لا يضربني ولا يحتضنني.. أشعر أن أبي يكرهني!

<p>دكتورة،</p> <p>أنا شاب عندي ١٤ سنة، ومش عارف أبدأ منين بصراحة، بس حابب أحكي لحضرتك عن حاجة مضايقاني قوي ومش لاقي ليها تفسير<span dir="LTR">.</span></p> <p>أنا حاسس إن بابا مش بيحبني<span dir="LTR">.</span></p> <p>أنا عارف إنه مش بيضربني ولا بيعاملني بقسوة زي ما بعض صحابي بيحكوا عن أهاليهم، بس في نفس الوقت عمره ما حضني، ولا قال لي يومًا كلمة حلوة، ولا حتى شجعني لما عملت حاجة كويسة<span dir="LTR">.</span></p> <p>دايمًا ساكت معايا، أو بيتكلم ببرود، ولو اتكلم يبقى يا نقد يا أوامر، ودايمًا مقارنات بيني وبين ولاد خالتي أو قرايبنا، وإنهم أشطر أو أهدى أو أحسن<span dir="LTR">.</span></p> <p>أنا مش عايز منه غير كلمة تشجيع أو نظرة رضا، بس كل ما أقرّب منه أحس إنه مش طايقني، رغم إني بحاول أرضيه، ومش بعمل مشاكل<span dir="LTR">.</span></p> <p>بصراحة، بدأت أصدق إنه فعلاً بيكرهني، ومش بس كده... أنا كمان بدأت أبعد عنه، ومش بقيت بحكي له أي حاجة، وبقيت دايمًا قاعد في أوضتي، ومعنديش أي طاقة أتكلم معاه، وكأني مش موجود<span dir="LTR">.</span></p> <p>مش عارف ده طبيعي؟ ولا أنا اللي حاسس غلط؟</p> <p>هو ممكن الأب يكره ابنه من غير سبب؟</p> <p>وليه مش قادر أحس إنه بيحبني؟</p> <p>أنا عاوز أعرف أتعامل إزاي؟</p>

يا بُني، لقد تأثرتُ كثيرًا بكلماتك الصادقة، وشعرتُ من خلالها بمدى ما يحمله قلبك من حساسية ونقاء.

 

شجاعتك في التعبير، والاعتراف بالمشاعر خطوة ناضجة ومهمة نحو الفهم والتغيير.

 

ودعني أطمئنك أولًا: بأن مشاعرك مشروعة، وحقك الكامل أن تشعر بها وتبحث عن تفسير لها.

 

ما تمرّ به الآن له اسم واضح في علم النفس التربوي، وهو ما نطلق عليه Emotional Neglect  أي الإهمال العاطفي، وهو لا يعني غياب الطعام أو الملبس أو حتى الأمان الجسدي، بل يعني غياب التواصل الشعوري، والدفء، والتعبير اللفظي أو غير اللفظي عن الحب والتقدير.

 

إن النفس البشرية خُلقت تحتاج إلى القبول والاحتواء، وخصوصًا في مرحلة المراهقة، وهي مرحلة دقيقة يُطلَق عليها علميًّا The Age of Identity Search أي مرحلة البحث عن الهوية، حيث يكون الشاب في أمسّ الحاجة إلى مرآة يرى فيها ذاته من خلال من يحبهم ويؤثرون فيه، وأولى هذه المرايا هما: الأب والأم.

 

ولعل غياب تعبير والدك عن الحب، وعدم استخدامه لكلمات التشجيع أو لغة الجسد الإيجابية (مثل الابتسامة أو الاحتضان)، يجعلك تشعر بهذا الفقد الكبير، رغم أنه قد لا يقصد إيذاءك.

 

وهنا أدعوك لنتأمل المسألة من جانب آخر أيضًا:

 

- ربما يكون والدك من النمط التربوي الأبوي المتحفظ عاطفيًّا، وهؤلاء الآباء قد تربّوا أنفسهم في بيئات جافة عاطفيًّا، فلم يتعلموا كيف يعبّرون عن الحب، رغم أن قلوبهم قد تكون مملوءة به، لكنهم يعجزون عن إظهاره، فيكتفون بالأفعال الصامتة كتوفير الاحتياجات المادية أو الحماية، بينما يغيب عندهم التعبير اللفظي والمشاعر.

 

فهل معنى هذا أن مشاعرك غير حقيقية؟ أبدًا. بل هي مشروعة، ومفهومة، وتحتاج إلى تعامل خاص حتى لا تتحول إلى شعور بالنبذ أو الرفض الاجتماعي. فالشاب الذي يشعر بالرفض من والده، قد تبدأ ثقته بنفسه في التراجع، ويشعر أن قيمته قليلة، وهذا خطر كبير على مستقبله النفسي والاجتماعي.

 

فماذا تفعل إذًا؟

 

1- افصل بين مشاعرك وسلوك والدك..

 

اعلم أن ما تشعر به حقيقي، لكن لا تتسرع في الحكم بأن والدك يكرهك، بل قُل: "أنا أشعر بعدم الحب، رغم أنه لا يسيء إليّ جسديًّا". فالفصل بين الشعور والحقيقة يساعدك على تقييم الأمور بواقعية.

 

2- جرّب معه التعبير عن مشاعرك..

 

اختر وقتًا مناسبًا، وتحدث مع والدك بلطف وصدق، وقل له مثلًا: "بابا، أنا ساعات بحس إنك مش بتحبني، مش عشان حاجة، بس علشان مابتقوليش ولا كلمة حلوة، وأنا محتاج ده من حضرتك".

 

هذه الجملة قد تفتح قلبه، وربما يتفاجأ، وربما يصمت، لكنك أديت ما عليك، وبدأت بكسر الحاجز العاطفي.

 

3- كذلك حاول البحث عن مصادر دعم عاطفي صحي..

 

فإن لم يكن والدك حاليًا مصدرًا للدعم العاطفي، فابحث عن قدوة بديلة حكيمة (مثل معلم، قريب، أو حتى مستشار نفسي)؛ فالدعم العاطفي ليس حكرًا على الوالدين فقط.

 

4- نمّ ذاتك من الداخل..

 

درّب نفسك على أن تقول لها: "أنا شخص له قيمة، محبوب عند الله، ومهما قصّر الآخرون في التعبير، سأحافظ على ثقتي بنفسي، وأسعى لأكون أفضل".

 

5- ادعُ له في صلاتك بالهداية واللين..

 

فربما لا يلين قلب والدك إلا بدعوة صادقة منك في جوف الليل.

 

واعلم با بني، أن الحب ليس دائمًا صاخبًا، لكنه قد يكون صامتًا خجولًا.. أحيانًا يحبنا من لا يُجيد التعبير، كما يُحب الورد من لا يُتقن زراعته، فيُسقيه على عجل ويتركه، دون أن يراه يكبر.

 

* همسة أخيرة:

 

يا بني.. ما تشعر به ناتج عن غياب التعبير العاطفي، وليس بالضرورة عن غياب الحب نفسه. ووالدك قد يكون محتاجًا أن يتعلّم لا أن يُلام. دعمك لذاتك وتفهّمك لمشاعرك خطوة ناضجة نحو التوازن.

 

أسأل الله أن يمنحك نور الفهم والسكينة، وأن يُلين قلب والدك لك، ويجعل بينكما مودة ورحمة.