هل الأصل في علاقة المسلمين بغيرهم السلم أم الحرب؟

<p>هل الأصل في علاقة المسلمين بغيرهم السلم أم الحرب؟ وهل يجوز أن نترك ونسالم من يسالمنا حتى لو كان كافرا ، أم يجب علينا غزوهم لنشر الإسلام؟</p>

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه، وبعد:

 

فهذه قضية محل اختلاف بين الفقهاء والعلماء قديمًا حديثًا، وقد انقسم العلماء فيها إلى فريقين: الفريق الأول: يرى أن أصل العلاقة بين المسلمين وغيرهم هي الحرب سواء أكانوا مسالمين أم محاربين.

 

الفريق الثاني: يرى أن أصل العلاقة بين المسلمين وغيرهم السلم، وأنهم لا يقاتلون إلا من قاتلهم.

 

وسبب الخلاف أن الذين قالوا إن الأصل في علاقة المسلمين الحرب بعد الأدلة التي نقلوها من القرآن والسنة هو الواقع، وأن أعداءنا على مر العصور إن لم نقاتلهم فسيقتلوننا، وإن لم نبدأ بهم فسيقضون علينا، وهذه طبيعة الصراع والتدافع التي جعلها الله سنة كونية، لن تتغير ولن تتبدل.

 

ونظر بعضهم إلى الدليل فوجدوا أن الإسلام يدعو إلى السلم، وأن النبي عاهد اليهود والمشركين ولولا أنهم الذين بدأوا بالغدر والخيانة ما قاتلهم.

 

وقد رجح شيخنا العلامة الدكتور يوسف القرضاوي بعد مناقشة أدلة الفريقين، الرأي الثاني وهو أن الأصل هو السلم، وأننا لا نقاتل الناس لأنهم كفار، ولكننا نقاتلهم لأنهم يقاتلوننا، ونرد الاعتداء إذا اعتدوا علينا.

 

ويمكننا تلخيص أدلته التي ذكره في كتابه فقه الجهاد فيما يلي:

 

1. دعوة الإسلام إلى السلم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً} [البقرة:208]، وقد فُسِّر {السِّلْمِ} في الآية: بالموادعة وترك الحرب، كما فُسِّر بالإسلام وشرائعه كافَّة.

 

2. قوله تعالى: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} [البقرة:190]، فشرع قتال مَن قاتلنا، ومفهومه عدم قتال مَن لم يقاتلنا، ونهى عن الاعتداء ومنه قتال مَن سالم.

 

3. منعه - في سورة النساء - صراحة عن قتال مَن سالمنا، بقوله تعالى: {فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلاً} [النساء: 90].

 

4. أمره سبحانه بالجنوح للسلم - حتى بعد وقوع القتال - إذا جنح لها العدو، وإن كان يريد الخداع، قال تعالى: {وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ} [الأنفال: 61، 62].

 

5. أمر الله تعالى لرسوله بالتولِّي والإعراض عن المشركين إذا لم يستجيبوا لدعوته، ولم يُؤمر بقتالهم، ففي سورة التوبة: {فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ} [الآية: 129].

 

6. وضع دستور المسالمة والمحاربة في آيتين من سورة الممتحنة: {لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [الممتحنة: 8، 9].

 

7. حديث الرسول المتفق عليه : "لا تتمنَّوا لقاء العدو، وسلوا الله العافية ...".

 

8. قراءة صحيحة للسيرة النبوية ولغزوات الرسول ﷺ.

 

9. قراءة صحيحة لفتوحات المسلمين: أنها كانت ردًّا لعدوان، أو منعًا لفتنة المؤمنين.

 

10. بيان أن عِلَّة القتال هي: الاعتداء والحِراب والفتنة في الدين. وليست مجرَّد الكفر، {لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ} [الكافرون:6].

 

11. فلسفة الإسلام في كسب الناس بالسلم، والدعوة بالحُجَّة الإقناع، والأسوة الحسنة.

 

والله تعالى أعلى وأعلم.