الإستشارة - المستشار : د. رجب أبو مليح محمد
- القسم : علوم القرآن والحديث
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
308 - رقم الاستشارة : 2116
17/07/2025
وجدت فى الانترنت بعض الأشخاص أن بعض قراءات الشيخ عبد الباسط والمنشاوى لا تجوز لأن بها تغنى بالقرآن فهل هذا صحيح؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وآله وصحبه ومن والاه، وبعد:
فإن الآفة التي يعيشها مجتمعنا الآن هو أن كل أحد يتصدى للفتوى بغير ضابط ولا رابط، فالرجل الذي قال هذه المقولة -ولا أقول الفتوى؛ لأن الفتوى صناعة منضبطة تحتاج إلى علم ودربة وتمرس في العلم الشرعي وفي الفتوى – لم يفهم معنى التغني ولا دراية له بحكمه الشرعي.
والتغني: هو تحسين الصوت بالقرآن دون إخراج الألفاظ عن مواضعها أو التحريف فيها، ويُقصد به التخشع والتأثير في النفس والغير، وحكمه: مستحب، والدليل:قول النبي ﷺ: "ليس منا من لم يتغنّ بالقرآن" رواه البخاري وغيره.
وقد تلقى العلماء والفقهاء على مستوى العالم قراءات المشايخ الكبار مثل المنشاوي والحصري وعبد الباسط والبنا ومصطفى إسماعيل - رحمهم الله - بالقبول وأنهم بذلوا غاية الجهد البشري في تلاوة وتجويد القرآن الكريم ولم يعترض عليهم أحد، فمن أين أتى هذا الرجل بهذا القول الشاذ؟
والتغني المشروع هو تحسين الصوت بالقرآن (ترتيل وتجويد)، وهو مأمور به شرعًا كقول النبي ﷺ: "ليس منا من لم يتغن بالقرآن"، و"زينوا القرآن بأصواتكم"، وهو مستحب إذا كان يخشى ويرفع للخشوع والتدبر.
أمّا التطريب أو التلحين الذي يجعل التلاوة كأغنية أو يقال بصحبة آلات موسيقية أو ألحان غنائية، فممنوع شرعًا، بل حرام، وقد حرّمه علماء الأزهر، ودار الإفتاء المصرية بعزم، لما فيه خروج عن أداء القرآن بحقه وقداسته.
يقول ابن القيم في زاد المعاد: وفصل النزاع أن يقال التطريب والتغني على وجهين:
أحدهما: ما اقتضته الطبيعة وسمحت به من غير تكلف ولا تمرين ولا تعليم بل إذا خلي وطبعه واسترسلت طبيعته جاءت بذلك التطريب والتلحين فذلك جائز، وإن أعان طبيعته بفضل تزيين وتحسين كما قال أبو موسى الأشعري للنبي –صلى الله عليه وسلم – «لو علمت أنك تسمع لحبرته لك تحبيراً»، والحزين ومن هاجه الطرب والحب والشوق لا يملك من نفسه دفع التحزين والتطريب في القراءة، ولكن النفوس تقبله وتستحليه لموافقته الطبع وعدم التكلف والتصنع فيه، فهو مطبوع لا متطبع، وكلف لا متكلف، فهذا هو الذي كان السلف يفعلونه ويستعملونه، وهو التغني الممدوح المحمود، وهو الذي يتأثر به التالي والسامع، وعلى هذا الوجه تحمل أدلة أرباب هذا القول كلها.
الوجه الثاني: ما كان من ذلك صناعة من الصنائع، وليس في الطبع السماحة به، بل لا يحصل إلا بتكلف وتصنع وتمرن، كما يتعلم أصوات الغناء بأنواع الألحان البسيطة والمركبة على إيقاعات مخصوصة وأوزان مخترعة لا تحصل إلا بالتعلم والتكلف، فهذه هي التي كرهها السلف وعابوها وذموها ومنعوا القراءة بها، وأنكروا على من قرأ بها، وأدلة أرباب هذا القول إنما تتناول هذا الوجه، وبهذا التفصيل يزول الاشتباه ويتبين الصواب من غيره وكل من له علم بأحوال السلف يعلم قطعًا أنهم برآء من القراءة بألحان الموسيقى المتكلفة التي هي إيقاعات وحركات موزونة معدودة محدودة، وأنهم أتقى لله من أن يقرءوا بها ويسوغوها، ويعلم قطعًا أنهم كانوا يقرءون بالتحزين والتطريب، ويحسنون أصواتهم بالقرآن، ويقرءونه بشجى تارة، وبطرب تارة، وبشوق تارة، وهذا أمر مركوز في الطباع تقاضيه، ولم ينه عنه الشارع مع شدة تقاضي الطباع له.
والله تعالى أعلى وأعلم