<p>تعرفت على زوجتي من أحد جروبات النت وهي من بادرت في الكلام معي.. تزوجنا وأنجبنا بنت ومعظم الوقت فيه مشاكل وحياة نكد.. فوجئت بها في يوم أخذت البنت ورجعت لأهلها ورفعت قضايا كثير في المحكمة ورافضة التفاهم ورافضة أني أرى البنت..</p> <p>في الوقت ده تعرفت على شيخ من المسجد دائما الناس بتستشيره في المشاكل الاجتماعيه فقال لي إني يجب أن أتوب وإن التعاسة التي أعيشها بسبب ذنوبي، وطلب مني هاتفي وعمل حظر لنساء كثيرة كنت أكلمها تحت دعوى الزواج الثاني، وحثني على الالتزام بالصلاة في المسجد، وقال لي لا تتصل على زوجتك ولا تطالب برؤية بنتك والله سيحل مشكلتك.</p> <p>وبعد فترة قصيرة نسبيا وجدت زوجتى بتكلمني وعايزة ترجع وتتنازل عن القضايا فرجعت للشيخ فقالي التجاهل حقق الهدف مع زوجتك، لكن إياك ترجعها هذه امرأة لا تستحق، أنت الآن تبت وتستحق امرأة لا تحادث الرجال ولا تعرف طرق المحاكم امرأة تكون أنت أول رجل في حياتها.. وأنا الآن حائر فهل أستمع لهذا الرأي أم أكتفي بهذا القدر من التجاهل هل من نصيحة؟</p>
أخي الكريم، أهلاً وسهلاً ومرحبًا بك على صفحة البوابة الإلكترونية للاستشارات..
الحقيقة أن الشيخ كان صادقًا معك حين قال إن ذنوب الإنسان قد تحيل حياته جحيما "{وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا، وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى}. فالذي يعرض عن طريق الله القويم يعيش حياة ضنك نكدة تعيسة يملؤها الشقاء والبؤس تكثر فيها المشاكل المشاحنات، هذا كله في الدنيا، وله صور أخرى من العذاب يوم القيامة، وأنت رأيت بمجرد أن عزمت على التوبة والتزمت بالصلاة كيف بدأت حياتك في التحسن والاستقرار، وزوجتك بعد أن كانت عازمة على اللجوء للمحاكم هاهي تطلب الصلح وهذا من بركة التوبة عليك.
نصيحة قاتلة
أخي الكريم، للأسف هناك بعض النصائح تكون قاتلة رغم النوايا الطيبة لأصحابها (قتلوه قتلهم الله، ألا سألوا إذ لم يعلموا؟ فإنما شفاء العِيّ السؤال)، فإذا كان الجهل المذكور في الحديث مرتبط بحكم فقهي خاص بالغسل والتيمم، حيث نصح البعض رجلاً مصابًا في رأسه بالغسل فتسمم جرحه ومات.. وهذا الشيخ في المسجد قال لك نصيحة طيبة خاصة بالتوبة أعقبها بنصيحة قاتلة لحياتك الأسرية تدل على الجهل لا بطبيعة العلاقات الزوجية فقط وإنما حتى بمفهوم التوبة وكأن التوبة هي للرجال فقط!
فإذا كانت بداية علاقتك بزوجتك بدأت بتجاوزات في الحديث تستدعي التوبة فإن هذه التوبة ليست حصريا لك.. إنها رحمة الله لعباده {أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ}، فزوجتك مهما بلغت ذنوبها ينطبق عليها قوله تعالى {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ}، فالواجب عليك لو أنت صادق في توبتك حقًّا أن ترحم من حولك وأولهم زوجتك وتدعوها برفق للتوبة من ذنب قديم ربما كان من أهم أسباب الشقاق الحادث في حياتكم الزوجية.
أخي الفاضل، ألا تعلم أن التائب من الذنب كمن لا ذنب له، وأن طبيعة الإنسان أنه خطاء وأن خير الخطائين التوابون، وأننا لو لم نذنب لخلق الله خلقًا آخر يذنب فيتوب لا يختلف في ذلك رجل أو امرأة...
الكارثة أن البعض يمزج الذكورية بالدين، فكأن الدين مرتبط حصريًّا بالذكور؛ فالرجل التائب كمن لا ذنب له مهما كانت ذنوبه حتى لو كانت ذنوبه متواصلة كما وجد الشيخ على هاتفك، بينما المرأة عندما تذنب ذنبًا واحدًا حتى لو كان في بداية حياتها لا يقال عنها امرأة تائبة، وهي كمن لا ذنب له بل تظل تُعير بذنبها القديم..
هذا الاستعلاء الإيماني الذكوري الذي ليس له علاقة بالإسلام الذي يقول بشكل صريح {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً}.. ذكر أو أنثى الاثنان واحد سواء في الذنب أم التوبة، لكن الاستعلاء الذكوري جعل منك رجلاً تائبًا تستحق امرأة تكون أنت أول رجل في حياتها رغم كل النساء اللاتي تجاوزت معهن بالحديث، إلا أن زوجتك تستحق الطلاق لأنها كانت تحادثك قبل الزواج عبر مواقع التواصل وليس لها توبة! وحتى لو تابت فستظل امرأة ذات ماض! فكيف تحكمون؟!
صفحة جديدة
أخي الكريم، لا تستمع لهذه النصيحة القاتلة التي تحطم حياتك الزوجية وتجعل ابنتك على مفترق طرق.. الحياة الأسرية لها قدسيتها فلا تستهن بهاـ إنما هي فتنة كبيرة (إن إبليس يضع عرشه على الماء، ثم يبعث سراياه، فأدناهم منه منزلة أعظمهم فتنة. يجيء أحدهم فيقول: ما زلت به حتى فعل كذا وكذا، فيقول: ما صنعت شيئًا. ويجيء أحدهم فيقول: ما تركته حتى فرّقت بينه وبين امرأته، فيُدنيه منه ويقول: نعم أنت).
نصيحتي لك أن تستجيب لطلب زوجتك للصلح وتجلس معها جلسة في غاية الهدوء، وتقول لها إن الشيطان بذر بذور الفتنة بينكما وأنكما بحاجة للاعتصام بحبل الله المتين عن طريق التوبة والندم على ذنوب الماضي والاستغفار وبدء صفحة جديدة.
في هذه الصفحة الجديدة تكون الأولوية لرعاية ابنتكما التي عانت بشدة في الأيام الماضية، ولست أدري كيف ينصح شخص يتصدى لمشكلات الناس أبا بتجاهل ابنته وعدم وضعها كأولوية قصوى، وبينما يقال له هذه المرأة لا تصلح كزوجة يترك لها مسئولية تربية الطفلة وحدها.
على أي حال مسئولية تربية الطفلة مسئولية مشتركة فهي بحاجة لرعاية مزدوجة، فكل منكما له دور لا يستطيع الآخر القيام به.
من الأمور البالغة الأهمية في صفحتكما الجديدة أن تراجعا طبيعة المشكلات التي سببت الشقاق والاتفاق على آلية لإصلاحها، فإن كانت هذه المشكلات مترتبة على أحاديثك مع النساء عبر مواقع التواصل فها أنت الآن أدركت أن هذا ذنب وباب فتنة وأن من تلبيس إبليس عليك أن تظن أنك تبحث بينهن عن زوجة ثانية مثلا.
فهل هناك مشكلات أخرى.. مشاكل مادية اتهامات لك بالبخل واتهامات لها بالإسراف؟ مشاكل مع أهلك أو أهلها؟ مشاكل في طبيعة العلاقة الزوجية بينكما؟ أيًّا كانت المشكلات عليكم أن تتحدثوا عنها بهدوء وصراحة مستعينين بالله في حلها.. أسعد الله قلبك وأصلح لك زوجتك ورزقك بر ابنتك، وتابعنا بأخبارك.