الإستشارة - المستشار : د. رجب أبو مليح محمد
- القسم : فقه الأسرة
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
194 - رقم الاستشارة : 2928
11/10/2025
ما المدة التي يمكن أن يغيب الزوج فيها عن زوجته ، وهل لهذا حد في الشرع، وهل من حق الزوجة أن تطالب بها قضاء ؟
بسم الله، والصلاة والسلام على رسول الله، وآله وصحبه وسلم تسليمًا، وبعد:
فالراجح أنه لا يوجد مدة محددة يمكن للزوج أن يغيبها عن زوجته، فمرد ذلك إلى التفاهم والتراضي بين الزوج وزوجته، وهو أمر يختلف من زمان إلى زمان ومن مكان إلى مكان، ومن شخص إلى آخر، فقد تصبر المرأة الكبيرة ولا تصبر الشابة الصغيرة.
مدة الغياب
وبعض الفقهاء اعتمد على ما فعله عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – عندما حدد ستة أشهر بعد استشارة حفصة رضي الله عنها، وبعضهم وهو ما نرجحه للفتوى يرى أن اجتهاد عمر ورأي حفصة رضي الله عنهما كان خاصًّا بزمانهم ومكانهم وأحوالهم.
وما نريد أن نؤكد عليه هنا أن الرجل والمرأة هما أقدر الناس على تحديد هذه المدة ولا يحمل الخجل أو الحياء المرأة أن تبوح بهذا السر لزوجها وتطلب حقها في عفتها، وهذا أكرم لها وله وللمجتمع من الوقوع في المعصية أو هدم الأسرة لا قدر الله.
البعد يسبب الفراغ والقلق
يقول الشيخ عطية صقر رحمه الله – في فتوى مشابهة-:
إن كلا من الزوجين حين يبتعد أحدهما عن الآخر يحس بالفراغ وينتابه القلق ويتعطش للاطمئنان على نصفه الآخر، ويغذي هذا الشعور أمران:
أحدهما يحتاجه الجسد، والآخر يحتاجه القلب، وإذا طال أمد البعد قوي ألم الفراق، وربما أورث مرضًا أو أمراضًا، وعند طلب العلاج قد يكون الزلل إن لم يكن هناك عاصم من دين وحصانة من أخلاق؟
وقد جاء في المأثور أن عمر رضي الله عنه سمع –وهو يتفقد أحوال رعيته ليلاً- زوجة تنشد شعرًا تشكو فيه بُعْدَ زوجها عنها لغيابه مع المجاهدين، وتضمن شعرها تمسكها بدينها وبوفائها لزوجها، ولولا ذلك لهان عليها بعده، وذلك بآخر يؤنسها في غيبة الزوج.
اختلاف أثر البعد من امرأة لأخرى
إن بُعد الزوج عن زوجته -حتى لو وافقت عليه حياء أو مشاركة في كسب يفيدهما معًا- يختلف في أثره عليها، ولا تساوى فيه الشابة مع غيرها، ولا المتدينة مع غيرها، ولا من تعيش تحت رعاية أبويها مع من تعيش وحدها دون رقيب، وإذا كنت أنصح الزوجة بتحمل بعض الآلام لقاء ما يعانيه الزوج أيضًا من بعد عنها فيه مصلحتهما معا، فإني أيضا أنصح الزوج بألا يتمادى في البعد، فإن الذي ينفقه حين يعود إليها في فترات قريبة سيوفر لها ولأولاده سعادة نفسية وعصمة خلقية لا توفرها المادة التي سافر من أجلها، فالواجب هو الموازنة بين الكسبين، وشرف الإنسان أغلى من كل شيء في هذه الحياة، وإبعاد الشبه والظنون عن كل منهما يجب أن يعمل له حسابه الكبير.
ولئن كان عمر رضي اللّه عنه بعد سؤاله حفصة أم المؤمنين بنته قد جعل أجل الغياب عن الزوجة أربعة أشهر، فإن ذلك كان مراعى فيه العرف والطبيعة إذ ذاك، أما وقد تغيرت الأعراف واختلفت الطباع، فيجب أن تراعى المصلحة في تقدير هذه المدة، وبخاصة بعد سهولة المواصلات وتعدد وسائلها.
ومهما يكن من شيء فإن الشابة إذا خافت الفتنة على نفسها بسبب غياب زوجها فلها الحق في رفع أمرها إلى القضاء لإجراء اللازم نحو عودته أو تطليقها، حفاظًا على الأعراض، ومنعا للفساد، فالإسلام لا ضرر فيه ولا ضرار. انتهى.
والله تعالى أعلى وأعلم.
روابط ذات صلة:
زوجته تلومه على اغترابه للرزق.. الغربة مشتركة!