الإستشارة - المستشار : أ. فاطمة عبد الرءوف
- القسم : أسرية
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
210 - رقم الاستشارة : 1947
14/05/2025
أنا فتاة تم عقد زواجي منذ شهرين أحاول أن أستعد نفسيا للزواج وتقلقني قضية الخلافات الزوجية فأنا أعلم أنه لا توجد حياة زوجية دون خلافات لكن كيف أجعل هذه الخلافات الزوجية لا تؤثر بالسلب على أسرتي المستقبلية؟
ابنتي الحبيبة، أهلاً وسهلاً ومرحبًا بك على صفحة الاستشارات الإلكترونية الخاصة بمجلة المجتمع.
مبارك لك –غاليتي- عقد الزواج أسعد الله أيامك ورزقك الفرح وراحة البال.. أسعدتني رسالتك جدًّا، فهي تنم عن إحساس عال بالمسئولية واهتمام بأدق التفاصيل ونظرتك للخلافات الزوجية نظرة واقعية للغاية، حيث لا توجد حياة بالفعل تخلو من الخلافات، لكن تقنية إدارة الخلاف هي ما تمثل الفارق النوعي بين الأسر.
ولقد ذكرني سؤالك عن آليات التعامل الصحيحة مع الخلافات الزوجية، بدلاً من السؤال المعتاد عن أسرار السعادة الزوجية مثلا، بالصحابي حذيفة بن اليمان (كان الناس يسألون رسول الله ﷺ عن الخير وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني)
ابنتي الكريمة، قبل أن أشرح لك طرق إدارة الخلافات الزوجية أدعوك أن تتحدثي مع زوجك في هذه القضية، إذا حدث خلاف بيننا كيف سنتعامل معه؟ كيف سنديره؟ ما هي المبادئ الحاكمة لإدارة هذا الخلاف؟ أريدكم أن تجيبوا إجابات صادقة لا إجابات صحيحة مثالية ولكن صعبة التنفيذ.
والإجابات الصادقة نابعة من فكرة أسايسية هي أن كل إنسان عليه أن يدرك نقاط ضعفه وقوته ويشاركها مع الآخر حتى تتم مراعاة ذلك أثناء الخلاف، فمثلاً من الممكن أن يقول لك إنه عندما يغضب يفقد القدرة على السيطرة على نفسه ويخشى أن يجرحك وقتها بالكلمات، لذلك هو يقترح إذا وجدته وصل لأول مراحل الغضب أن تتركيه حتى يهدأ ويستطيع مواصلة الحوار؛ لأنك إذا لاحقته أو انتقدته وهو في هذه الحالة فإن غضبه سيتصاعد بحدة وقد يجرحك وقتها.. والعكس صحيح أيضًا فعليك أن تعرفيه بخارطتك النفسية ماذا تحبين وماذا تكرهين، حتى إذا حدث خلاف تجنب المناطق المفخخة.
خريطة الحب
الأمر الثاني الذي أريد أن أكلمك عنه قبل تقنيات إدارة الخلاف هو خريطة الحب، فإذا كانت الخريطة النفسية يقوم فيها كل طرف بتعريف الآخر بنقاط قوته وضعفه؛ فخريطة الحب تمثل الجهد الذي يبذله كل طرف للتعرف على شخصية الآخر ما هي اهتماماته؟ ماذا يحب؟ ماذا يكره؟ ما هي طموحاته؟ إنها أداة رائعة جدًّا لصناعة صداقة بنكهة الحب، وهي ما يعمل كأساس متين للحياة الزوجية.
لو تخيلت -يا ابنتي- أن الخلافات تشبه زلازل صغيرة فإن البناء القوي ذا الأساس السليم لا يشعر بها، حتى مع الخلافات الضخمة المصيرية التي تشبه الزلازل الكبيرة فإن وجود أساس مقاوم للزلازل يستطيع امتصاص طاقتها التدميرية، وهذا الأساس لا بد أن يتمتع بالصلابة والمرونة في آن واحد، وهذا ما تقوم به الصداقة العاطفية، تمنح الدعم العميق للحياة الزوجية كما يمنح الأساس المقاوم الثبات للمبنى.
ابنتي العزيزة، لقد تحدث القرآن عن المودة والرحمة، فكيف يتحقق ذلك؟ كيف تتحقق المودة لطرف لا أعرفه.. لا أفهمه؟! وكيف تتحقق الرحمة لطرف لا أهتم به ولا آبه بتفاصيله؟ فهذه المعرفة وهذا الاهتمام هو أقصر طريق لصناعة المودة والرحمة.
مفاتيح سحرية
والآن هذه بعض المفاتيح السحرية التي يمكن لكم استعمالها وقت الخلافات.. أرجو أن تتأمليها وأدعوك لجعله يقرؤها هو أيضًا
* عندما يضايقك أمر، وليكن أنه يسهر كل يوم مع أصدقائه مثلا وتريدين عتابه فلا تقولي له: أنت تهملني.. أنت لا تهتم بي.. أنت تغيرت.. لا تقولي أنت + الاتهام.. بل ركزي على ما تشعرين به، فقولي أنا أفتقدك أنا أحتاجك أنا أعاني من الوحدة.. أسلوب نطق الكلمات هو الآخر بالغ الأهمية؛ فالحزن أشد أثرًا من الغضب.
هو الآخر عليه أن يستخدم هذا الأسلوب الذي يصف شعوره وليس اتهام الطرف الآخر، فيقول لك مثلا أنا أعاني من بعض الضغوط المالية، ولا يقول لك أنت مسرفة، يقولها برفق وبشيء من العتاب وليس بغضب وانفعال، وهكذا تعرض المشكلة بعيدًا عن النقد الهجومي الحاد.
* على الطرف الذي ينتقد سلوكه أن ينصت باهتمام وتفهم وتعاطف، ثم يطرح سؤالاً محددًا يتأكد به من أنه تفهم المشكلة، فيقول لك مثلا هل تقصدين أنك تشعرين بالوحدة عندما أقضي السهرة مع أصدقائى؟ أو تقولين له هل تقصد أن مصروفات المنزل تضغط على ميزانيتك؟
* من لديه مشكلة عليه أن يتحدث عنها ولا ينتظر أن يعرفها الطرف الآخر وحده؛ فمن الممكن بالفعل ألا يتم الانتباه لها أو الانتباه أنها تمثل مشكلة لدى الطرف الآخر لأنه لم يتكلم.
* اطلبي بهدوء مناقشة المشكلة واسأليه وقتًا متاحًا عنده، فقولي له: هل يمكنني أنا أحادثك الآن؟ هل هذا وقت مناسب؟
* عندما تطرحين المشكلة فلا داعي للنقد اللاذع كما ذكرت لك من قبل، ولا داعي للسخرية فتأثيرها أسوأ من النقد اللاذع، والأسوأ من الجميع الإهانات فلها تأثير بالغ السوء على العلاقة الزوجية.
* أثناء إدارة الخلاف الزوجي ندافع عن أنفسنا، لكن دون أن نقع في فخ التبرير المطلق، فمن الشجاعة اعترافنا بالخطأ وبدورنا في المشكلة.
* من الأخطاء الشائعة الانسحاب أثناء الكلام والتزام الصمت العقابي، فعندما يتصاعد الخلاف نسعي للتهدئة عن طريق أخذ استراحة نصف ساعة؛ فالطرف الغاضب يطلب نصف ساعة كي يهدأ عقليًّا وجسديًّا ثم يعود للمناقشة.
* أهم نقطة الوصول لنقطة مشتركة والبحث عن نقاط التقاطع كي نبني عليها خطة الحل.
* من الممكن أن يكون هناك موعد أسبوعي ثابت لمناقشة أي قضايا عالقة دون أن يكون هناك خلاف محدد، وإنما هي جلسة نقاش لأي قضية بحيث تقلل من مساحات الاختلاف.
* بعد انتهاء الخلاف وعندما تهدأ الأمور علينا أن نداوي بعض الجراح والخدوش الصغيرة العالقة ولا نتجاهلها، فيتم تقديم اعتذار عاطفي للطرف الذي شعر أنه وقع عليه الظلم ولا نتركه يداوي جراحه وحده.. هذه المصالحة العاطفية تجعل العلاقة أقوى من الأول.
* من أهم الأمور الحاسمة الدعاء للطرف الأخر، سواء أمامه أم بظهر الغيب؛ فالله سبحانه وتعالى هو الذي يؤلف بين القلوب ﴿وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَّا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ واحتساب ما نقوم به من عمل على بناء علاقة زوجية سليمة لله الذي دعانا لمحاسن الأخلاق ودعانا لاحتساب الأجر حتى في اللقمة الصغيرة ترفع لفم الزوجة لأنها لقمة مغموسة بالحب ذكر عليها اسم الله.. والزوجة تحتسب أنها بطلب رضا الزوج تنال درجات عالية تشبه المجاهدين في سبيل الله، وبهذا تتحقق لنا الحياة الطيبة في الدنيا والآخرة.