Consultation Image

الإستشارة 12/05/2025

السلام عليكم.. أريد خطة لمساعدتي ومساعدة أسرتي على قضاء عشر ذي الحجة، فنحن عائلة متدينة بفضل الله، لدينا أربعة أبناء في مراحل التعليم المختلفة، وعائلتي وعائلة زوجي تسكن كل منهما بالقرب منا، فكنا نريد المساعدة في وضع خطة لقضاء هذه الأيام بأفضل صورة ممكنة، علمًا أن الأولاد سيقضون بعض أيام من الامتحانات في هذا الوقت.

الإجابة 12/05/2025

أختي الكريمة، أهلاً وسهلاً ومرحبًا بك على صفحة البوابة الإلكترونية للاستشارات الخاصة بمجلة المجتمع..

 

هناك -يا عزيزتي- أيام مباركات منّ الله علينا بها كهذه الأيام العشر من ذي الحجة، والإنسان اليقظ من يستثمر هذه الأيام على المستوي الفردي وعلى مستوى العلاقة مع الزوج والأبناء بل وعلى مستوى العائلة كلها.. فأنا أشكر لك هذا السؤال الذكي النافع وأسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقني في تقديم إجابة مثمرة تنفعك وتنفع كل قارئ، فهذا سؤال يلمس كل أسرة مسلمة ويمكننا تقسيم الإجابة إلى عدة أجزاء أو مستويات.

 

المستوى الفردي

 

حجر الأساس في الإصلاح هو العمل الفردي، فلا يصح أن تضعي خطة لإصلاح من حولك وتنسين نفسك ﴿أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ ۚ أَفَلَا تَعْقِلُونَ﴾ (البقرة: ٤٤).

 

والحقيقة أن الكثير من الأمور والعبادات تستطيعين القيام بها بشكل مشترك مع زوجك وأولادك، وعلى الرغم من ذلك فهناك مساحة خاصة جدًّا ينبغي البدء بها، منطقة تبدأ من النية (وإنما الأعمال بالنيات)، وتمر بوضع الأهداف ووضع خطة العمل بصورة مبدئية حتى تجلسي وتتشاركي مع أسرتك خطة مناسبة لظروفكم.

 

على المستوى الفردي قد تضعين لنفسك مستوى أعلى من العبادة فتشتركين معهم في جزء من الأعمال، ويكون لك مستوى ثان خاص بك يمكنك أن تبدئي به منذ اللحظة الآنية، وأوصيك بالصلاة على النبي ﷺ قبل البدء بوضع هذه الخطة حتى تلاقي التوفيق، فعن أُبَيّ بن كعب رضي الله عنه، قال: «قلتُ: يا رسولَ اللهِ، إني أُكثرُ الصلاةَ عليك، فكم أجعلُ لكَ من صلاتي؟ قال: ما شئتَ. قال: قلتُ: الربعَ؟ قال: ما شئتَ، وإن زدتَ فهو خيرٌ لك. قلتُ: النصفَ؟ قال: ما شئتَ، وإن زدتَ فهو خيرٌ لك. قلتُ: الثلثينِ؟ قال: ما شئتَ، وإن زدتَ فهو خيرٌ لك. قلتُ: أجعلُ لكَ صلاتي كلَّها؟ قال: إذًا تُكفى همَّك، ويُغفر لكَ ذنبُك» (رواه الترمذي)؛ فالصلاة على النبي تفتح لك كل الأبواب وتقضي حاجتك وتيسر لك ما تنتويه من خير في هذه الأيام العشر، وتجعل القبول حليفك عندما تضعين خططك وأفكارك وتعرضينها على زوجك وأولادك.

 

أنت وزوجك

 

قبل وضع أي خطة إيمانية مشتركة للعبادات أريدك أن تستثمري هذه الأيام المباركة في إصلاح العلاقة بينك وبين زوجك إن كانت بحاجة لذلك أو صقلها وتدعيمها لمزيد من النمو والنجاح فيها.. يمكنك أن تبدئي جلسة حوار معه.. جلسة لا لوم فيها ولا عتاب ولا نقد.. جلسة تمتزج فيها العواطف بالمشاعر الإيمانية، فإذا كانت عشر ذي الحجة تلهمنا درسًا فهو درس الصبر والتضحية؛ فرحلة الحج هي رحلة من الصبر على المشقة، والسعي بين الصفا والمروة درس في الصبر على السعي والمحاولة تلو المحاولة، ويوم النحر درس في الصبر والتسليم والتضحية التي بلا حدود..

 

وكي تنجح الحياة الزوجية فلا بد فيها من الصبر والتضحية.. هذه المعاني النبيلة التي يتم الهجوم عليها والسخرية منها وكأنها معاني الضعفاء العاجزين، والحقيقة أن الأنانية هي المعنى الحقيقي للضعف الإنساني، بينما لا يستطيع الصبر والتضحية إلا الأقوياء حقًّا.

 

في هذه الجلسة اسألي زوجك عما يزعجه أو يضايقه كزوج؟ ما الذي يفتقده وماذا يتمنى؟ ولا تجادليه في أمنياته أو تناقشيه في الأمور التي تزعجه ولكن حاولي أن تترجمي هذا لسلوك لك.. في المقابل تحدثي أنت أيضًا وأعربي عما يزعجك وما تحلمين به لكن دون نبرة اتهام.. مثلا قولي إني أفتقدك، ولا تقولي لقد أصبحت مهملاً حتى إنني لا أراك، وهكذا حتى تفككي طبقات الجليد التي تعيق حياتكما أو تحد منها، فإذا ذاب الجليد فستجري مياه الحياة بانسيابية وعفوية.

 

برنامج الأسرة

 

قومي بعمل اجتماع لعائلتك لوضع خطة عمل بسيطة في عشر ذي الحجة، اجعليها خطة بسيطة ومرنة حتى تتناسب مع ظروف الامتحانات وتراعي المراحل السنية المختلفة لأبنائك ولو تجتمعوا مساء كل يوم للتكبير معًا، وهذه بعض مقترحات يمكنكم أن تنتقوا بعضها ويمكنكم أن تقوموا بعمل عصف ذهني وتبتكروا أشياء أخرى سواء في المضمون أو الأساليب:

 

* جلسة بين المغرب والعشاء تتبادلون فيها الحديث، بحيث تكون الكلمة لا تزيد عن عشر دقائق والباقي للحوار حولها، والموضوعات مفتوحة حول تأملات الحج وقصة سيدنا ابراهيم وإسماعيل ومعاني الصبر والفداء وصلة الأرحام ورحمة الله عز وجل.

 

* هذه الأيام هي أيام العمل الصالح الذي يحبه الله تعالى «ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام». قالوا: ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: «ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج بنفسه وماله، فلم يرجع من ذلك بشيء».

 

وبالتالي فهناك الاجتهاد الفردي في الصلاة والصيام والقيام وقراءة القرآن، وهناك الحث على المشاركة في العبادة بين الزوجين بالذات، فمن ناحية هذا يساعد على التشجيع {كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا * وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا} (سورة طه: 33-34)، ومن ناحية يؤلف بين القلوب ويصلح الأحوال «رَحِمَ الله رَجُلاً قام مِنَ اللَّيْلِ فَصَلَّى وَأَيْقَظَ امْرَأَتَهُ فَصَلَّتْ فَإِنْ أَبَتْ نَضَحَ في وَجْهِهَا الْمَاءَ وَرَحِمَ الله امْرَأَةً قَامَتْ مِنَ اللَّيْلِ فَصَلَّتْ وَأَيْقَظَتْ زَوْجَهَا فَصَلَّى فَإِنْ أَبَى نَضَحَتْ في وَجْهِهِ الْمَاءَ».

 

وهذه نماذح للعمل الصالح:

 

- الحد الأدنى والأساسي أن يلتزم الجميع بمن فيهم الأبناء بالفرائض وعلى رأسها الصلاة.. أما القيام فيمكن للزوجين القيام به وحدهما إذا كانت امتحانات الأبناء تحول دون ذلك.

 

- الحرص على الصيام خاصة يومي الإثنين والخميس فهذه الأيام تجمع جميع العبادات.. الحد الأدنى والأساسي هو صيام يوم عرفة؛ ففي الحديث الذي رواه مسلم: «صيام يوم عرفة أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده».

 

- من الأمور التي تدخل البهجة إلى البيت وتحفر معاني هذه الأيام في قلوب الأبناء هي الأضحية، فإذا كانت الظروف المادية تسمح بها فاحرصوا عليها، فلقد التزم بها النبي عشر سنين في المدينة.

 

العائلة الكبيرة

 

من الأمور الطيبة أن عائلتك وعائلة زوجك بالقرب منكم، فهذا يمنحكم فرصة رائعة لصلة الرحم فاجعلوا لهم نصيبًا من يومكم، وفي كل زيارة اصطحبوا واحدًا من الأبناء بحسب ظروفهم، ولا بد أن يدركوا أن الجد والجدة كالأب والأم من حيث أهمية الصلة والبر.

 

صلة الرحم تزيد الرزق وتبارك في العمر «من أحب أن يُبسط له في رزقه ويُنسأ له في أثره فليصل رحمه» (رواه البخاري ومسلم).

 

وأريدكم في هذه الأيام أن تتسع دائرة صلة الرحم لديكم حيث تتأكد هذه الصلة في هذه الأيام المباركة، حيث تدعم هذه الصلة الجميع خاصة كبار السن ومن يعانون من الوحدة، فهؤلاء بحاجة أن يستشعروا وجودهم وأهميتهم لأنهم يعانون ويستشعرون كأنهم غير موجودين من الأساس في مجال رؤية الآخرين، فتأتي الزيارة أو حتى الاتصال الهاتفي والسؤال بحرارة واهتمام عنهم بمثابة قبلة الحياة، لذلك لا بد من وضع الصلة على رأس أولويات برنامجنا في العشر من ذي الحجة.

 

وأخيرًا، لا بد من الدعاء كي ييسر لنا الله سبحانه وتعالى الصلاة والصيام والذكر والصلة وأن يهدي قلوبنا وقلوب أبنائنا فهو سبحانه وتعالى الموفق لكل خير.

الرابط المختصر :