كيف أُهيّئ ابني لمرحلة البلوغ دون حرج؟!

<p>السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،</p> <p>أنا أم لولدٍ عمره الآن ١١ عامًا، وهو ابني الوحيد، فقد تُوفي والده &ndash; رحمه الله &ndash; منذ سنوات، ومن وقتها وأنا أُربيه وحدي، وأسعى أن أكون له أمًا وأبًا في ذات الوقت<span dir="LTR">.</span></p> <p>مؤخرًا بدأت ألاحظ عليه بوادر التغيّر، ليس فقط في جسده، بل في نفسيته أيضًا؛ أصبح أكثر حساسية، وأحيانًا يميل للانطواء أو العناد، ويغضب لأسباب لا أفهمها، بل صار صوته يتغير قليلًا، وبدأ يسألني أسئلة غريبة عن الجسد والرجولة<span dir="LTR">...</span></p> <p>أشعر أنه على أعتاب مرحلة البلوغ، ولكني أحتار كثيرًا<span dir="LTR">:</span></p> <p>كيف أبدأ الحديث معه عن هذه المرحلة؟</p> <p>متى يكون الوقت المناسب لأشرح له عن التغيرات الجسمية؟</p> <p>وهل يجب أن أتكلم عن الأمور المتعلقة بـ&quot;الاحتلام&quot; والغُسل والطهارة الآن؟ أم أؤجل؟</p> <p>أنا حريصة على تربيته تربية إسلامية نقية، وأخاف أن يتعلم من الخارج بطريقة مشوشة أو خاطئة، خصوصًا مع وجود الإنترنت وأحاديث أصدقائه في المدرسة<span dir="LTR">.</span></p> <p>لكن في نفس الوقت، لا أريد أن أحرجه أو أُربكه، فهو حساس جدًا، وأنا كذلك أشعر ببعض الحرج من الكلام في هذه الأمور<span dir="LTR">.</span></p> <p>فكيف أرفع الحرج عني وعنه؟</p> <p>وهل من طريقة بسيطة ومهذبة لشرح هذه الأمور له؟</p> <p>وما الخطوات التربوية والنفسية التي تساعدني في احتوائه في هذه المرحلة الحرجة؟</p> <p>جزاكم الله خيرًا، فأنا في حاجة إلى دعم تربوي واضح، وخريطة آمنة أستند إليها في هذه الفترة الدقيقة من عمره<span dir="LTR">.</span></p>

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته..

 

أيتها الأم الفاضلة الصابرة، بارك الله في قلبك الحنون، وحرصك النبيل، وثباتك التربوي رغم وطأة المسؤولية.

 

إن ما تقومين به الآن هو مقام عظيم من مقامات التربية والرعاية، وقد قال ﷺ: "أنا وكافل اليتيم في الجنة كهاتين"، وأشار بالسبابة والوسطى.

 

وأنتِ اليوم لا تكفلين يتيمًا فحسب، بل تُنشئينه على الإيمان والوعي، وتخوضين معه مرحلة من أشد مراحل النمو تعقيدًا وحساسية: مرحلة ما قبل المراهقة وبداية البلوغ.

 

أولًا: هل أنتِ متأخرة؟ وما التوقيت المناسب؟

 

لا، لستِ متأخرة أبدًا. بل ما تقومين به الآن هو استباقٌ إيجابي لما يُسمى في علم النفس التربوي "Anticipatory Guidance"، أي التوجيه الاستباقي الوقائي، الذي يسبق المشكلة قبل وقوعها، ليمنع الحرج والارتباك أو المعلومات المشوشة من الخارج.

 

وعلميًّا، يبدأ البلوغ المبكر لدى الأولاد بين سن ١٠ إلى ١٣ عامًا غالبًا، وتبدأ التغيرات النفسية والجسدية تدريجيًّا (مثل نمو الشعر، تغير الصوت، التقلبات المزاجية، الاحتلام)، وبالطبع السن تختلف من شخص لأخر حسب طبيعة جسده وما تحمله جيناته.

 

إذًا، هذا هو الوقت الأمثل تمامًا للتهيئة الهادئة، قبل أن يبدأ هو بالاكتشاف المربك عبر أصدقائه أو الإنترنت، أو أن يواجه الأمر وحده دون فهم.

 

ثانيًا: كيف ترفعين الحرج عنكِ وعنه؟

 

الحرج أمر طبيعي، لكن التربية الحيية لا تعني الصمت المربك.

 

في علم النفس التربوي يُنصح بما يسمى "Emotionally Safe Communication"، أي التواصل الآمن عاطفيًّا، والذي يحقق المعرفة دون فضول زائد، ويشرح بلغة مطمئنة غير مُربكة.

 

* ولتطبيق ذلك عمليًّا، إليك هذه الخطوات:

 

1- ابدئي معه بمدخل غير مباشر ومريح، كالحديث معه من خلال قصة، فيديو علمي مبسط، أو حكاية عن "كيف ينمو الأولاد ليصبحوا رجالًا"، وركزي على أن ذلك نعمة من الله وعلامة نضج وتكليف، وليس أمرًا يدعو للخجل والانسحاب... مثال:

 

"تفتكر يا حبيبي إيه الحاجات اللي بتحصل لما الولد بيكبر ويبدأ يدخل في مرحلة الرجولة؟ أنا كنت حابة أتكلم معاك شوية عن الحاجات الجميلة دي؛ لأن دي حاجة ربنا خلقها فينا، ومعرفتك بيها هتخليك جاهز ومطمئن..."

 

2- احرصي أن تكون لغتك معه خالية من التخويف أو العيب..

 

لا تقولي: "اوعى تعمل كذا"، أو "هتدخل في مرحلة صعبة"، بل قولي: "اللي بيحصل ده طبيعي وجميل، وجزء من نموك كرجل مسلم".

 

ونحن بصفتنا متخصصين، فالمصطلح التربوي هنا نسميه: Normalizing Change، أي تطبيع التغيرات وعدم شيطنتها أو إحاطتها بالقلق.

 

3- ثم لا تُلقي عليه كل التفاصيل دفعة واحدة.. بل تدرجي له في المعلومات.

 

ابدئي بالأمور الظاهرة (تغير الصوت، النمو البدني)، ثم انتقلي لاحقًا لمسائل الاحتلام، الغُسل، والعبادات، مع التأكيد على أن هذا كله عبادة وطهارة لا حياء منها في الدين.

 

قولي له مثلًا: "ربنا خلقنا ولما بنكبر بيحصل شوية تغيرات، وأجمل حاجة إن الإسلام علمنا إزاي نتعامل معاها، وده اللي هنتعلمه سوا".

 

4- لا بد من خلال حديثك معه التأكيد على الخصوصية والرجولة والطهارة... قولي له: "دي معلومات خاصة ما ينفعش حد يتكلم فيها مع أصحابه أو يسمعها من الإنترنت؛ لأن كل ده جزء من كرامتك ورجولتك وطهارتك اللي ربنا بيحبها في عباده".

 

ثالثًا: كيف تحتوينه نفسيًّا في هذه المرحلة؟

 

علميًّا، هذه المرحلة تُعرف بأنها بداية الـEarly Adolescence، وتتسم المراهقة المبكرة بـتقلبات مزاجية، حساسية من التوجيه، وكذلك وعي متزايد بجسده ونظرته لنفسه.

 

ولذا يحتاج المراهق من الأم الآتي:

 

1- الاحتواء دون تضييق.. فلا تُكثري من المراقبة، بل اجعلي العلاقة بينكما قائمة على الثقة لا الشك.

 

2- احرصي على الحوار الدوري..

 

بمعنى أن تُخصصي له وقتًا أسبوعيًّا للحوار معه – دون توجيه مباشر – حول ما يشغله، لتكوني دائمًا المصدر الأول له.

 

3- حاولي أن تربطي حياته بالقدوة النبوية..

 

حدثيه عن مراهقة النبي ﷺ كيف كانت طاهرة، وعن يوسف عليه السلام، الذي قاوم الفتنة وهو شاب، ليفهم أن "الرجولة" لا تعني الانفلات، بل الثبات والنقاء.

 

رابعًا: وهناك أدوات مبسطة يمكنك استخدامها..

 

- كتاب مصور علمي إسلامي عن البلوغ خاص بالأولاد، كالإصدارات الإسلامية التربوية.

 

- فيديوهات تربوية موثوقة تشرح التغيرات الجسدية بلغة علمية محترمة.

 

- جلسة أسئلة وأجوبة مفتوحة لكن تتسم بالاحتواء والطمأنينة والثقة.. وأكدي له على: "اسألني في أي وقت، وسأجيبك بما يريحك ويفيدك".

 

* همسة أخيرة لك عزيزتي من القلب:

 

يا أم البطل، ابنك ليس وحيدًا... ما دام لكِ هذا القلب، وهذه النية، وهذا الحرص.

 

وأنتِ – رغم كل التحديات – تقومين بما يعجز عنه الكثير من الآباء، فأنتِ تُعدين رجلًا صالحًا للمستقبل. اجتهدي في الزرع، والله كفيل بالثمر.