الإستشارة - المستشار : د. رجب أبو مليح محمد
- القسم : السياسة الشرعية
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
15 - رقم الاستشارة : 2153
21/07/2025
هل صحيح أن من يقول لمن يأمره بالمعروف وينهاه عن المنكر "أنت فضولى" يكون كافرا؟ فقد قرأت الآتى: في حاشية ابن عابدين: إن من قال "فضولي" لمن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر فهو مرتد. وفي "الدر المختار" قال في فصل الفضولي: "هو من يشتغل بما لا يعنيه، فالقائل لمن يأمر بالمعروف: أنت فضولي، يُخشى عليه الكفر". فهل هذا صحيح؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وآله وصحبه ومن والاه، وبعد:
فالحكم بالكفر ليس سهلاً بحيث نقذف به في وجوه الناس بغير برهان قطعي من القرآن الكريم والسنة المطهرة وإجماع الفقهاء، والذي يقول هذه الكلمة قد يكون عاصيًا إن كان المعروف مجمعًا على وجوبه، والمنكر مجمع على تحريمه وليس أمرًا خلافيًّا.
فكثير من المسلمين يأمرون بأشياء لم يأمر بها الشرع على سبيل الوجوب، يراها الآمر واجبًا وفق مذهبه أو شيخه، وهي ليست كذلك، وينهون عن منكر من وجهة نظرهم وهو ليس كذلك عند غيره من الفقهاء المعتبرين.
وثمة شرط مهم يغفله كثير من الناس وهو أن يكون عدم فعل المعروف أو فعل المنكر مجاهرة أمام الناس دون تجسس أو تصنت عليه، فإن فعل المعاصي مستترًا أو ترك الواجبات مستترًا فلا نفتش عنه ولا نتتبع عورته، لكن إن أظهر ترك الواجب كمن يأكل ويشرب في نهار رمضان في غير سفر ولا مرض ولا عذر يوجب أو يجيز الإفطار فواجب علينا أن نأمره وننهاه.
فمن قال لشخص يأمره بالمعروف المجمع عليه، أو ينهى عن منكر مجمه عليه "أنت فضولي" فهو آثم ومرتكب لمنكر؛ لأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فريضة شرعية على كل مسلم قادر عليها، والقول بأن هذا الشخص فضولي هو تحذير من فعل الخير وصد عن سبيل الله.
والفضولي هو من يدخل فيما لا يعنيه، أو يتصرف فيما لا يملك، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب ومن يفعله يقوم بفعل واجب، وليس فضوليًّا.
أما إن كان الرجل ينكر فرضية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كلية من حيث الأصل والمبدأ ويرى أنه لا سلطان لأحد على أحد، ومن حق كل إنسان أن يجاهر بترك الواجبات أو فعل المحرمات كما يحدث في بلاد غير المسلمين فهذا منكر لمعلوم من الدين بالضرورة ويمكن بعد نصحه وتعليمه إن أصر على هذا أن يوصف فعله بالكفر.
وفريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من الفرائض التي تضافرت عليها الأدلة من القرآن الكريم والسنة المطهرة، ومن ثم إجماع الفقهاء.
نذكر منها: قوله تعالى: ﴿وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ (آل عمران: 104). هذه الآية صريحة في وجوب قيام جماعة من المسلمين بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتعتبر هذه الجماعة هم المفلحون.
وقوله تعالى: ﴿كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ﴾ (آل عمران: 110). هذه الآية تصف الأمة الإسلامية بأنها خير أمة أُخرجت للناس، ومن صفاتها الأساسية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
وقوله تعالى: ﴿لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَىٰ لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَٰلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ﴾ (المائدة: 78-79). هذه الآية تذكر أن من أسباب لعن بني إسرائيل هو تركهم للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وعيرها من الآيات.
ومن السنة نذكر على سبيل المثال لا الحصر حديث النبي ﷺ: "مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ". هذا الحديث يبين مراتب الإنكار، وأن تغيير المنكر بالقلب هو أضعف الإيمان، وهذا يدل على وجوب الإنكار على الأقل بالقلب.
والله تعالى أعلى وأعلم.