السلام عليكم دكتورة أميمة،</p> <p>أنا أم لولد عمره 19 سنة، بالسنة الأولى بالجامعة، ومو قادرة أتعامل معاه، تعبت نفسيًّا. ولدي ما يركز، دايم تشتت، حتى لو قعد يذاكر ساعات، ما يطلع بنتيجة، وتحصيله ضعيف، ولما يقرب وقت الامتحانات يتوتر ويرتبك وما يقدر يجاوب، كأنه ينسى كل شي ذاكره<span dir="LTR">!</span></p> <p>غير جذي، هو وايد مدمن ألعاب أونلاين واليوتيوب، ساعات يضيع وقته كله على السوشيال ميديا، وكل ما كلمته يقول لي: "بس شوي وأقوم"، أو "أنا أرتاح بهالطريقة"، بس للأسف حتى راحته ضيعتها عليه<span dir="LTR">.</span></p> <p>وأزيدك من الشعر بيت، ولدي ما يقول الصج وايد، حتى بالأمور الصغيرة، يكذب، أحس شخصيته ضعيفة، وما يقدر يواجه، دايم ينحاش من المسؤولية، وما عنده ثقة بنفسه، وكل شي يخاف منه<span dir="LTR">!</span></p> <p>أنا كأم قلبي يتقطع عليه، بس ما أدري شلون أساعده، ولا شلون أتعامل وياه، خصوصاً إن أبوه عصبي وما يسمع له، ودايم يصرخ عليه، وهذا الشي يزيد الطين بلة<span dir="LTR">.</span></p> <p>أبي نصيحتكم شلون أقدر أوقف معاه وأغير هالحال؟ تعبت نفسياً ومو عارفة الطريق الصح<span dir="LTR">.</span></p>
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته،
حيّاكِ الله يا أختي الحبيبة، وأعانكِ ورفع عنكِ، وأقرّ عينكِ بصلاح ولدكِ ونجاحه، وجعل ما تقدمينه في ميزان حسناتكِ.
أُقدّر كل مشاعركِ وهمومكِ كأمّ قلبها ممتلئ بالخوف والحرص على ابنها الذي تراه يضيع شيئًا فشيئًا، رغم محاولاتها الحثيثة لانتشاله.
أول ما أود طمأنتكِ به أن ما يمرّ به ولدكِ ليس حالة نادرة، بل هو نمط نراه متكررًا في مرحلة عمرية حسّاسة تُعرف في علم النفس التربوي بمرحلة "الانتقال من المراهقة إلى الرشد"، وهي مرحلة حرجة تتداخل فيها المشاعر، وتتضارب فيها الأهداف، وتكثر فيها الاضطرابات في الهوية الذاتية، ويكون الشاب فيها تائهًا بين الطفولة المتأخرة ومطالب الرجولة المبكرة، لا هو قادر على الحسم، ولا يجد من يفهم ارتباكه.
ولذلك فإن تشتيت الانتباه، واضطراب التركيز، والانغماس في الألعاب الإلكترونية ووسائل التواصل، جميعها مؤشرات لما يُعرف بـ "الإدمان السلوكي" Behavioral Addiction، والذي يصيب الدماغ بطريقة مشابهة لإدمان المواد الكيميائية -عافاكم وعافانا الله- إذ يُفرز هرمون الدوبامين نتيجة الانغماس الطويل في هذه المحفزات، فيفقد الدماغ القدرة على الاستجابة للمحفزات الطبيعية كالدراسة والإنجاز، ويُصاب الشاب بحالة من "اللامبالاة التحفيزية" أو ما يسمى Amotivational Syndrome.
كما أن الكذب المتكرر، والانسحاب من المواقف، والارتباك أمام الاختبارات، ربما تكون مؤشرات على "قلق الأداء" أو "انخفاض تقدير الذات" Low Self-Esteem، وهي كلها نتائج متراكمة لتجارب الإحباط والفشل، ولبيئة أسرية يغلب عليها التوتر أو النقد أو المقارنات.
* إذا ما العمل؟ وكيف الطريق؟
أختي الغالية، اسمحي لي أن أضع بين يديكِ خطةً نفسيةً وتربويةً واقعية، تتفق مع خصائص هذه المرحلة العمرية، وتوازن بين الحزم والرحمة:
1- ابدئي بالاحتواء لا بالمواجهة..
قال رسول الله ﷺ: "ما كان الرفق في شيءٍ إلا زانه، ولا نُزع من شيءٍ إلا شانه"...
ابنكِ بحاجة ماسّة لأن يشعر أنكِ تفهمينه، لا تحاكمينه. اقتربي منه بلا عتاب ولا توجيه مباشر، بل بصحبة لطيفة، واسأليه عن طموحه، ماذا يحب؟ ما الذي يشغله؟ دعيه يشعر أنكِ تُنصتين لا تُلقين دروسًا.
2- أعيدي بناء الثقة بينه وبين والده..
إن كان الأب دائم الصراخ أو التقليل من شأنه، فحاولي نقله من دائرة التهديد إلى دائرة الاحتواء. حدّثي والده على انفراد، واشرحي له أن الصراخ لا يُنتج إلا القلق المزمن أو "الانسحاب الاجتماعي" Social Withdrawal، وأن الابن الآن لا يقوى على اللوم، بل يحتاج إلى دفعة احترام ودعوة تحفيز.
3- قلّلي من زمن الشاشة بالتدرّج الذكي.. ولكن كيف لك ذلك في هذه السن؟
- لا تُصادري فجأة، ولا تُهدّدي، بل وجّهيه لأن يدير وقته بجدولة واقعية، واستخدمي معه ما يعرف بـ "نظام التعزيز الإيجابي" Positive Reinforcement، أي كلما التزم بعدد معين من ساعات المذاكرة أو الرياضة، قمتِ بمكافأته بشيء يحبه (وجبة مفضلة، نزهة خفيفة وكذلك دعم بمدح طيب يحبه).
4- ساعديه على النجاح في شيء يحبه أولاً..
فابنك يحتاج إلى "انتصار صغير" Small Wins ليشعر بالإنجاز، فلا تركّزي فقط على النجاح الأكاديمي، بل افتحي له أبواب المهارات، كالرسم، أو الرياضة، أو التطوع، أو الدورات الخفيفة. فحين يشعر بالكفاءة في مجال ما، سيرتفع تقديره لذاته ويُقبل على باقي المجالات بثقة إن شاء الله تعالى.
5- راجعي وادعمي معه العادات الصحية النفسية..
النوم غير المنتظم، الأكل غير المتوازن، قلة الحركة، كلّها عوامل تُضعف الانتباه والتركيز.
ساعديه على تنظيم يومه عبر ما يعرف بـ "الروتين الداعم للصحة النفسية" أو Mental Health-Promoting Routine.
6- إن شعرتِ -يا عزيزتي- أن سلوكياته تتفاقم، أو أصبح لا يستطيع السيطرة على نفسه، فلا تتردّدي في أن تقترحي عليه زيارة أخصائي نفسي تربوي، لعمل "خطة تعديل سلوك" Behavioral Intervention Plan، فهي ضرورية في بعض الحالات لتقويم المسار.
7- اكثري غاليتي من الدعاء، فهو سلاحكِ القوي الخفي..
قال النبي ﷺ: "ثلاث دعوات لا تُرد: دعوة الوالد لولده..." فاجعلي لولدكِ وردًا يوميًّا من الدعاء: "اللهم أصلحه، واهد قلبه، وثبّته، وارزقه صحبة الصالحين، ونوّر عقله، وسخّر له من يعينه على طاعتك".
* همسة أخيرة لقلب أختي:
لا تقيسي نجاحكِ كأمّ بنتائج فورية، بل اصبري، فإن التربية رحلة طويلة لا تُقاس بالأيام، بل بالأثر المتراكم.. فمهما طالت لكن حتمًا لها نهاية، وبإذن الله نهايتها خير لكم؛ لأنك تبذلين من أجلها.
وتذكّري أن "النفوس تُصاغ بالصبر، لا بالقسر"، وأنكِ على ثغرٍ عظيم، فاصبري، واحتسبي، واعملي بحكمة ورحمة.