Consultation Image

الإستشارة
  • المستشار : أ. مصطفى عاشور
  • القسم : فكرية
  • التقييم :
  • عدد المشاهدات : eye 84
  • رقم الاستشارة : 1963
16/05/2025

ما قصة أول دكتوراه غربية تم إعدادها عن الحج عام 1880م ولماذا هذا الاهتمام الغربي المبكر بالحج؟

الإجابة 16/05/2025

الحقيقة أن هذا السؤال ذو أهمية، يمكن النظر إليها من عدة جوانب، منها أنه يكشف عن حجم وطبيعة الاهتمام الغربي المبكر بفريضة الحج، تلك الفريضة التي تُحدث تغييرًا شاملاً في حياة الكثير من الحجاج الذين يعودون ممتلئين بالإسلام، مجتهدين للدفاع عنه بعدما رأوا حجم قوة وتنوع المسلمين في العالم.

 

القناعات الإيمانية التي يعود بها الحجاج، لها تأثيرها قديمًا وحديثًا في علاقة المسلمين مع القوى الغربية؛ ففي الفترة الاستعمارية، التي امتدت من بدايات القرن التاسع عشر، وحتى ما بعد منتصف القرن العشرين، كان الاستعمار يشعر بـتأثير فريضة الحج على هيمنته على الشعوب المسلمة، خاصة مع اشتعال الانتفاضات ضد الاستعمار ومحاولات التخلص من استغلاله، أما تأثير الحج في فترة ما بعد الاستعمار، فإن الحج يُحدث خلخلة في الهيمنة الثقافية الغربية على المسلمين.

 

في ضوء هذه المقدمة يمكن استعراض قصة أول دكتوراة عن الحج أعدها المستشرق الهولندي "كرستيان سنوك هورخرونيه" عام 1880م باللغة الهولندية في جامعة "ليدن" ثم استكملها بادعائه الإسلام وذهابه إلى الحجاز عام 1884م ليحضر موسم الحج، مدعيًا أنه مسلم وأن اسمه "عبد الغفار"، فعاش في مكة قرابة ستة أشهر، قبل أن يُطرد منها بتحرض من قنصل فرنسا في جدة.

 

ولد "سنوك" في هولندا عام 1857م، وفي نوفمبر من العام 1879م، حصل على الدكتوراة التي كان عنوانها "موسم الحج في مكة" والتي طُبعت في مطلع عام 1880م، وفي هذه الرسالة العلمية بيّن أهمية الحج بالنسبة للمسلمين وطبيعة شعائره، إلا أنه رأى أن الحج من بقايا الوثنية العربية.

 

ولكن قبل استكمال الحديث عن بقية رسالة "سنوك" عن الحج، نؤكد أن السبب الكامن وراء اهتمام الهولنديين بالحج، هو أن الحجيج في منطقة شرق آسيا وتحديدًا ما يعرف بإندونيسيا حاليًا أو ما كان يعرف حينها بـ"جاوة" والتي خضعت للاستعمار الهولندي، كان الحج يُحِدث تغيير جذريًّا في نفوس المسلمين الجاويين، وكان بعض من هؤلاء يقودون المقاومة ضد الاستعمار الهولندي، ذلك الاستعمار الذي بدأ يطرق تلك المناطق مع تأسيس هولندا لمستعمرة جزر الهند الشرقية الهولندية (إندونيسيا حاليًا) عام ١٨٠٠م.

 

وبعد عقود من المقاومة الإسلامية تنبهت هولندا لأهمية الاستعانة بالمستشرقين لفهم الإسلام وفهم طبيعة المسلمين الجاويين كخطوة ضرورية لوأد تلك المقاومة، ومن هنا جاء الاهتمام بضرورة فهم فريضة الحج.

 

بدأ "سنوك" رحلته للحج، متخفيًا تحت اسم "عبد الغفار"، ذلك الشخص الذي أسلم وينتوي الحج، كان "سنوك" يتقن العربية، ومع أغسطس 1884م وضع أقدامه في مدينة "جدة" وأقام فيها ستة أشهر، استطاع فيها أن يتقن اللهجة الحجازية.

 

ومع مطلع فبراير 1885م انطلق إلى مكة المكرمة، وأقام فيها ستة أشهر أخرى، استطاع خلالها إقامة علاقات جيدة مع عدد من علمائها وأعيانها، وفي تلك الفترة كان يُدون دقائق الأمور عن مكة وطبيعة المجتمع المكي، كان هدفه التعرف عن كثب على الحياة اليومية لأهل مكة وآلاف المسلمين من جميع أنحاء العالم الذين يعيشون في مكة، معرفة قائمة على الاختلاط والمعايشة وليس من خلال الأوراق والكتب.

 

وعندما أصدر "سنوك" كتابيه عن رحلته إلى مكة عامي 1888 و1889م، وهو في الـ(31) من عمره، كان يخط منهجًا جديدًا للمستشرقين، وهو أن تكون معرفتهم مبنية على الواقع، ولعل هذا ما حدا بأستاذه المستشرق الكبير "ثيودور نولدكه" أن يبدي إعجابه بـ"سنوك" وما كتبه عن المجتمع المكي ورحلة الحج، وقال "نولدكه" إنه لم يُكتب شيء دقيق وشامل وموثوق عن السكان الشرقيين مثل ما قام به "سنوك"، وكانت تلك إشادة كبيرة.

 

وفي 17 أكتوبر 1885م، عاد "سنوك" إلى منزله، وبعد بضعة أشهر، بدأ بنشر مقالات في الصحف الهولندية والألمانية والمجلات العلمية عن مكة والحج وطبيعة المجتمع المكي.

الرابط المختصر :