الإستشارة - المستشار : أ. فاطمة عبد الرءوف
- القسم : قضايا التعدد
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
32 - رقم الاستشارة : 2059
25/05/2025
زوجي كان يحب فتاة منذ خمسة عشر عاما ولما تقدم لها أهلها رفضوه لأنه لم يكن مستعدا ماديا وتزوجني ورضيت بظروفه وكنا نعيش حياة هادئة مستقرة حتى تطلقت هذه السيدة التي كان يحبها ومن وقتها وزوجي ليس طبيعيا وذهب وتقدم لها بعد انتهاء عدتها وهي اشترطت عليه أن أوافق أنا حتى يتم الزواج .. وهو الان يحاول اقناعي بكل الطرق انني لن اتأثر من زواجه بها وانا اعلم انه لن يظلمني ماديا لكن هو يحبها اكثر مني بكثير فهي حلم عمره كما فهمت من كلامه فهل أقبل أم اطلب انا الطلاق أم اصر على موقفي واترك له حرية الاختيار
أختي الكريمة، أهلاً وسهلاً ومرحبًا بك في موقعك.. موقع الشبكة الالكترونية للاستشارات الذي أطلقته مجلة المجتمع..
أعلم أن ما قاله لك زوجك كان صادمًا وغير متوقع، وما يطلبه منك صعب على نفسك.. أقدر شعورك بشدة، وكيف أن بعد سنوات من الزواج والاستقرار يعود شبح الماضي ليطل برأسه ويتجسد على شكل حقيقة في أرض الواقع..
أعلم أنك تشعرين بعدم التوازن والاضطراب تعانين من مشاعر القلق، وكل هذه أمور طبيعية للغايةـ إنه ابتلاء تتعرضين له –غاليتي- وعليك بالصبر وأن تتحلي بالصمود النفسي في مواجهته فأنت في محنة.. زواجك في محنة وهذا يتطلب منك اليقظة والمهارة حتى تستطيعي تجاوز هذه المحنة.
أنت كافية
أختي الغالية، أريدك قبل أي شيء أن تكوني على يقين أنك غالية وأن الله سبحانه وتعالى هو من كرمك وأنك تستحقين الحب والاحترام، فلا يجعلك هذا الموقف تهتز ثقتك بذاتك كإنسانة أو كأنثى، فموقف زوجك لا يعبر عن نقص فيك أبدًا إنما يتعلق بمشكلة نفسية تخصه هو ألا وهي تعلقه بالماضي الذي ارتبط بهذه المرأة، فهو لم يذهب ليفكر في الزواج فيمن هي أصغر أو أجمل منك، وإنما ارتبط تفكيره بهذه المرأة تحديدًا لأنها تمثل له قوة ذكريات الحب الأول بعنفوانه وجموحه.. تمثل الرفض القاسي الذي تلقاه من أسرتها وترك ندبة في قلبه يحاول أن يداويها.
لذلك –غاليتي- هو متمسك بها بشدة لأنها بالنسبة له ليست مجرد امرأة، وإنما هي جزء مفقود من ذاته يريد استعادته وأظنه لم يحاول التفكير والتمعن في الأمر أو حتى الاستشارة إنما اندفع بشكل مرتفع لاتخاذ قراره..
الهدف من كلامي هذا ليس تحليل موقف الزوج بقدر أن أخبرك أن ما قام به لا تجعليه يفقدك ثقتك في نفسك، فأنت لم تخطئي أو تهملي، ولست قليلة أبدًا أو غير كافية أو أي شيء مما يريد الشيطان أن يلقيه في روعك.
احزني وتماسكي
لذلك أريدك أن تكوني قوية متماسكة، وهذا لا يعني ألا تحزني، فمن حقك الحزن ومن حقك البكاء حتى تُخرجي الانفعالات الحارقة التي تشعرين بها في قلبك، لكنه الآن ليس مستعدًا لمنحك هذا الدعم لأنه يعيش حالة ضغط نفسي، وكثير من الرجال لا يستطيعون تفهم مشاعر المرأة في هذا الوقت فيتصورون طالما أنه لم يرتكب حرامًا وأن الشرع منحه الحق في الزواج الثاني فليس من حق الزوجة الأولى أن تتألم.. بينما الألم هو شعور طبيعي للغاية ولا يعني هذا رفضها للتشريع الإلهي..
والإنسان يرضى بالابتلاء ولكن هذا لا يمنعه من الألم.. نبي الله يعقوب ابيضت عيناه من الحزن على يوسف رغم أنه لم ييأس أبدًا من روح الله.. كتب الله القتال على المؤمنين رغم أنه كره لهم، فالتشريع الإلهي يراعي جميع الأطراف ومصلحة الجماعة المؤمنة تأتي في المقام الأول بما لا يسحق الفرد أو يؤذيه، وإغلاق منافذ الحرام وتوسيع دائرة الحلال المباح هدف رئيسي للتشريع.
ومن هذا المنطلق يمكن النظر لتشريع التعدد، وأنا أدعوك لتأمل الحكمة الإلهية في هذا التشريع وأن تنظري للبدائل البشرية لمن هو بحاجته، فستجدين أنها إما تقع داخل دائرة العنت، وإما داخل الوقوع في دائرة المحرمات.
بين العتاب والحوار
لعلك تتساءلين: وما حاجة زوجي للتعدد ونحن نعيش سنوات في استقرار وسعادة؟ أقول لك هو من يستطيع تحديد هذه الحاجة، والحاجة قد تكون حقيقية وقد تكون مزيفة، لذلك دائمًا ما ندعو للتريث قبل اتخاذ القرار وتأمل تبعاته وشروطه.. وفي حالة زوجك فالحاجة النفسية هي ما تدعوه لهذا الزواج.
بالطبع يمكنك أن تعاتبيه ويمكنك أن تناقشيه، لكنني أقول لك إنه مندفع بشدة فلا تكثري من العتاب ولا تترجيه أبدًا حتى لا ينكسر قلبك.. لو استطعت أن تناقشيه كصديقة بصورة هادئة فسيكون أفضل كثيرًا، فمن ناحية تفهمين أكثر دوافعه ومن ناحية قد تلقين إليه بعض الأضواء التي قد تساعده في فهم ما يحدث معه.. وأنا أعلم أن الأمر صعب عليك للغاية ولا أطالبك به لأنه سيجهد مشاعرك.
مشاعر الألم
أنت بحاجة أن تُفرغي مشاعر الألم بعيدًا عنه، إن شئت فاكتبي لنا عن مشاعرك، وإن شئت فاكتبيها في دفتر خاص بك، وإن كان لك صديقة عاقلة تستطيع دعمك فتحدثي إليها، فالهدف الأساسي الذي ينبغي أن تفكري في هذه المرحلة ألا تتضرري نفسيًّا وأن تفرغي مشاعرك الحزينة أو الغاضبة بطريقة آمنة حتى تستطيعي التفكير وأخذ قرار صحيح.
المرأة الأخرى اشترطت موافقتك، وهو شرط يدل على عقل وحكمة، فهي تمنح جميع الأطراف وقتًا للتريث، وأيضًا تريد أن ترسل لك رسالة أنها لا ترغب في إيذائك أو كسر ما بينك وبين زوجك، أو لعل الرسالة توجهها هي لنفسها أنها لن تؤذي زوجة أخرى ولن تتزوج زوجها دون رضاها.
والسؤال المهم هنا لو رفضت أنت هذا الزواج فهل ذلك سيمنع زوجك من التفكير فيها وتحويلها لأيقونة للحب الخالد؟ هل سيدفع ذلك زوجك للغضب والانفعال وتصيد الأخطاء حتى ينهي زواجه بك ثم يتزوج منها؟ هل ستشعرين بالنجاح والانتصار لو شعرت أنه معك بجسده بينما قلبه ينبض باسم أخرى؟ هذه أسئلة عليك أن تجيبي عليها.
قيد التجربة
وأيضا أريدك أن تفكري ما الذي سيحدث إذا تزوج بالفعل؟ أنت تقولين إنه لن يقصر معك ماديًّا ولكنه سيحبها أكثر، وأنا أقول لك ما تقولينه ليس يقينًا، فبعد الفترة الأولى التي سيكون فيها منجذبًا لأحلام الماضي.. سيتم اختبار هذا الحب على أرض الواقع.. هل تتصورين ماذا تفعل خمسة عشر سنة في الإنسان.. كم تغير في كل تفاصيله ونظرته للحياة.. هل سبق والتقيت صديقة مقربة قديمة لم تلتقيها لسنوات بسبب سفر أو غيره وكنت مشتاقة لها بشدة.. ماذا يحدث للاشتياق بعد فترة وجيزة، إنه يخفت وسوف تكتشفين أنه لا يوجد بينكما مشتركات أو ذكريات، وستجدين أن هذا الذي تعيشينه معها أقل بكثير مما كنت تتخيلين، وهذا مسار قد يحدث معه فلا تستبعديه أبدًا.
قرارك أنت من يتخذه لا يمكن لأحد أو مستشار أن يتخذ قراره بدلا منك، كل ما أتمناه ألا تتعجلي ولا تندفعي ولا تستجيبي لهمزات شياطين الإنس والجن الذين يزينون خراب البيوت، وقيمي تجربتك كاملة قبل أن تتخذي قرارا.
نصيحتي لك: أخرجي مشاعر الحزن وقومي بتفريغ لكل الانفعالات السلبية التي تقتات على قلبك وتمسكي بزوجك وزواجك، وامنحي أسرتك كل الفرص الممكنة للاستقرار والسعادة.. لا تشعري أبدًا أنك غير كافية، وعليك أن تجعليه يشعر بهذا الشعور بشدة.. أنك واثقة جدًّا في نفسك وفيما تستطيعين أن تمنحيه له.. لا تمني عليه كونك وقفت معه وقت ضعفه وقلة ماله فقط أشيري أنك تعرفين قدر نفسك..
إذا ألح عليك بالموافقة فاسأليه بتشكيك وبهدوء هل أنت واثق من مشاعرك وأن ما تشعر به ليس مجرد حنين للماضي؟ انظري لعينيه وبهدوء أشد اسأليه هل أنت متأكد؟ إذا أصر على موقفه فأبلغيه قرارك.
وأقترح عليك اقتراحًا أنك إذا وافقت على هذا الزواج ألا تجعلي موافقتك مطلقة حتى لو كانت كذلك.. قولي له إنك موافقة نعم ولكنك لست متأكدة من قدرتك على التحمل، لذلك فإنك ستضعين حياتك معه ومعها قيد التجربة فترة.
والهدف من ذلك أنه في هذه اللحظة مندفع بشدة لتحقيق حلمه القديم، فإذا ما تزوجها بالفعل وسكن الدافع الملح فسيتذكر أن حياته معك على المحك وقيد التجربة فيعمل جهده على العدل وعلى إسعادك وعلى إبراز مدى تمسكه بك.
كما أن من طبيعة الإنسان إنه إن ضمن شيئًا زهد فيه وتعامل معه بعدم جدية، بينما إذا شعر أنه سيفقده يهتم به بشدة ويشعر بقيمته، وهذا هو الهدف من المقترح؛ ففكري جيدًا وخذي قرارك.. أسعد الله قلبك وأصلح أحوالك، وتابعيني بأخبارك دائمًا.