الإستشارة - المستشار : د. عادل عبد الله هندي
- القسم : إيمانية
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
73 - رقم الاستشارة : 1995
18/05/2025
أنا امرأة متزوجة، أعيش مع زوجي وأولادي في بيت مستقر، لا مشاكل كبيرة تُذكر، والحياة تسير بشكل طبيعي وهادئ، لكني لا أشعر بالسعادة! لا أدري لماذا؟! أشعر أن شيئًا ما ينقصني، وكأن في داخلي فراغًا لا يُملأ رغم هدوء الحياة حولي.
كيف أطمئن إلى حياتي؟ وكيف أشعر بالسعادة مع زوجي وأولادي في هذه الحياة الهادئة؟ دلّوني على الطريق.. أرشدوني إلى سعادة حقيقية تنبع من الداخل ولا تزول بتغيُّر الظرف.
أختي الفاضلة، سلامٌ على قلبكِ الذي يسأل عن السعادة في زمنٍ باتت فيه المُلهيات تُشبع الجسد وتُجَوِّع الروح، وسلامٌ على صدقكِ الذي يكشف عن حسٍّ مرهفٍ ووعيٍ نادرٍ في هذا الزمان.
اعلمي -حفظك الله- أن السعادة ليست دائمًا صخبًا وضحكًا، ولا تعني الغياب التام للأحزان أو الهموم، بل قد تكون في قلبٍ مطمئنٍ، وروحٍ متزنةٍ، ورضًا داخليٍّ عميقٍ، حتى وسط الهدوء التام.
أولًا: لماذا لا نشعر بالسعادة أحيانًا رغم استقرار الحياة؟
* لأننا نبحث عنها خارج أنفسنا، في الزوج، في المال، في الإنجازات، بينما هي تنبع من الداخل.
* لأن الروح حين تُهمل تجف، حتى وإن امتلأت خزائن الدنيا.
* لأن القلب حين يُحبس في دائرة "المعتاد" دون تجديد، يخفت نبضه بالحياة، قال الله تعالى: ﴿أَلَا بِذِكْرِ ٱللَّهِ تَطْمَئِنُّ ٱلْقُلُوبُ﴾، فالقلب لا يطمئن بزوج ولا بولد، وإنما بالله.. وإن وُجد اللهُ، سكنتْ النفس، واستقرت الروح، وشعرتِ بقيمة كل نعمة مهما بدتْ بسيطة.
ثانيًا: كيف تشعرين بالسعادة وسط هدوء الحياة الزوجية؟
السعادة ليست شعورًا ثابتًا، بل هي قرارٌ ونتيجةٌ وثمارٌ لمقدمات. ولأجل ذلك "قد أفلح من أسلم، ورُزق كفافًا، وقنَّعه الله بما آتاه"، فيه ثلاثية ذهبية للسعادة: (إيمان ورضا بالمقسوم واقتناع القلب).
ثالثًا: خطوات عملية لتجديد سعادتك وشعورك بالحياة:
1. جدِّدي نيتك مع الله في زواجك وأمومتك، اجعليها عبادة.. أن تربي أولادك لله، وتُسعدي زوجك لله، وتبني بيتًا يُرضي الله، قال ﷺ: (إنما الأعمالُ بالنيات).
2. جدِّدي الشكر على النعم، ولو بالعدّ والتدوين، قال الله تعالى: ﴿وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ﴾، فالشكر يُنبت السعادة في القلب قبل أن يزيد النعم في الواقع.
3. مارسي عبادة التأمل: نعم.. خصصي 10 دقائق يوميًّا للتفكر في نعمة البيت، نعمة الزوج، ضحكات الأولاد.. تأملي لا تنشغلي، تعمقي لا تمُري مرور الكرام.
4. افتحي نافذة جديدة للروح، كورد يومي من القرآن، حتى ولو صفحة،
ركعتي الضحى، أو دعاء من القلب كل فجر، ودمعة بين يدي الله.
5. شاركي زوجك وأولادك لحظات السعادة البسيطة، مثل نزهة، ضحكة، طبخة جديدة، لعبة جماعية، لحظات بها مشاعر لا كلمات.
6. ابتعدي عن وسائل التواصل عند بداية ونهاية اليوم، واستبدلي بها قراءة، أو لحظة خلوة مع النفس.. أو حضنًا لأحد أولادك.
7. ارسمي أهدافًا صغيرة لنفسك: تعلُّم مهارة، قراءة كتاب، مشروع تطوعي، مشاركة في نشاط دعوي أو مجتمعي، فالسعادة لا تأتي من الاستهلاك بل من الإنتاج والعطاء.
واسمحي لي أن أختم الاستشارة ببعض الوصايا العملية النافعة إن شاء الله تعالى:
* لا تربطي سعادتك بشخص، بل بالله.
* أحيي نيتك في كل عمل: الأمومة، الخدمة، الطبخ، الترتيب.. اجعليها عبادة.
* ابتعدي عن مقارنة حياتك بغيرك.. فالمقارنات تسرق السكينة.
* جدِّدي العلاقة مع زوجك: بالكلمة الطيبة، النظرة الودودة، لمسة الحنان.
* خصصـي وقتًا لنفسك بعيدًا عن الأعباء.. ساعة للذات ليست أنانية بل ضرورة.