الإستشارة - المستشار : أ. فاطمة عبد الرءوف
- القسم : أسرية
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
94 - رقم الاستشارة : 1967
18/05/2025
السلام عليكم،
أنا سيدة حامل لأول مرة وحماتي تعيش معي في نفس الشقة وهي سيدة مسنة زوجي أصغر اولادها، في رمضان الماضي أيقظني زوجي لأعد السحور وكنت أشعر بألم شديد فقلت له أنني غير قادرة فقام هو بإعداده، وقال لي طالما متألمة لا تذهبي للعمل.
وفي الصباح وجدت نفسي وقد تحسنت فقمت لاستعد للعمل، فقال لي زوجي إنني كنت أدعي المرض كي لا أعمل السحور، فنفيت ذلك. قال لي لا تذهبي للعمل اليوم.. قلت له إنني موظفة في الحكومة وأنا أوفر كل أيام الإجازة لما بعد الولادة.
فقال لي لو ذهبت للعمل اليوم لا تعودي للبيت، ولكنني عاندته وذهبت ولم أعرف بعد العمل ماذا أفعل فعدت لمنزل والدي.
وعندما علم والدي بما حدث أخذني فورًا لمنزل زوجي وحاول أن يبرر له، لكن زوجي كان سخيف جدا ومتعالي، وقال له يا حاج خذ بنتك معك لا تلزمني، ومن وقتها وحتى الآن لم يسال عني ولم يرسل لي أي مال، فهل أرفع قضية في المحكمة أطالبه بالنفقة؟ أم أرفع قضية طلاق؟
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، وأهلاً وسهلاً بك ابنتي الغالية على موقع الاستشارات الإلكترونية.
أحزنتني –حبيبتي- رسالتك وشعرت فيها كيف يتفاقم العناد لمستويات رهيبة ويكون السبب تفاصيل حياتية بسيطة كان من الممكن التعامل معها بمرونة.
تحليل المشكلة
بدأت مشكلتك بطلب زوجك أن تستيقظي وتقومي لإعداد السحور، كنت متألمة ومرهقة بسبب الحمل فقام هو بإعداد السحور ولم يضغط عليك أو يتبرم من إعداده.. لكن يبدو أنه بداخله كان ثمة شك أنك تتدللين ولست متألمة حقيقة لذلك قال ما قال عن عملك.. ويبدو لي أنه لم يكن راضيًا عن عملك ويراك تهتمين بالعمل أكثر من البيت لذلك أصر ألا تذهبي للعمل كما لم تعدي وجبة السحور.
حاولت أنت أن تشرحي له أهمية ذهابك وحفاظك على رصيدك من الإجازات، لكن هو لم يستمع لك، لقد تفاقم الأمر بالنسبة له لحد خطير فوضع حياتكم الزوجية في مقابل عملك أو لو شئنا الدقة وضع حياتكم الزوجية على ترمومتر طاعتك له.
قد ترين في موقفه تعسفًا غير مفهوم، لكنه كان بمثابة اختبار وضعه لك ليتأكد هل أنت من داخلك مؤمنة بقوامته عليك؟ هل ستطيعينه؟ أم ستكسرين كلمته؟ لقد وضع نفسه في مقابل عملك وخيّرك وأنت اخترت العمل للأسف الشديد.. هل تتصورين مدى إحباطه وخيبة أمله وأنت تخرجين من البيت بعد ما قاله لك؟
أخطأت قولاً واحدًا في خروجك للعمل في هذا اليوم.. ماذا كان سيحدث لو كنت التزمت بكلمته.. كان سينقص يوم من أيام إجازتك، لم تكن لتنهار الحياة وقتها.
أقدر توترك بعدها وذهابك لبيت أسرتك، وأقدر موقف والدك بشدة فهو أدرك خطأك بذهابك للعمل في هذا اليوم وأخذك بنفسك لبيت زوجك، لكن موقف زوجك كان بالغ السوء، فقد أصر على كلمته أو على وجه الدقة تهديده بطريقة متعسفة، فلربما كان هذا هو خطأك الأول بالإضافة لكونكم تنتظرون طفلاً.
فكان على زوجك أن يكون أكثر مرونة، كان عليه أن يقدر والدك الذي لم يقبل بالخطأ وأنه جاء بنفسه حتى بيته ومعه ابنته.. كان من الممكن أن يجلس معه ويشكو.. كان من الممكن أن يطلب اعتذارك.. كان من الممكن أن يطلب أن تحصلي على إجازة طويلة من العمل أو حتى يطلب أن تتركيه نهائيًّا وتتفرغي للبيت، لكنه اشتط في عناده وزيّن له الشيطان إصراره على طردك من البيت وتعامل مع والدك بأسلوب غير لائق بالمرة، ولم يحاول على مدار ما يقارب من ثلاثة شهور أن يتراجع عن موقفه وتجاهلك تمامًا.
تقييم وحلول
إذا كنت أنت أخطأت في البداية فهو أيضًا أخطأ في رد فعله وتماديه في العناد، ونحن نريد كسر دائرة العناد هذه، وتوجهك للمحكمة لا يخدم هذه الفكرة أبدًا.. العكس تمامًا هو الصحيح فالمواجهة في ساحة القضاء تورث الشحناء وتقضي على بذور الحب والمودة بل يمكن القول إنها الطريق السريع للفرقة والانفصال.
وأنا أريدك أن تنبذي فكرة الطلاق هذه فهي أهم أهداف الشيطان (إن الشيطان يضع عرشه على الماء، ثم يبعث سراياه في الناس فأقربهم عنده منزلة أعظمهم عنده فتنة يجيء أحدهم فيقول: ما زلت بفلان حتى تركته وهو يقول كذا وكذا. فيقول إبليس: لا والله، ما صنعت شيئًا. ويجيء أحدهم فيقول: ما تركته حتى فرقت بينه وبين أهله. قال: فيقربه ويدنيه ويلتزمه، ويقول: نعم أنت) رواه مسلم.
بنيتي ما ذنب طفلك أن يولد فلا يجد أمه وأباه معًا؟ وينمو ومشاعر الحرمان من أحدهما تنغص عليه حياته.
زوجك شخصية عنيدة نعم، لكن يمكنك التعامل معها إذا امتلكت مفتاحها.. أنت لم تشكي منه في شيء آخر، وهو يبدو على قدر من التعاون والاهتمام يدل على هذا موقفه أثناء سحور رمضان، وكما تعلمين لا توجد شخصية مثالية، وكل إنسان فيه نقاط قوة ونقاط ضعف، والزوجة الذكية تجيد التعامل مع هذه النقاط في رجلها فتستثمر نقاط قوته وتتحسس نقاط ضعفه عبر اهتمامها ببناء خريطة لهذه النقاط وخريطة أخرى لما يحبه وما يرفضه.. خريطة حية مليئة بالتفاصيل تقومين بها بعد الصلح مع زوجك بمشيئة الله.
لذلك أنصحك أن تتواصلي معه عبر وسائل التواصل الاجتماعي أو عبر الهاتف.. اتصلي عليه وتحدثي معه برفق ولين واعتذري منه، وقولي له إنك لا تريدين للشيطان أن يفرق بينكما وذكريه بطفلك ومستقبله.. حتى إن لم يستجب أول مرة.. تواصلي معه مرة ثانية واعتذري مرة ثانية، هذا لا يقلل من كرامتك أبدًا فأنت تسعين إلى الإصلاح وهو زوجك فليس في الأمر ما يقلل من كبريائك، واقرئي هذه الاستشارة عن الاعتذار لماذا يصعب علي الاعتذار عن أخطائي؟
فإن لم يتجاوب معك فتواصلي معه مرة ثالثة وأخيرة، وقولي له إنك بذلت أقصى ما استطعت من جهد والله شاهد علي.. فإن لم يتجاوب فجربي الوساطة الودية لشخصية لها تأثير عليه يمكنك أن توسطي والدته فقد تشفق على حفيدها المستقبلي فإن لم تتجاوب فليكن الحكمان أحدهما من جهتك والآخر من جهته يطلبان منه أن يختار ﴿فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ﴾ (البقرة: 229).
فإن لم يثمر ذلك كله عن لين في قلبه وزحزحة لموقفه، فليس أمامك سوى اللجوء للقضاء، ولا داعي لحزمة القضايا المعروفة كلها، ابدئي واحدة فقط كجس نبض، فنحن نريد أن نمنح له فرصة ليتراجع.. يسر الله أمرك وأسعد قلبك ووفقك في مسعاك، وتابعيني بأخبارك دائمًا.