الإستشارة - المستشار : أ. فتحي عبد الستار
- القسم : روح العبادات
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
49 - رقم الاستشارة : 2107
16/07/2025
لا أستطيع المواظبة على الصلاة رغم محاولاتي.
ثقيلة عليَّ وصعبة.
لم أتعود عليها من صغري.
ما الحل لأثبت على صلاتي؟
أهلًا بك أيها السائل الكريم، وأسأل الله العظيم، رب العرش العظيم، أن يفتح عليك فتوح العارفين، وأن يرزقك الثبات على دينه وطاعته، وأن يجعل الصلاة قرة عين لك، وراحة لقلبك، ونورًا لدربك في الدنيا والآخرة، وبعد...
فإن الصلاة -يا بني- هي الركن الثاني من أركان الإسلام، وهي عمود الدين الذي لا يقوم إلا به. وهي الصلة المباشرة بين العبد وربه، خمس مرات في اليوم والليلة، يغسل بها المسلم ذنوبه، ويجد فيها راحته وطمأنينته. وقد وصفها النبي -صلى الله عليه وسلم- بأنها قرة عينه (رواه النسائي). فكيف لا نسعى جاهدين للتمسك بها؟
يا ولدي، إن الشعور بالثقل والصعوبة هو شعور يمر به كثير من الناس في بداية التزامهم، أو حتى بعد فترة من الاستقامة. وهذا في حقيقته جهاد عظيم للنفس والشيطان.
فهم طبيعة النفس والشيطان:
إن النفس البشرية تميل إلى الدعة والراحة، والشيطان لا يترك فرصة إلا ويسعى فيها ليثبط العبد عن الطاعات، وخصوصًا الصلاة التي هي مفتاح كل خير. يقول الله تعالى: ﴿إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا﴾ (فاطر: 6). هو يريد أن يحرمك من هذا النور والخير.
الصلاة ثقيلة إلا على الخاشعين:
لقد وصف الله -تعالى- الصلاة بأنها كبيرة وثقيلة إلا على فئة معينة، وهذا يؤكد أن شعورك بالثقل طبيعي إذا لم تكن من هؤلاء الخاشعين بعد. قال تعالى: ﴿وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ ۚ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ * الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلَاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ﴾ (البقرة: 45 و46).
فالصلاة تكون ثقيلة على من غفل عن لقاء ربه، ولكنها خفيفة ومحبوبة لمن استشعر عظمة الله والوقوف بين يديه.
الأجر على قدر المشقة:
اعلم أن كل جهد تبذله في سبيل إقامة الصلاة، وكل مشقة تجدها، يأجرك الله عليها أجرًا عظيمًا. روي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «أجرك على قدر نَصَبك»، وهذا يعني أن ثوابك عند الله يتناسب طرديًّا مع الجهد الذي تبذله. فاصبر واحتسب، فإن الله لا يضيع أجر المحسنين.
«لم أتعود عليها من صغري»
هذه نقطة مهمة، فالتربية تلعب دورًا كبيرًا في غرس العادات، ولكن تذكر يا بني أن باب التوبة مفتوح، وباب العودة إلى الله لا يُغلق أبدًا.
إن الله غفور رحيم، يقبل التوبة من عباده مهما كانت ذنوبهم أو تقصيرهم. قال تعالى: ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾ (الزمر: 53). فليس مهمًّا ما فات، المهم هو ما ستبدأ به الآن.
بناء العادة ممكن في أي سن:
العادات يمكن بناؤها في أي سن بالمثابرة والإصرار. صحيح أن من نشأ على الصلاة يجدها أسهل، ولكن من لم ينشأ عليها يستطيع أن يبني هذه العادة ويجعلها جزءًا لا يتجزأ من حياته. الأمر يحتاج إلى عزيمة صادقة وجهاد مستمر.
النية الصادقة مفتاح التغيير:
إن مجرد نيتك الصادقة في المواظبة على الصلاة هي بداية خير عظيمة. يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى» [متفق عليه]. فاجعل نيتك خالصة لله، واطلب منه العون والتوفيق.
«ما الحل لأثبت على صلاتي؟»
هنا تكمن الحلول العملية والإيمانية التي ستعينك بإذن الله على الثبات:
أولًا: تقوية الإيمان والعلاقة بالله:
- معرفة الله وعظمته: فكلما ازداد علمك بالله وأسمائه وصفاته، وعظمته وقدرته، ازداد حبك له وخوفك منه ورغبتك في طاعته. الصلاة هي الوقوف بين يدي هذا الإله العظيم.
- التدبر في القرآن الكريم: اقرأ القرآن بتدبر وتفكر في معانيه، فهو كلام الله الذي يحيي القلوب. ستجد فيه آيات تحث على الصلاة، وتحذر من تركها، وتصف حال المصلين.
- حضور مجالس العلم والذكر: هذه المجالس تذكرك بالله، وتزيد من إيمانك، وتعرفك بأهمية العبادات.
- تذكر الموت والآخرة: تذكر أن الدنيا فانية وأن الآخرة قادمة لا محالة، وأن أول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة هو الصلاة. قال النبي صلى الله عليه وسلم: «أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة الصلاة، فإن صلحت فقد أفلح وأنجح، وإن فسدت فقد خاب وخسر» (رواه الترمذي).
ثانيًا: الخطوات العملية والجهاد النفسي:
- الدعاء: فهو مفتاح كل خير. استعن بالله، واسأله بصدق أن يرزقك الثبات على الصلاة وأن يجعلها قرة عين لك. أكثر من قول: «اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك»، وادعُ لنفسك في سجودك وفي أوقات الإجابة.
- المبادرة فورًا عند سماع الأذان: لا تؤجل الصلاة أبدًا. بمجرد سماع الأذان، قم وتوضأ واستعد للصلاة. الشيطان يوسوس لك بالتأجيل، فقاومه. يقول الله تعالى: ﴿فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ﴾ (الماعون: 4 و5). و«ساهون» هنا تعني أنهم يؤخرونها عن وقتها.
- إسباغ الوضوء: اجعل وضوءك كاملًا ومتقنًا، فهو مفتاح الصلاة. واستشعر أنك تتطهر من الذنوب مع كل قطرة ماء.
- الخشوع في الصلاة: حاول أن تستحضر عظمة من تقف بين يديه. تدبر معاني الفاتحة وما تقرؤه من سور. تخيل أنك ترى الله، فإن لم تكن تراه فإنه يراك. هذا سيساعدك على التركيز والتلذذ بالصلاة.
- الصحبة الصالحة: ابحث عن أصدقاء يعينونك على الطاعة، ويشجعونك على الصلاة، ويذكرونك بها. وابتعد عن صحبة الغافلين الذين يثبطونك.
يقول الله عز وجل: ﴿واصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ والْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وجْهَهُ ولا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الحَيَاةِ الدُّنْيَا ولا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا واتَّبَعَ هَوَاهُ وكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا﴾ (الكهف: 28). وقال ﷺ: «الرَّجُلُ عَلَى دِينِ خَليلِه؛ فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخالِلْ» (رواه أبو داود).
- التدرج في البداية (مع العزم على الكمال): إذا كنت تجد صعوبة بالغة في إقامة الصلوات الخمس كلها في أوقاتها، فابدأ بالصلاة التي تجدها أسهل عليك، ثم أضف إليها صلاة أخرى، وهكذا، مع العزم الصادق على إقامة جميع الصلوات في أوقاتها. المهم ألا تترك الصلاة أبدًا.
- تحديد مكان خاص للصلاة: اجعل مكانًا في بيتك مخصصًا للصلاة، يكون نظيفًا وهادئًا، فهذا يساعد على التركيز.
- قراءة كتب عن فضل الصلاة وعقوبة تاركها: هذا يزيد من الوازع الديني لديك.
- المحافظة على السنن الرواتب: السنن القبلية والبعدية للفرائض تجبر النقص في الفريضة، وتزيد من رصيدك من الحسنات.
- الاستغفار والتوبة: إذا فاتتك صلاة، فاستغفر الله وتب إليه، واعزم على عدم تكرار ذلك، ثم اقضِها فورًا.
ثالثًا: تذكر عواقب ترك الصلاة:
إن ترك الصلاة من كبائر الذنوب، وقد توعد الله تاركها بالويل والغي. قال تعالى: ﴿فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ ۖ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا﴾ [مريم: 59]. والغي هو واد في جهنم. تذكر هذا ليكون دافعًا لك للمواظبة.
وختامًا، يا بني، إن طريق الاستقامة يحتاج إلى صبر ومجاهدة، ولكنه طريق نهايته جنة عرضها السماوات والأرض. قال الله تعالى: ﴿والَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا﴾ (العنكبوت: 69) وقال صلى الله عليه وسلم: «والمجاهدُ من جاهدَ نفسَهُ في طاعةِ اللَّهِ» [رواه أحمد].
لا تيأس أبدًا من رحمة الله، ولا تستسلم لوساوس الشيطان. كلما تعثرت، قم وتوضأ وصلِّ، واطلب العون من الله. تذكر أن الله يحب العبد الأواب، الذي كلما أذنب تاب وعاد.
الصلاة هي نورك في الدنيا والآخرة، وهي حصنك من الشرور، وهي راحتك وسعادتك. اجعلها أول أولوياتك، وسترى كيف تتيسر لك أمورك، وتنصلح أحوالك، وتنفتح لك أبواب الخير.
أسأل الله العظيم أن يثبتك على دينه، وأن يرزقك حب الصلاة، وأن يجعلها قرة عين لك في كل حين. آمين.