Consultation Image

الإستشارة
  • المستشار : أ. مصطفى عاشور
  • القسم : فكرية
  • التقييم :
  • عدد المشاهدات : eye 45
  • رقم الاستشارة : 1977
17/05/2025

يتردد هذه الأيام الحديث عن الدعوة الإبراهيمية، فما المقصود بها ومتى ظهرت وما أهدافها؟

الإجابة 17/05/2025

منذ سنوات والدعوة إلى "الإبراهيمية" أو وحدة الأديان الإبراهيمية تحتل مكانها في الأخبار، وتُرصد من أجلها الميزانيات الضخمة، وتُبنى مجمعات دينية تضم المسجد والكنيسة والمعبد اليهودي داخل إطار واحد، تحت دعاوى براقة لتحقيق الانسجام والتعايش بين الأديان وأهلها.

 

لكن تجاوز قشرة الإلحاح الدعائي حول فضائل "الإبراهيمية" ونبل غاياتها ومقاصدها ومساعيها، نجد أننا أمام دعوى فضفاضة غامضة تخفي أهدافها المشبوهة.

 

تدعو "الإبراهيمية" إلى صهر الأديان الثلاثة "اليهودية" و"النصرانية" و"الإسلام" في بوتقة واحدة للخروج بنصوص دينية جديدة تدعو للتعايش بين الأديان الثلاثة، أما الهدف المعلن للمشروع فهو: "التركيز على الحوار بين الأديان ونبذ كل ما يُسبب الصراع والاقتتال بين الشعوب وإحلال السلام بين الشعوب والدول بغض النظر عن اختلافاتها".

 

البدايات التاريخية للإبراهيمية ترجع للعام 1811م مع ظهور دعوة تسمى بـ"العهد الإبراهيمي" لتوحيد مؤمني الغرب، لكن المستشرق الفرنسي "ماسينون" هو من التقط الفكرة وكتب عنها عام 1949م، ليأخذ المصطلح حظه من الاهتمام، ثم التوظيف السياسي بعد ذلك.

 

كان الرئيس الأسبق "جيمي كارتر" من أوائل الساسة الأمريكيين الذين استخدموا المصطلح في كتابه "دم إبراهيم" عام 1985م، عندما تحدث عن المشترك الإبراهيمي الذين يجمع شعوب الشرق الأوسط، وقال: "إن دم إبراهيم الذي يجري في عروق اليهود والمسيحيين والمسلمين على حد سواء، لا يزال يُراق في صراعات على ميراث أبيهم"، لكن "كارتر" لم يذكر أن السبب وراء إراقة هذا الدم هو اغتصاب الحق الفلسطيني على أيدي الإسرائيليين اليهود.

 

كانت الإبراهيمية تتجدد مع كل تحرك أمريكي جديد في منطقة الشرق، فتردد المصطلح مع حديث الرئيس الأمريكي جورج بوش الأب عن النظام العالمي الجديد، عقب انهيار الاتحاد السوفيتي، لكن الخارجية الأمريكية مع الربيع العربي وتحديدًا عام 2013م أسست وحدة خاصة عن الإبراهيمية، أسمتها "إدارة الحوار الإستراتيجي مع المجتمع المدني"، ثم تم تدعيم تلك الأفكار من خلال المراكز البحثية الأمريكية؛ ففي العام 2013م صدرت وثيقة عن جامعة هارفارد الأمريكية بعنوان "مسار إبراهيم"، وفي العام 2015م صدرت وثيقة أخرى عن جامعة فلوريدا الأميركية تتحدث عن "الاتحاد الفيدرالي الإبراهيمي".

 

ويلاحظ أن تلك "الإبراهيمية" تصاعدت في سبتمبر 2021م بعد التطبيع السياسي بين إسرائيل مع الإمارات والبحرين، تلك الاتفاقيات التي أطلق الرئيس الأمريكي "ترامب" في ولايته الأولى اسم "اتفاقيات إبراهيم".

 

أما أهم الانتقادات التي تُوجّه للإبراهيمية، فهي أن تلك الدعوة تقف وراءها قوى مشبوهة وأيد يهودية ذات أغراض سياسية في مقدمتها تقويض القضية الفلسطينية وحق الفلسطينيين في الحياة الإنسانية الكريمة في دولة ذات سيادة.

 

أما الباحثة "هبة جمال الدين العزب" في كتابها "الدبلوماسية الروحية والمشترك الإبراهيمي؛ المخطط الاستعماري للقرن الجديد" فتحذر من أن "الإبراهيمية تُمهد الطريق لمحو التناقض الوجودي بين المشروع الاستيطاني الصهيوني العنصري وبين الحقوق التاريخية للشعب الفلسطيني والعربي عمومًا".

 

ينظر البعض إلى الإبراهيمية أنها بوتقة لصهر الأديان السماوية الثلاثة سعيًا للخروج بدين جديد، يرفع لافتات براقة عن السلام والأخوة بين أهل الأديان، ورأى آخرون أن القواسم المشتركة في الإبراهيمية ستكون وفقًا لنصوص اليهودية؛ لأن اليهودية لا تعترف بالإسلام ولا بالنصرانية، وأن استغلال اسم خليل الله "إبراهيم" عليه السلام، كان من أجل تمرير تلك الأهداف المشبوهة.

 

شيخ الأزهر الدكتور "أحمد الطيب" وصف تلك الإبراهيمية منذ العام 2021م بأنها "الحلم المستحيل" وأنها "أضغاث أحلام" ، وتساءل هي دعوة "خلق دين جديد لا لون له ولا طعم ولا رائحة".

الرابط المختصر :