الإستشارة - المستشار : أ. فتحي عبد الستار
- القسم : الحياة الزوجية
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
48 - رقم الاستشارة : 2070
25/05/2025
لي سنتين متزوجة، واكتشفت بعد الزواج إن شخصيتي مرة غير عن شخصية زوجي. هو عصبي بزيادة، ودايم يسب ويشتم، وظنونّه شينة، وينفعل على أتفه شي، وما يعترف بغلطه أبد. وتهديده بالطلاق دايم على لسانه. وأحيانًا يمد يده عليّ، وعفوًا أناني بالفراش وما يشبعني جنسيًا.
كل هالشي أثر على صحتي ونفسيتي بشكل كبير.
الحمد لله ما رزقنا بعيال للحين، وصرت ما أبغى لأني خايفة من مستقبلي معه. والمشكلة إنه ما يرضى أحد يتدخل بحياتنا عشان نتفاهم، لا من أهلي ولا من أهله. وش أسوي؟
أختي السائلة الفاضلة، مرحبًا بكِ وشكرًا لثقتكِ بنا وأسأل الله أن يشرح صدركِ وييسر أمركِ ويفرج كربتكِ، ويرزقكِ السكينة والطمأنينة في الدنيا والآخرة، وبعد...
فأُقدِّر لكِ هذه الشجاعة في طرح مشكلتكِ، فحديث الإنسان عمَّا يعانيه هو الخطوة الأولى نحو الحل. ونعلم جيدًا أن ما تمرِّين به من تحديات في زواجكِ يمثل ضغطًا نفسيًّا وجسديَّا كبيرًا عليك، فمشاعر الحيرة والقلق والخوف على المستقبل هي مشاعر طبيعية في ظل هذه الظروف.
أختي الكريمة، إن الزواج في الإسلام هو ميثاق غليظ وسكن ومودة ورحمة، كما قال تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ [الروم: 21]. وعندما تُفتقد هذه الأسس، يصبح الحفاظ على هذا الرباط أمرًا شاقًا.
اختلاف الطبع بينكما وآثاره:
من طبيعة الحياة الدنيا أن يكون هناك اختلاف بين البشر، هذا الاختلاف يمكن أن يكون مصدر إثراء إذا أحسنَّا التعامل معه، أو مصدر شقاق إذا ساءت الأخلاق. وقد حثنا ديننا الحنيف على حسن الخلق والصبر والعفو. قال تعالى: ﴿وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ﴾ [فصلت: 34]. والرسول ﷺ قال: «ليس الشديد بالصرعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب» [رواه البخاري].
والسب والشتم وسوء الظنون من آفات اللسان والقلب التي نهى عنها الإسلام بشدة. قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ﴾ [الحجرات: 12]. وقال ﷺ: «سباب المسلم فسوق وقتاله كفر» [رواه البخاري].
وعلى ذلك، فإن العصبية المفرطة والسب والشتم المستمر يدمران أي علاقة، فكيف بعلاقة الزواج التي تُبنى على المودة والاحترام المتبادل. هذه السلوكيات تولد بيئة منزلية مشحونة بالتوتر والخوف، وتؤثر سلبًا على الصحة النفسية والعاطفية للطرف المتلقي. وسوء الظنون يدمر الثقة، وهي أساس أي علاقة قوية، ويجعل الحياة الزوجية جحيمًا لا يطاق.
عدم الاعتراف بالخطأ والتهديد بالطلاق:
إن من شيم المسلم التواضع والاعتراف بالحق والعدل. قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ﴾ [النساء: 135]. والاعتراف بالخطأ جزء من التوبة والرجوع إلى الله.
والتهديد بالطلاق فهو استهانة بعلاقة عظيمة في الإسلام، سماها الله ﴿مِّيثَاقًا غَلِيظًا﴾ [النساء: 21]، أمر عظيم في الإسلام، واستخدام الطلاق كوسيلة ضغط هو سلوك غير مسؤول، ويضر بالكيان الأسري.
إن عدم الاعتراف بالخطأ يمنع حل المشكلات، ويجعل الطرف الآخر يشعر بالظلم والإحباط. والتهديد الدائم بالطلاق يضع الزوجة تحت ضغط نفسي هائل، ويجعلها تعيش في دوامة من القلق وعدم الاستقرار، مما يهز شعورها بالأمان في علاقتها الزوجية.
العنف الجسدي:
إن تعنيف الزوجة جسديًّا بالضرب المبرح؛ وخصوصًا دون سبب يستحق، مُحرَّم في الإسلام، وهو ظلم بين، واعتداء مرفوض. فلا يجوز للزوج أن يضرب زوجته ضربًا مبرحًا أو مهينًا. وفي قوله تعالى الذي يتحجج به بعض الأزواج ﴿وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ﴾ [النساء: 34]، فسر العلماء (اضربوهن) بغير المبرح وغير المؤذي، الذي لا يترك أثرًا، ولا يكسر عظمًا، ولا يشين وجهًا، بل هو ضرب خفيف للتأديب، وفي أضيق الحدود، وبعد استنفاد كل وسائل الإصلاح بإخلاص وتجرد.
هذا غير أن العنف الجسدي «جريمة» يعاقب عليها القانون، وهو سلوك مرفوض أخلاقيًّا واجتماعيًّا؛ لأنه يؤثر سلبًا وبشكل مباشر على الصحة الجسدية والنفسية للمرأة، ويولد لديها شعورًا بالخوف والإهانة وانعدام الأمان. ولا يمكن لأي علاقة زوجية أن تستمر أو تزدهر في ظل وجود عنف بين طرفيها.
الأنانية في الفراش وعدم الإشباع الجنسي:
إن العلاقة الزوجية في الإسلام ليست فقط لإنجاب الذرية، بل هي سكن ومودة ورحمة، وفيها جانب عاطفي وجسدي مهم. وقد حث الإسلام على إعفاف الزوجة والتعامل معها بالمعروف في كل جوانب الحياة، بما في ذلك الفراش. فللزوجة حق على زوجها في المعاشرة بالمعروف، كحقه عليها، يقول تعالى: ﴿ولَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾ [البقرة: 228]، فعلى الزوج أن يعامل زوجته بالرفق والحب، ويسعى إلى إشباعها جنسيًّا.
إن الأنانية في الفراش وعدم الاهتمام بحاجة الزوجة الجنسية يؤثر سلبًا على العلاقة العاطفية بين الزوجين، ويخلق فجوة ويؤدي إلى شعور الزوجة بالإهمال والحرمان العاطفي والجسدي، مما ينعكس على حالتها النفسية والجسدية ويقلل من رغبتها في العلاقة الحميمة.
ماذا تفعلين؟
أختي الفاضلة، بناءً على كل ما سبق، إليكِ بعض الخطوات التي يمكنكِ اتخاذها، مع التأكيد على أن القرار النهائي يعود لكِ وحدكِ بعد استخارة الله تعالى والتفكير العميق:
1- المصارحة الهادئة (مع الحرص على سلامتكِ):
حاولي مجددًا أن تتحدثي مع زوجكِ في لحظة هدوء، وبعيدًا عن أي توتر. عبِّري عن مشاعركِ وما يسببه لكِ سلوكه من ألم وتأثير على صحتكِ. كوني واضحة وصريحة ولكن بهدوء وحكمة. ركزي على: «أنا أشعر»، بدلًا من: «أنت تفعل».
2- طلب المساعدة المتخصصة (إذا وافق):
إذا كان هناك أمل في موافقته على استشارة مرشد أسري، فهذه خطوة ممتازة. فالمختصون لديهم الأدوات والخبرة لمساعدتكما على فهم المشكلات وحلها.
3- التدخل العائلي (بحذر شديد):
بما أنك قلت إنه يرفض التدخل، فقد يكون هذا تحديًا صعبًا. ولكن إذا وصلتِ لمرحلة اليأس ولم تعد هناك وسيلة أخرى، فيمكنكِ التحدث مع شخص موثوق به من أهلكِ أو أهله، شخص يتسم بالحكمة والقدرة على التأثير عليه، ليشرح له خطورة الوضع. ولكن كوني حذرة جدًّا في هذه الخطوة، واختاري الشخص المناسب الذي سيتعامل مع الأمر بحكمة.
4- حماية نفسكِ:
يجب أن تكون سلامتكِ الجسدية والنفسية هي أولويتكِ القصوى. فلا تتسامحي مع العنف الجسدي على الإطلاق. إذا تكرر الأمر، فلا تترددي في حماية نفسكِ بأي طريقة ممكنة، حتى لو تطلب الأمر مغادرة المنزل مؤقتًا.
وبما أن هناك عنفًا جسديًّا يتكرر، وتهديدًا دائمًا بالطلاق، فمن المهم جدًّا أن تستشيري محاميًا مختصًّا في الأحوال الشخصية، لمعرفة حقوقكِ وواجباتكِ، والخيارات المتاحة أمامكِ قانونيًّا في حال إذا لم يتم حل المشكلة.
2- تأمين مستقبلك:
حديثك عن عدم الرغبة في الإنجاب في ظل هذه الظروف، هو مهم جدًّا ومنطقي. فالأبناء يحتاجون إلى بيئة مستقرة وآمنة لينشؤوا فيها. فإذا استمرت هذه الظروف، فإن الإنجاب قد يزيد من معاناتكِ ومعاناة الأبناء مستقبلًا. وهذا تفكير حكيم منكِ.
هذا أولًا، ثم إنه من الضروري أن تبدئي في التفكير في كيفية تأمين وضعكِ الاجتماعي والاقتصادي إذا وصلتِ إلى قرار الطلاق. وهذا يشمل:
- التفكير في العودة إلى بيت أهلكِ: هل لديهم القدرة على استقبالكِ ودعمكِ نفسيًّا واجتماعيًّا وماديًّا؟
- البحث عن فرصة عمل أو تطوير مهاراتكِ: إذا كنتِ لا تعملين، ففكري في كيفية الاعتماد على نفسكِ ماديًّا.
- التعرف على حقوقكِ المالية والقانونية: استشيري محاميًا لمعرفة حقوقكِ في النفقة والمؤخر، وأي حقوق أخرى يكفلها لكِ الشرع والقانون في بلدكِ.
- بناء شبكة دعم اجتماعي: فالصديقات والعائلة والجمعيات النسائية يمكن أن تكون مصدرًا كبيرًا للدعم النفسي والمعنوي والمادي في هذه الفترة.
- الادخار: إذا كان لديكِ أي مدخرات شخصية، فحافظي عليها وخططي لكيفية استخدامها بحكمة في المستقبل.
3- صلاة الاستخارة والدعاء:
الجئي إلى الله تعالى بقلب صادق، وصلِّي صلاة الاستخارة مرارًا وتكرارًا. ادعي الله أن يلهمكِ الصواب وييسر لكِ الخير حيث كان.
وختامًا أختي الفاضلة، إن الله -عز وجل- لا يُكلِّف نفسًا إلا وسعها. والزواج هو ميثاق مقدس، ولكن ليس على حساب صحتكِ النفسية والجسدية وكرامتكِ. خذي وقتكِ في التفكير، واستشيري من تثقين في رأيه من أهل العلم والاختصاص، وتوكلي على الله. قد يكون الطلاق هو الحل الأخير عندما تستحيل الحياة الزوجية وتتحول إلى مصدر للشقاء الدائم. تذكري أن الله معكِ ولن يترككِ.
نسأل الله أن ييسر لكِ الخير حيث كان، وأن يرزقكِ الصبر والثبات والعوض الجميل.