كيف أشتكي والدي لحقوق الإنسان؟ مراهقة تشعر بالظلم!

<p>هلا دكتورة،</p> <p>أنا بنت بعمر ١٥ سنة، ومشكلتي إن أبوي يعاملني دايم بطريقة تحسسني إني مو مرغوبة، مع إني أكثر وحدة في البيت أطيعه وأسوي له كل شي يطلبه بدون نقاش، بس مع هذا ما يعطيني أي اهتمام، ولا حتى مصروفي مثل إخواني<span dir="LTR">.</span></p> <p>أخوي الكبير دايم دلوعهم، كل شي يبيه ياخذه بدون ما يطلب مرتين، قبل كم يوم نزل تلفون جديد، قام أبوي شراه له على طول، وسعره فوق الألفين ونص! أنا لي شهور أطلب بس ٢٠ دينار أشتري فيهم شوية حاجات ضرورية، وكل مرة يقول لي بعدين، أو يعطيني مبلغ رمزي وما يكفي حتى للمواصلات<span dir="LTR">.</span></p> <p>حتى أختي، مع إنها ما تساعده بشي مثلي، بس يعاملها أحسن مني، يعطيها فلوس عشان المدرسة، وأنا مستواي نازل وأحتاج دروس، وما لقيت منه دعم ولا اهتمام، بس صراخ وانتقاد، لدرجة إني صرت أتحسس وأبكي من أي كلمة، وصرت أحب أكون بروحي وما أختلط بالناس<span dir="LTR">.</span></p> <p>والله يا دكتورة، مرات أحس إني أقل منهم، لا لبسي مثلهم، ولا حتى أحس بالأمان أو التقدير من أبوي، وكل مرة أروح بيت خالتي وأشوف بناتهم عايشين مرتاحين، قلبي يتكسر من جواي، حتى لبسي أستعيره من أختي، وإذا زعلت ترجع تاخذه وتخليني بدون<span dir="LTR">!</span></p> <p>أنا مو حاقدة على أبوي، بالعكس أحترمه وأسلم عليه، بس قلبي يوجعني من الظلم، أفكر أشتكي عليه بحقوق الإنسان بس ما أدري شلون، أحس إن حقي ضايع وما في أحد يسمعني<span dir="LTR">.</span></p>

ابنتي الغالية..

 

قرأت كلماتك بتمعن، وشعرت بكل الألم الذي سكن بين السطور، وكأن أنين قلبك تسلل من بين الحروف. أعانك الله وطيّب خاطرك، فأنتِ لستِ وحدك، وما تمرين به ليس هينًا، ولكنك أثبتِ في رسالتك أنك فتاة ناضجة، حساسة، تفرّق بين الاحترام والرفض، بين البر بالوالدين والشعور بالظلم، فهنيئًا لكِ هذا الوعي، وهو أولى خطوات القوة النفسية.

 

يا صغيرتي، يبدو أن والدك – حفظه الله – يفتقر إلى مهارات العدل التربوي بين الأبناء، وقد يكون ذلك نتيجة لقناعات ثقافية متوارثة أو أنماط تربوية تلقاها في طفولته، لا عن قصد أو كراهية لك. فالتمييز في المعاملة لا يعني بالضرورة وجود كره، وإنما خلل في الإدراك التربوي والتوازن العاطفي.

 

إن الألم الذي وصفته ناتج عما يُعرف في علم النفس بـ Emotional neglect أي "الإهمال العاطفي"، وهو حين لا يلبّي الوالد حاجات الطفل النفسية، مثل الاحتواء، التقدير، والإنصات، فيشعر بالحرمان حتى لو توفّرت حاجاته المادية جزئيًّا. وقد يتضخّم هذا الشعور لديك لأنك في عمر المراهقة، حيث تزداد الحاجة إلى التقدير والدعم الذاتي والشعور بالعدالة.

 

ابنتي، هل تعلمين أن نبينا الكريم ﷺ قال: "اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم"، وورد أنه ﷺ رفض أن يشهد على عطية منحها رجل لابنه دون بقية أولاده، واعتبرها جورًا وظلمًا؟ هذا هو ديننا الذي رفع من شأن النفس الإنسانية وحرّم التفرقة داخل البيت الواحد.

 

ولكن، وهنا أرجوك أن تتنبهي، أن تتحملي الظلم بصبر، هذا لا يعني أن تسكتي عن حقك، بل يعني أن تطالبي به بلغة راقية، وبتخطيط نفسي ناضج:

 

- حددي أولوياتك، ما الذي تحتاجينه فعلًا؟

 

- عبّري لوالدك أو لوالدتك، أو لمن تثقين به من أقاربك الكبار عن احتياجاتك بلغة هادئة، دون لوم أو عتاب جارح.

 

- اكتبي له إن كان لا ينصت لك، قولي له إنك لا تسألين إلا ما يعينك على التقدم في دراستك، وإنك تشعرين بالحزن حين لا تُعاملين بالمثل، وأنت تكنّين له الاحترام.

 

ولا تظني أن شكواك لجهة خارجية – كحقوق الإنسان – ستحل المشكلة؛ بل قد تفتح بابًا من التصدع الأسري، وتؤذي والدك ووالدتك. الحل لا يكون دائمًا من الخارج، بل من تغيير طريقة تعاملكِ مع الداخل.

 

وهنا اسمحي لي أن أذكّرك بأنك قوية، رغم كل ما مررتِ به. قد تكونين تعانين مما يُسمى في التربية بـ learned helplessness  أو (العجز المكتسب)، وهو شعور نفسي يجعل الإنسان يظن ألا جدوى من أي محاولة، فيستسلم.

 

لكن هذا الشعور ليس حقيقيًّا، ويمكن تغييره بالوعي، وبإعادة بناء صورة الذات من الداخل، فاجعلي من ألمك دافعًا لتفوقك، واجعلي من حزنك حافزًا لنجاحك، وأثبتي للجميع أنك الأجدر بالحب والتحفيز المادي والمعنوي.

 

* همسة أخيرة لقلبك حبيبتي:

 

ابنتي الحبيبة، إن الله لا يضيع أجر من أحسن عملًا، وكل برٍّ منك لوالدك سيكون في ميزانك يومًا ما، حتى وإن لم تحصدي ثماره الآن، قال تعالى: ﴿إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾.

 

ولا تنسي أن الدعاء باب لا يُغلق، فادعي الله أن يلين قلب والدك، ويصلح ما بينكم، وارفعي عينيك للسماء بثقة أن من عنده لا يُخيّب.

 

قلبي معك، وباب الأمل مفتوح ما دامت روحك حية بالحب، والإرادة، والوعي.