Consultation Image

الإستشارة
  • المستشار : أ. مصطفى عاشور
  • القسم : شبهات وردود
  • التقييم :
  • عدد المشاهدات : eye 30
  • رقم الاستشارة : 2129
17/07/2025

هل يقف الشر وراء انتشار الإلحاد في الوقت الراهن؟ وكيف نفهم تمادي الشر خاصة إذا كان الأشرار يزدادون قوة وطغيان؟

الإجابة 17/07/2025

الحقيقة أن سؤالكم يلامس سطحًا ساخنًا من الإشكالات الدينية والسياسية والنفسية لملايين البشر على اختلاف انتماءاتهم؛ فالمتابع للطغيان والظلم المنتشرة يتساءل عن أسباب هذا الطغيان والشر المتفشي، ولماذا لا تتدخل السماء لردع هؤلاء الطغاة، وقمع الشر وتخفيف الظلم عن المظلومين؟

 

وقد ظهر هذا الإشكال بقوة عقب الإخفاقات التي لحقت بالربيع العربي، وعقب حالات القتل المروعة والممتدة لسنوات طويلة في سوريا، كذلك طرح الإشكال مع العدوان الإسرائيلي على غزة والذي يقترب من عامه الثاني، والذي أباد أكثر من 10% من سكان غزة، وهدم قرابة الـ80% من مبانيها.

 

وقبل أن نبدأ في مناقشة قضية الشر، نشير إلى ملاحظة وهي أن سؤال الشر لم نلحظ وجوده في أدبيات الثورة الجزائرية والتي اشتعلت في نوفمبر 1954 وحصلت على التحرير عام 1962م، بتضحيات ضخمة قُدّرت بمليون ونصف المليون شهيد، بخلاف حالات التعذيب المروعة والتهجير وكل الأفعال غير الإنسانية التي ارتكبها المستعمر الفرنسي، ولعل عدم طرح ذلك السؤال في تلك الفترة ربما يرجع إلى أن الثورة ركّزت على الأسئلة الحقيقية في التحرير وما يقتضيه من تضحيات كبيرة.

 

وهنا يكون السؤال المطروح لماذا تجدد سؤال الشر في السنوات الأخيرة؟ ولماذا الإصرار على أن يكون الإلحاد هو الإجابة على سؤال الشر؟

 

سؤال الشر أصبح أكثر حضورًا من ذي قبل، ولعل ذلك يرجع إلى تزايد الحساسية ضد الشر والظلم وضعف القدرة على تحمل المظالم، أضف إلى ذلك فهناك توسع في حجم المظالم في العالم، أضف إلى ذلك أن وسائل الاتصال الحديثة ساهمت في نقل الظلم لحظة وقوعه ونقل بشاعات القتل والدماء مباشرة إلى مئات الملايين من البشر؛ وهو ما ساهم في طرح سؤال الشر باستمرار، أضف إلى ذلك أن كثيرًا من العوامل التي كان تخفف وطأة الإحساس بالظلم عن النفوس أصبحت أقل من ذي قبل، فأصبحت النفوس تحتك مع الإحساس بالظلم مباشرة دون أي مادة وسيطة.

 

وعلى المستوى الفلسفي يكاد يكون إشكال الشر يتمحور حول ثلاث قضايا كبرى، هي: لماذا يوجد الشر؟ وهل الشر صادر عن الخالق سبحانه وتعالى؟ ولماذا لا تتدخل السماء لوقف تلك الشرور والمآسي؟

 

والحقيقة أن الكثيرين ممن يناقشون سؤال الشر يخرجون منه إلى نفي وجود الله سبحانه وتعالى، أو وصف الخالق سبحانه وتعالى بما لا يليق، ومن ثم فإن إجابة هؤلاء الملحدين تتراوح بين حد إنكار وجود الله، أو القدح في ذاته وصفاته، وكلاهما من الإلحاد الصريح.

 

وإذا أردنا فهم إشكالية الشر فلا بد من تأسيسها على الاعتقاد الصحيح والإيمان بالغيب، وهذا الغيب لا يستطيع الإنسان إخضاعه لحواسه، فهو فوق القدرة العقلية التي منحها الله تعالى للإنسان، كذلك ضرورة فهم حدود القدرة الإنسانية، سواء على مستوى الفعل أو إدراك الحكمة مما يجري في الكون، كذلك لا بد من استحضار مفهوم اليوم الآخر ويوم القيامة عند مناقشة إشكالية الشر، كما أن فهم حقيقة الحياة الدنيا وأنها دار ابتلاء واختبار للإنسان على فعل الخير ومقاومة الظلم وتجنبه، وأن الدنيا ليست دار جزاء وليست نهاية المطاف لهؤلاء الطغاة والظلمة ولكنْ هناك يوم للحساب والجزاء الذي يحاسب فيه الإنسان على فعل ذرة الخير أو ذرة من الشر... كل هذا يضع سؤال الشر في طريق الإجابة الصحيحة.

 

ومن هنا فإن العقل المؤمن أقدر على الإجابة على سؤال الشر بخلاف العقل الملحد الذي يستسلم لإنكار وجود الخالق سبحانه كرد فعل على الظلم.

 

العقل المؤمن يعتبر الظلم ابتلاء، وهذا الابتلاء يجب دفعه إذا امتلك الإنسان القدرة، أو الصبر عليه واللجوء إلى الخالق سبحانه وتعالى لتخفيف وطأة هذا الظلم أو دفعه.

 

كذلك فإن العقل المؤمن يعتبر الظلم صفحة ستُطوى وأن الظلم استثناء في الحياة وليس هو الأصل، كذلك فإن العقل المؤمن يؤمن بعدالة السماء في اليوم الآخر في عقاب الظلمة والطغاة وفي تعويض المظلومين.

 

والعقل المؤمن يعتقد أن الظلم ليس خروجًا على إرادة الله، وأن للخالق سبحانه وتعالى حكمة قد لا تدركها عقولنا في تلك اللحظة التي يتفشى فيها الظلم، ولكن العقل المؤمن على يقين أن لهؤلاء الطغاة نهاية، وأن تاريخ الإنسان على تلك الأرض يشهد بمصارع الطغاة والظالمين الذين ظن الناس أن ظلمهم باق ولن يزول.

 

ولعل الآية (42) في سورة إبراهيم في قوله تعالى: {وَلاَ تَحْسَبَنَّ ٱللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ ٱلظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ ٱلأَبْصَارُ} تقدم إجابة وافية على سؤال الشر، يقول الإمام الفخر الرازي في تفسيره "مفاتيح الغيب": إن البعض يظن أن الله تعالى "لو لم ينتقم للمظلوم من الظالم، لزم أن يكون إما غافلاً عن ذلك الظالم أو عاجزاً عن الانتقام، أو كان راضياً بذلك الظلم، والغفلة والعجز والرضا بالظلم محال على الله"، ومن ثم المراد من الآية "ولا تحسبنه يعاملهم معاملة الغافل عما يعملون، ولكن معاملة الرقيب عليهم المحاسب على النقير والقطمير".

الرابط المختصر :