الإستشارة - المستشار : أ. فتحي عبد الستار
- القسم : وساوس وشكوك
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
29 - رقم الاستشارة : 2128
17/07/2025
أنا بدعي ربنا بقالي كتير على حاجة معينة ومستنية الإجابة بفارغ الصبر، بس الموضوع طول أوي وبقيت أحس إن إيماني بيتهز شوية، مش شكًا في ربنا طبعًا، بس ليه الدعوة مش بتستجاب؟ وهل ده ذنب مني؟
المشاعر دي بتخليني مرة قوية ومرة يائسة، وخايفة ده يأثر على علاقتي بربنا.
إزاي أقدر أتخطى الإحساس ده وأرجع تاني متأكدة إن ربنا مش هيخذلني؟
وإيه النصايح اللي ممكن تساعدني أكون صبورة وراضية بقضاء ربنا؟
مرحبًا بك يا ابنتي، وأسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يفرج همكِ، ويشرح صدركِ، ويثبت قلبكِ على الحق، ويرزقكِ الطمأنينة واليقين، وأن يستجيب دعواتكِ بما هو خير لكِ في دينكِ ودنياكِ وآخرتكِ، وبعد...
ابنتي العزيزة، لا شك أن كل مؤمن يمر بلحظات ضعف أو يأس عندما تطول مدة الانتظار لاستجابة دعاء بتحقيق أمنية غالية. وهذه اللحظات ليست دليلًا على ضعف إيمانكِ؛ بل هي اختبار من الله –تعالى- ليرى صدق صبركِ وثبات يقينكِ. فاعلمي أن الله تعالى أرحم بنا من أمهاتنا، وأعلم بما يصلحنا من أنفسنا، وأن كل تأخير أو منع هو عين العطاء والحكمة الإلهية.
لماذا تتأخر الاستجابة وهل هذا بسبب الذنوب؟
يا ابنتي، إن الله تعالى لا يخلف وعده أبدًا، وقد قال سبحانه في كتابه الكريم: ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾ [غافر: 60]. هذه آية صريحة وواضحة، ووعد من الله لا يتخلف. ولكن استجابة الدعاء لها صور وأشكال متعددة قد لا ندركها نحن بقلوبنا وعقولنا البشرية المحدودة:
1- الاستجابة الفورية: وهي أن يعطيكِ الله ما طلبتِ عاجلًا غير آجل، وهذا فضل وكرم منه سبحانه.
2- الادخار للآخرة: قد يدخر الله لكِ دعواتك ليجعلها حسنات عظيمة وثوابًا جزيلًا يوم القيامة، وهذا خير عظيم قد لا ندركه الآن. تخيلي أنكِ ترين يوم القيامة جبالًا من الحسنات لم تكن في حسبانكِ، فيُقال لكِ: هذه دعواتكِ التي لم تُستجب في الدنيا! فهل تودين لو أن شيئًا منها عُجل لكِ في الدنيا؟
3- صرف السوء عنكِ: قد يصرف الله عنكِ من البلاء والسوء والمصائب ما هو أعظم مما تطلبين، وذلك ببركة دعائكِ. وقد لا تعلمين حجم الشر الذي أبعده الله عنكِ بفضله ورحمته.
وقد ورد في الحديث الشريف عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- أن النبي ﷺ قال: «ما من مسلم يدعو بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث: إما أن تعجل له دعوته، وإما أن يدخرها له في الآخرة، وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها» [رواه أحمد].
أما سؤالكِ: «وهل هذا ذنب مني؟» فليس بالضرورة أبدًا أن يكون تأخر الاستجابة ذنبًا منكِ. إن الله –تعالى- يبتلي عباده ليختبر صبرهم ويقينهم، وليزيدهم قربًا منه. فكم من عبد ألحّ في الدعاء، فازداد خشوعًا وتضرعًا وقربًا من ربه، وهذا في حد ذاته نعمة عظيمة.
ولكن، من باب التذكير، فإن هناك بعض الآداب والشروط لاستجابة الدعاء، منها: الإخلاص لله، وطيب المأكل والمشرب والملبس، وعدم الاستعجال. فقد قال النبي ﷺ: «يستجاب لأحدكم ما لم يعجل، يقول: قد دعوت فلم يستجب لي» [متفق عليه]. فتجنبي اليأس والاستعجال، واستمري في الدعاء بيقين.
كيف تتخطين هذا الإحساس وتتيقنين من أن ربك لن يخذلك؟
يا ابنتي، إن هذه المشاعر المتأرجحة بين القوة واليأس هي طبيعة النفس البشرية، ولكن المؤمن الحق هو من يسعى جاهدًا لتثبيت قلبه على اليقين بالله.
وإليكِ بعض النصائح التي ستعينكِ بإذن الله:
1- تجديد الثقة المطلقة في الله: تذكري أن الله –تعالى- هو الودود، الرحيم، الكريم، السميع، المجيب. ثقي تمامًا بأنه يسمعكِ ويرى حالكِ ويعلم ما في قلبكِ، وأنه لن يضيعكِ أبدًا. قال تعالى: ﴿وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا﴾ [الطلاق: 3].
2- الإكثار من الذكر: إن ذكر الله –تعالى- هو البلسم الشافي للقلوب، وهو الذي يبعث الطمأنينة والسكينة. قال تعالى: ﴿أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾ [الرعد: 28]. فاجعلي لسانكِ رطبًا بذكر الله، بالتهليل والتسبيح والتكبير والاستغفار والصلاة على النبي ﷺ.
3- قراءة القرآن بتدبر: القرآن الكريم هو كلام الله، وهو نور وهدى وشفاء لما في الصدور. اجعلي لكِ وردًا يوميًّا من القرآن، وتدبري معانيه، فستجدين فيه السلوى والقوة والإجابات لكثير من تساؤلاتكِ.
4- الإكثار من الأعمال الصالحة: تقربي إلى الله بالنوافل والطاعات، من صلاة وصيام وصدقة وصلة رحم وبر الوالدين ومساعدة المحتاجين. فإن هذه الأعمال تزيد من قربكِ من الله، وتجلب لكِ رضاه وبركاته.
5- حسن الظن بالله: اجعلي ظنكِ بالله دائمًا حسنًا، فالله –تعالى- يقول في الحديث القدسي: «أنا عند ظن عبدي بي» [متفق عليه]. فظُني به خيرًا، وأنه سيستجيب لكِ بما هو خير، وأن تدبيره لكِ أفضل من تدبيركِ لنفسكِ.
6- التفكر في نعم الله عليكِ: انظري حولكِ، وتذكري النعم الكثيرة التي أنعم الله بها عليكِ، من صحة وعافية وأهل وأمان. إن هذا التفكر يغرس في القلب الرضا والشكر، ويصرف عنكِ اليأس.
كيف تكونين صبورة وراضية بقضاء الله؟
الصبر والرضا بقضاء الله هما من أعلى مراتب الإيمان، وهما مفتاح السعادة والسكينة في الدنيا والآخرة.
وإليكِ بعض النصائح لتعزيزهما:
1- استحضار فضل الصبر: تذكري أن الصبر من أعظم العبادات، وأن الله –تعالى- وعد الصابرين بأجر عظيم. قال تعالى: ﴿إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾ [الزمر: 10]. وقال أيضًا: ﴿وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ﴾ [البقرة: 155 و156].
2- اليقين بحكمة الله: اعلمي أن الله –تعالى- لا يقضي قضاءً إلا وفيه الخير والحكمة البالغة، حتى لو لم تدركيها أنتِ الآن. قال تعالى: ﴿وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ [البقرة: 216].
3- الرضا بالقضاء والقدر: الإيمان بالقدر خيره وشره ركن من أركان الإيمان. فما أصابكِ لم يكن ليخطئكِ، وما أخطأكِ لم يكن ليصيبكِ. هذا الفهم العميق يجلب الطمأنينة والرضا. قال النبي ﷺ: «عجبًا لأمر المؤمن، إن أمره كله له خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيرًا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرًا له» [رواه مسلم].
4- الاستمرار في الدعاء مع اليقين: لا تملِّي من الدعاء، حتى لو طال الأمر. فالدعاء بحد ذاته عبادة عظيمة يحبها الله. ادعي بيقين تام بأن الله سيستجيب لكِ في الوقت المناسب وبالشكل الأفضل لكِ.
5- الاستعانة بالله وحده: الجئي إلى الله بقلبكِ كله، واطلبي منه العون والقوة على الصبر والرضا.
6- تغيير منظوركِ: بدلًا من التركيز على ما لم يتحقق بعد، ركزي على رحلة القرب من الله التي تمرّين بها، وعلى النمو الروحي الذي تكتسبينه من هذا الاختبار.
وختامًا -ابنتي الغالية- تذكري دائمًا أن الله –تعالى- لا ينسى أحدًا من عباده، وأن دعاءكِ ليس يضيع عنده أبدًا. إن هذه الفترة التي تمرين بها هي فرصة عظيمة لتقوية علاقتكِ بربكِ، ولتتعلمي الصبر والرضا والتسليم لأمره. فاستبشري خيرًا، وأكثري من الدعاء، وتوكلي على الله حق التوكل، فإنه –سبحانه- لن يخذلكِ أبدًا. هو معكِ، يسمعكِ، يراكِ، وسيجبر خاطركِ بما يرضيكِ ويسعدكِ في الدنيا والآخرة. ثقي بذلك تمامًا.
نسأل الله أن يفتح عليكِ فتوح العارفين، وأن يرزقكِ السكينة والطمأنينة، ونتمنى أن نسمع منكِ كل خير قريبًا.