عباداتي باردة روتينية.. كيف أستعيد حرارة قلبي؟

Consultation Image

الإستشارة
  • المستشار : أ. فتحي عبد الستار
  • القسم : روح العبادات
  • التقييم :
  • عدد المشاهدات : eye 45
  • رقم الاستشارة : 2875
05/10/2025

أنا موظف متزوج ولدي أولاد، وحياتي بفضل الله مستقرة وأموري منتظمة.

أنا ملتزم بأداء الفرائض من صلاة وصيام، وأواظب على تلاوة القرآن الكريم بانتظام، ولكنني مؤخرًا أصبحت أشعر أنني أؤدي هذه العبادات كروتين بارد لا أكثر.

لقد تضاءل عندي الخشوع والتأثر القلبي بشكل مقلق، بل أحيانًا أنهي الصلاة ولا أستحضر جيدًا ما قرأت فيها من آيات وأذكار. هذا الشعور يثير في نفسي الخوف والوجل، وأخشى أن أكون ممن عناهم الله بقوله: "يُراؤون".

أرجو منكم الإفادة والنصح في ثلاثة جوانب:

أولًا: ما هي الوسائل العملية التي تعينني على إعادة الحيوية والحرارة لصلتي بالله وعباداتي؟

ثانيًا: هل يُقبل العمل شرعًا إذا خلت منه حرارة القلب والخشوع؟ وما مدى تأثير هذا البرود على القبول؟

الإجابة 05/10/2025

مرحبًا بك أيها الأخ الكريم، وأشكر لك تواصلك معنا، سائلًا المولى -عز وجل- أن يوفقك لكل خير، وأن يشرح صدرك، وأن يمنَّ عليك بزيادة في الإيمان واليقين، وأن يرزقنا وإياك لذة العبادة وحلاوة القرب منه، سبحانه وتعالى، وبعد...

 

فإن شعورك هذا -أخي الحبيب- هو في الحقيقة علامة على يقظة قلبك وحياته، وليس دليلًا على مرض أو نفاق كما قد تظن! فالإنسان الذي لا يبالي ببرود عبادته وفتور قلبه هو الغافل حقًّا.

 

فطرة القلب بين شِرَّة وفَترة

 

أخي الفاضل، إن القلب البشري كالتربة التي تحتاج إلى ري دائم وتعهد مستمر. ومثلما أن حياتنا الزوجية أو الوظيفية قد يعتريها نوع من الرتابة والملل إن لم تتجدد، فإن علاقتنا مع الله -عز وجل- هي أحوج ما تكون إلى التجديد والتنويع واليقظة، فالفتور أمر طبيعي يمر به كل سالك في طريق الله جل وعلا.

 

ولقد وصف النبي ﷺ هذا الأمر بقوله: «إنَّ لكلِّ عملٍ شِرَّةٌ ولكلِّ شِرَّةٍ فَتْرَةٌ، فمن كانت شِرَّتُه إلى سنَّتي فقد أفلح، ومن كانت فَتْرَتُه إلى غيرِ ذلك فقد هلكَ» [رواه أحمد]. والشِّرَّة هي النشاط والقوة في الشيء، والفَتْرة هي السكون والضعف. المهم ألا تستسلم للفتور؛ بل أن تسدِّد وتقارب، أي تعمل ما تطيق وتستمر على الحد الأدنى من الطاعات والفرائض، ولا تتركها.

 

إن خوفك من أن تكون ممن يُراؤون هو خوف محمود، ولكن تذكَّر أن الفرق بين الرِّياء والبرود الروتيني فرقٌ كبير. المُرائي هو من يقصد بعمله نظر الناس والثناء منهم، بينما أنت تشعر ببرودك في خلوتك وصلاتك التي هي بينك وبين ربك، وهذا يدل على صدق إرادتك لتطهير قلبك لا إظهار عملك للناس.

 

وسائل لإعادة الحرارة لعباداتك

 

لإعادة إشعال جذوة الحب والشوق في قلبك، يجب أن تنظر للعبادة على أنها لقاء خاص وموعد مقدس بينك وبين الله، وليس مجرد عمل يؤدَّى لإسقاط الواجب. وإليك بعض الوسائل لذلك:

 

1- الاستعداد الروحي للصلاة:

 

الصلاة هي عمود الدين وأعظم عبادات البدن؛ فقبل أن تتوضأ وتصلي، استقطع دقيقة واحدة تتذكر فيها مَن ستقف بين يديه. تذكَّر عظمة الله، وتذكَّر أنك الآن ستتكلم معه، وتطلب منه، وتناجيه. توضأ بإسباغ، واسعَ لمسجدك أو موضع صلاتك في خشوع وذِكْر.

 

2- تدبَّر ما تقرأ في صلاتك:

 

عندما تقرأ الفاتحة والآيات بعدها، لا تسرع ولا تسرح؛ بل رتِّل ترتيلًا وتأمَّل وتدبر كل كلمة. استحضر معنى: «مالك يوم الدين»، ومعنى «إياك نعبد وإياك نستعين». استشعر أن الله يرد عليك! لقد جاء في الحديث القدسي: «قسمتُ الصلاةَ بيني وبين عبدي نصفينِ، نصفُها لي ونصفُها لعبدي، ولعبدي ما سألَ، فإذا قالَ: {الحمدُ للهِ ربِّ العالمين} قالَ اللهُ: حمِدني عبدي، وإذا قالَ: {الرَّحمنِ الرَّحيمِ} قالَ اللهُ: أثنى عليَّ عبدي، وإذا قالَ: {مالكِ يومِ الدينِ} قال اللهُ عز وجل: مجَّدني عبدي (وفي روايةٍ: فوَّضَ إليَّ عبدي)، وإذا قالَ: {إياكَ نعبدُ وإياكَ نستعينُ} قال: فهذه الآيةُ بيني وبين عبدي نصفينِ، ولعبدي ما سألَ، فإذا قالَ: {اهدنا الصراطَ المستقيمَ صراطَ الذين أنعمتَ عليهم غيرِ المغضوبِ عليهم ولا الضالينَ} قال: فهؤلاءِ لعبدي ولعبدي ما سألَ» [رواه مسلم].

 

3- تغيير الآيات والأذكار: إن التنوع والتغيير يقتل الروتين. فلا تقتصر على قراءة سور وآيات معينة، ونوِّع في أذكار الركوع والسجود والرفع منها. فإن لكل ذكر ودعاء لذة خاصة تفقدها النفس إذا اعتادت على صيغة واحدة.

 

4- اقرأ القرآن بقلبك لا بلسانك فقط:

 

لقد ذكرت أنك تواظب على تلاوة القرآن، وهذا عظيم، ولكن لجعله أكثر تأثيرًا في قلبك، اجعل لنفسك وقفة تدبر يومية ولو قصيرة (خمس دقائق). اقرأ فيها آية واحدة، وطالع تفسيرها، وتأمل معناها بعمق، وحاول تطبيقها على حالك.

 

استشعر وأنت تقرأ القرآن أنك تقرأ رسائل من خالقك ومحبك: ﴿كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الأَلْبَابِ﴾ [ص: 29].

 

5- تجديد النيات وتنويعها:

 

النية هي وقود العبادة. فقبل أي عمل صالح استجمع نياتك. فمثلًا صلاة الفجر، انوِ بها: إرضاء الله، الاقتداء بالنبي، طلب النور يوم القيامة، الإعانة على بركة اليوم... إلخ، فتعدد النيات يحوِّل العمل الروتيني إلى عبادات متجددة.

 

6- تحرِّي «الإحسان»:

 

حاول أن تصل إلى مرتبة «الإحسان»، وهي «أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ» [رواه البخاري]. فهذا التركيز على رقابة الله الدائمة يشعل في القلب حرارة ويقظة لا مثيل لها.

 

7- الخلوة بالله:

 

إن العبادات السرية هي غذاء عظيم ومدد عظيم للروح والقلب، فهي حصن من الرِّياء، وتأكيد للإخلاص. فاحرص -مثلًا- على قيام الليل، ابتغاء فضل الله الذي وعد به القائمين بالليل يدعونه خوفًا وطمعًا: ﴿تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ  فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [السجدة: 16 و17].

 

وكذلك احرص على صدقة السر، ولو بمبلغ بسيط لا يطلع عليه أحد إلا الله؛ فإن الصدقة تطفئ غضب الرب، وتزيد من قوة إيمانك ويقينك.

 

هل يُقبل العمل إذا خلا من الحرارة والخشوع؟

 

أخي الكريم، لا شك أن هناك فرقًا بين الصحة والقبول، فالعمل يُقبل -بإذن الله- من حيث إسقاط الفريضة إذا كانت النية فيه خالصة لله، وتوفرت فيه شروطه وأركانه. فإن الصلاة إذا خلت من الخشوع فهي صحيحة شرعًا، ولا تلزمك إعادتها، وتسقط عنك، وتبرأ بها الذمة. وهذا من فضل الله علينا ورحمته بنا وتخفيفه علينا.

 

ولكن كلما زاد الخشوع، زاد الأجر والمثوبة. فالصلاة التي تؤدَّى دون خشوع تُسقط الفرض، ولكن أجرها قد يكون قليلًا جدًّا بالمقارنة بالصلاة الخاشعة. يقول النبي ﷺ: «إنَّ الرَّجلَ لينصرِفُ، وما كُتِبَ لَه إلَّا عُشرُ صلاتِهِ، تُسعُها، ثُمنُها، سُبعُها، سُدسُها، خُمسُها، رُبعُها، ثُلثُها، نِصفُها» [رواه أبو داود]. فالأجر يتفاوت بتفاوت حضور القلب وخشوعه.

 

ختامًا أخي الكريم، استمر في المجاهدة، وإياك أن تيأس أو تستسلم للفتور. استعن بالله وادعُه بصدق: «يا مقلب القلوب، ثبت قلبي على دينك، اللهم ارزقني لذة القرب وحلاوة العبادة».

 

وتذكَّر أن أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قَلَّ، وأن الشيء القليل الذي تفعله بحرارة أفضل من كثير تفعله بغفلة. وثق أن خوفك هذا هو بذرة خير ستُزهر وتُثمر بإذن الله.

 

أسأل الله أن يفتح عليك فتوحات العارفين، وأن يملأ قلبك بخشيته ومحبته.

 

روابط ذات صلة:

العبادات الآلية الشكلية.. كيف نعيد الروح إليها؟

كيف أقرأ القرآن وأتدبره بطريقة غير روتينية؟

حين يصبح قيام الليل مجرد روتين.. كيف أستعيد لذته؟

كيف أستشعر معاني الدعاء وأتذوق أثره؟

الرابط المختصر :