أبي يضرب أمي.. فهل يحق له ذلك؟

Consultation Image

الإستشارة
  • المستشار : د. ماهر السوسي
  • القسم : أسرية
  • التقييم :
  • عدد المشاهدات : eye 318
  • رقم الاستشارة : 1979
17/05/2025

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

فضيلة الدكتور..

نعيش أنا وإخوتي أزمة شديدة بسبب أن أبي يقوم بضرب أمي باستمرار، ويقول إن الله سبحانه وتعالى قد أباح له ضربها في كتابه العزيز.. فهل ما يقوله أبي صحيح؟

الإجابة 17/05/2025

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد ﷺ، وبعد.

 

فالأسرة في الإسلام هي الأساس الذي يقوم عليه بناء المجتمع، بل هي في نفسها صورة مصغرة عن المجتمع المسلم، من أجل ذلك أولاها الإسلام تشريعات خاصة تنظم العلاقة بين أفرادها، ومن بين هذه التشريعات تلك التي تبين حقوق كل واحد من أفراد الأسرة وواجباته، حتى يعلم كل فرد من أفراد الأسرة حدوده فلا يتجاوزها، وما عليه فيؤديه، وبذلك يضمن الشرع عدم النزاع بين مكونات الأسرة، فيسود الأمن والأمان فيها ومن ثم في المجتمع بشكل عام.

 

ومن بين الحقوق التي منحها الشرع للزوج حق "تأديب زوجته" إذا بدر منها ما تستحق التأديب بسببه.

 

هذا؛ ولم يعطَ الزوج هذا الحق من باب الانحياز لجنس الذكور كما يقال، ولا من باب تفضيل الإسلام الرجال على النساء كما يُدّعى؛ ذلك أن معيار التفاضل في الإسلام هو التقوى، فقد قال الله تعالى: ﴿...إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾ [الحجرات: 13]، لكن الرجل في الإسلام هو رب الأسرة وقائدها، وهو راعيها وحاميها؛ كما جاء عن النبي ﷺ: «كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته... والرجل في بيته راع وهو مسؤول عن رعيته»، والمسؤولية تعني أن سلطة الزوج على أهل بيته سلطة تكليف لا سلطة تشريف؛ فإنه إن قصر في نصحهم ورعايتهم يعصي الله تعالى.

 

وقد اقتضت رحمة الله تعالى أن يجعل لحق الرجل في تأديب زوجته ضوابط لا يتجاوزها، لئلا يظلم زوجته من جهة، ولئلا يخرج التأديب عما شرع له.

 

وكي نتعرف على هذه الضوابط لا بد من بيان النص الشرعي الذي يدل على حق الزوج في تأديب زوجته، حيث يقول الله تعالى: ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ ۚ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ ۚ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ ۖ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا﴾ [النساء: 34].

 

هذه الآية فيها بيان لدور كل واحد من الزوجين، ثم إن فيها دليلاً على حق الزوج في تأديب زوجته، وكيفية التأديب وحدوده.

 

فالآية الكريمة قد بينت كيفية التأديب بأن جعلته درجات ثلاثة: ذلك كما قال الله تعالى: ﴿...وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ...﴾ [النساء: 34]، فإذا نشزت المرأة؛ أي خرجت عن طاعة زوجها فيما شرعه الله من أحكام تدبير الأسرة، إذا فعلت ذلك فإنها تستحق التأديب، حسبما ورد في الآية على النحو التالي:

 

أولاً: النصح والوعظ: بأن يبين لها زوجها خطأها، ويرشدها إلى أن هذا السلوك لا يليق بالمرأة الصالحة، ولا يليق بأهلها، وإن هذا السلوك يُغضب الله عليها، فإن انصاعت ورجعت عن خطئها ورجعت إلى الطاعة فليس له عليها سوى ذلك، وليس له أن يبدأ بالهجر أو الضرب قبل أن يبدأ بالوعظ.

 

ثانيًا: الهجر في المضجع: فإذا فشلت الموعظة ولم تعد الزوجة إلى طاعة زوجها فإنه ينتقل إلى الصورة الثانية من صور التأديب وهي "الهجر في المضجع"، ذلك أن يهجر الزوج فراش زوجته ويعرض عنها، فإن المرأة الصالحة يؤلمها إعراض زوجها عنها، كما قال القرطبي -رضي الله عنه- عند تفسيره لهذه الآية، فإنها إن رأت إعراض زوجها عنها قد تعود إلى صوابها، وتدرك خطأها، فتعود إلى الطاعة.

 

ويكون الهجر بالفراش ذاته بحيث يكون ظهره باتجاهها، ولا يعني الهجر أن يترك الفراش مطلقًا أو يترك البيت.

 

ثالثًا: الضرب: وهو الصورة العليا للتأديب ولا يجوز أن يلجأ إليه الزوج إلا بعد الموعظة ثم الهجر، ولا تكون صورة الضرب كما يظن الجهلة من الرجال، فلا يجوز للزوج أن يضربها على وجهها، ولا يكون الضرب مما يتسبب بكسر العظم أو يشين الجسد، لنهي النبي ﷺ عن ذلك كله، حيث ورد قوله في الصحيح الذي رواه الإمام مسلم؛ "فاضربوهن ضربًا غير مبرح"؛ بل يكون الضرب بما لا يؤذي، كأن يضربها بعود كالمسواك كما ورد عن ابن عباس رضي الله عنه أو بطرف ثوبه كما ورد عن ابن مسعود رضي الله عنه.

 

وإن قيل ماذا يفعل هذا الضرب؟! نقول: إن هذا الضرب لا يقصد منه إيلام الجسد، وإنما المقصود لفت انتباه الزوجة إلى أنها قد أتت سلوكًا سيئًا تستحق الضرب عليه، وهذا إيلام نفسي قد يكون أشد على المرأة من الإيلام الجسدي.

 

هذا هو الضرب المشروع، ولا يجوز للزوج تجاوزه بحال من الأحوال، فإن فعل فهو عاص لله لمخالفته حديث النبي ﷺ السابق.

 

فإن كان الضرب الوارد في السؤال الذي ورد إلينا من هذا القبيل فلا حرج على الزوج شرعًا، وإن كان غير ذلك فالزوج عاص لله، ومتعد لحدوده، وعليه أن يرجع إلى الله ويستغفر من ذنبه.

 

فإن استمر على ضربه لزوجته وهو مبطل فعلى الزوجة في هذه الحالة الرجوع إلى أهلها ليكلموه في الأمر، أو يحاول أبناؤها الرجوع إلى أعمامهم لعلهم يردون أخاهم عن غيه، وإلا فإننا نكون أمام خيارين أحلاهما مر.

 

الأول: أن تصبر هي وأبناؤها ويحتسبون ذلك عند الله تعالى، لعل الله يحدث بعد ذلك أمرًا، لقوله عز وجل: ﴿...وَأَن تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَّكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ [النساء: 25]، وقوله تعالى: ﴿... وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ۚ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ ۚ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا﴾ [الطلاق: 3]، فمن يحتسب أمره عند االله، فإن الله يتولاه ويكفيه كل سوء وشر، ومن يحسن الظن بالله فإن الله يعامله بحسب ظنه، فإن ظن بالله خيرا فهو خير له، وإن ظن غير ذلك فهو كما ظن، لقوله -عز وجل- في الحديث القدسي: "أنا عند ظن عبدي بي".

 

الثاني: وهو ما لا أحبه للأزواج، أن ترفع هذه المرأة أمرها للقضاء للحكم في أمرها – وهذا حق لها لتعنت زوجها- فيتولى القاضي الحكم إما ببعث حكمين كما ورد في كتاب الله تعالى: ﴿وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا﴾ [النساء: 35]، أو يتولى القاضي الحكم بنفسه فيحكم بما يصلح هذه الأسرة، والله الموفق.

الرابط المختصر :