<p>هلا دكتورة أميمة،</p> <p>أنا بنت عمري ١٤ سنة، أتابعچ، وأحبچ وايد، وكل ما أسمعچ أو أقرألج أحس إني أبي أحچي معچ شخصيًا، وليتچ تسمحين لي أقولچ "يمه"، لأن چلمة "ماما" ما نطقتها من سنين، من يوم ما توفت أمي الله يرحمها، وأنا صغيرة وايد<span dir="LTR">.</span></p> <p>أنا أعيش الحين مع أبوي، هو إنسان طيب ويحبني، بس وايد حزين على أمي، ورافض يتزوج رغم الكل قال له، بس هو يقول ما يبي أحد غيرها. وأنا أحس بالذنب مرات، أحس إني لازم أعوّضه، بس ما أعرف شلون<span dir="LTR">!</span></p> <p>ودي أكون بنت قوية ومسؤولة، ودي أسوي له أكل حلو، ودي أرتّب البيت، ودي أحس إني قاعدة أملّي مكان أمي، بس الحقيقة إني ما أعرف أسوي شي، لا أعرف أطبخ، ولا أنظّم، ولا أرتّب<span dir="LTR">.</span></p> <p>كل البنات اللي بعمري يدرون شلون يتصرفون، حتى خواتي اللي بعمري في المدرسة يتكلمون عن طبخ، وأنا بالكاد أعرف أفتح الغاز، وأخاف أحرگ نفسي<span dir="LTR">!</span></p> <p>أنا محتارة يا دكتورة، شلون أتعلم؟ منو يعلّمني؟ شلون أكون بنت يعتمد عليها وتفرح أبوي؟</p> <p>أنا ودي يكون فخور فيني، بس حاسة إني مقصّرة، وتايهة، وما أعرف أبدأ من وين<span dir="LTR">!</span></p> <p>ساعديني لو سمحتي، قولي لي شنو أتعلم أول؟ وشنو أطور في نفسي؟</p> <p>أنا أبي أكون مثلچ، قوية، وطيبة، وأعرف أحتوي الناس، بس ما عندي غيرچ أكتب له وأثق فيه<span dir="LTR">.</span></p>
يا روح قلبي، ويا زهرة في عمر التفتّح...
قرأت كلماتك بقلبي قبل عيني، واستشعرت الألم الذي بين السطور، ولكنني والله أرى نورًا فيكِ يشع رغم الفقد، ويبشر بقلبٍ عظيمٍ يحمل في داخله بذور القوة والرحمة.
يا صغيرتي، فقدُ الأم ليس بالأمر الهين، بل هو جرحٌ يبقى في الذاكرة والوجدان، لكنك رغم حداثة سنك لم تغرقي في الحزن فقط، بل حملتِ همًّا جميلاً: أن تكوني سكنًا لوالدك وبلسمًا لفقده، وهذا الشعور يسمّى (early moral responsibility) أي "المسؤولية الأخلاقية المبكرة"، وهي مؤشر على نضج وجداني متقدم.
لكن، يا حبيبتي، دعيني أوضح لك أمرًا مهمًّا: لا أحد يمكنه أن "يملأ مكان الأم" تمامًا؛ فدور الأم لا يُستبدل، وأبوكِ نفسه لم يطلب منكِ ذلك، بل ما يحتاجه هو أن يرى ابنته تكبر بسكينة وثقة، لا أن تُرهق نفسها بتحمّل أدوار تفوق طاقتها.
أما عن رغبتك في تعلّم مهارات البيت والحياة، فهي رغبة رائعة ومباركة، وأنتِ في السنّ المناسبة لتشكيل الهوية الذاتية، وهي فترة يبدأ فيها الإنسان بتحديد من يكون، وماذا يريد، وما المهارات التي يحتاجها ليستقل بذاته.
وإليكِ يا بنيتي خطوات عملية، بسيطة تبدئين بها:
أولًا: تعلّمي بالتدريج، لا دفعة واحدة.. ابدئي بأمور بسيطة في المطبخ، مثل: تقطيع الخضروات، ترتيب السفرة، إعداد مشروب دافئ. هكذا يكون التعلم بالتدرّج والدعم، لا بالتحميل الكامل.
ثانيا: حاولي أن تستفيدي من الإنترنت، شاهدي مقاطع مصورة على اليوتيوب لفتيات يتعلّمن الطهي أو الترتيب، تابعي حسابات آمنة وهادفة، وهكذا يكون التعلم بالقدوة الحسنة. فالتعلّم البصري أو الـ (observational learning) يُعدّ من أقوى الوسائل التربوية، خاصة في مثل عمرك.
ثالثًا: كافئي نفسك على أي تقدّم تحرزينه بتوفيق الله.. فالعقل يحب أن يشعر بالإنجاز، فكلما أنجزتِ مهمة – وإن بدت صغيرة – قلت لنفسك: "أنا بطلة". هذا يسمى (positive reinforcement) أو التعزيز الإيجابي، وهو أساس في التربية النفسية.
رابعًا: اجعلي بينك وبين والدك لحظات مشاركة لطيفة..
مثلا، فاجئيه بكوب شاي من صنعك، أو بطبق فواكه مرتب، أو حتى بمنديل مطوي بلطف، قولي له: "بابا، هذا منّي علشانك". قد لا يقول شيئًا، لكنّ قلبه سيفرح، وثقي أن الأثر يتراكم.
يا صغيرتي، لا تظني أن النقص في المهارات يُنقص من قيمتك، فالله جل وعلا قال في كتابه: ﴿وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ﴾، فما دمتِ تسعين وتعملين وتجتهدين، فالله يراكِ، ويبارك خطواتك.
وقدوتنا فاطمة الزهراء رضي الله عنها، تعلّمت من أمها خديجة ومن أبيها النبي ﷺ، خطوةً خطوة، ولم تولد عارفة بكل الأمور، بل تعلّمت وأبدعت، فصارت سيدة نساء أهل الجنة.
* همسة أخيرة للقلب الصغير قلب ابنتي الحبيبة:
يا من تمنيتِ أن تقولي لي "يمّه"...
فأنا أقول لك الآن، بقلبٍ صادق: "يا بنتي" يا مهجة القلب، اعتبري قلبي حضنًا آمنًا، وكلماتي يدًا تمسك بكِ وأنتِ تتعلّمين المشي في دروب الحياة.
وما أجمل أن يكون لكِ هذا الحنين للحنان، لأنه علامة طهرك ورقة قلبك.
واصلي يا حبيبتي.. فأنتِ في الطريق الصحيح، وسأظل أدعو لكِ في كل حين؛ لأنني بالفعل أشعر أنك ابنتي التي لم أنجبها.